ثورة 25 يناير لم تقم لإزاحة الطاغية مبارك وهدم مشروع التوريث.. وانما قامت لإعادة مصر إلي مكانتها الحقيقية بين الأمم. كان هذاالهدف الأسمي لأكثر من 20 مليوناً شاركوا في ميادين التحرير المصرية بكل المحافظات حتي رحل الطاغية الذي أذل مصر وهوي بها إلي أسفل سافلين ومعه مجموعة من اللصوص وعصابة لم تكتف بنهب خيرات مصر وإنما عمدت إلي جعل الشعب يغوص في جهل حتي لا يثور في يوم من الأيام.
ومع احترامي وتقديري لشعارات ثورة 25 يناير وهي : عيش، حرية، عدالة اجتماعية.. فإنني أري ومعي الكثيرون أن آفة مصر الحقيقية ليست في هذه المطالب الثلاثة.. وانما في الجهل الذي أصاب شعبها علي مدار 30 عاما من حكم الفاسد مبارك وعصابته. في عهد الفاسد تراجع العلم بشدة. هرب أصحاب المواهب العلمية الحقيقية إلي جميع دول العالم لأنهم لم يحتملوا منظومة تعليم عقيمة لا تنتج سوي ملايين الجهلاء حتي ولو كانوا من خريجي جامعات. في عهد الفاسد مبارك كانت الكلمة العليا للفهلوة والنصب والاحتيال.. تحدث الناس بلغة المال.. شاهدنا جهلاء يتقلدون معظم المناصب في جميع المؤسسات.. شاهدنا أشخاصا يحملون مؤهل متوسط أو أقل يتقلدون المناصب الثقافية في مؤسساتنا الصحفية والاعلامية. أصبح خريجو الجامعات منبوذين.. وأصبح الجهلاء أهم الوجهاء في الوطن المسلوب.
وبعد قيام الثورة توقعت أن تنهض مصر من كبوتها الطويلة وأن يبدأ الثوار البناء الحقيقي للوطن.. ولكن للأسف انشغل الجميع بالسلطة وتكوين الأحزاب السياسية والصراع مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي يدير البلاد. وأنا لا أدعو شباب الثورة للانشغال عن السياسة ولكنني توقعت منهم أن يبدأوا خطوات عملية لنهضة مصر خاصة بعدما جاءت نتيجة الاستفتاء علي الدستور وتعديل بعض مواده لتؤكد أن في مصر 4 ملايين مثقف فقط وهم الذين قالوا «لا» ولم ينخدعوا بالشعارات الدينية التي كانت تقول وقتها من يقول «لا» سيدخل النار!! هذا الاستفتاء أضاء لنا النور الأحمر أننا أمام كارثة قادمة خاصة أننا جميعا اخترنا الديمقراطية طريقا لا رجوع عنه ونسينا أن من أهم كوارث الديمقراطية في بلد مثل مصر بها أمية كبيرة أن نختار الشخص الخطأ لأن الأكثرية لا تعي شيئاً.
لم يلتفت الثوار الحقيقيون لهذه الاشكالية وهي أن الفترة الانتقالية ستطول لأننا شعب يجهل السياسة ويجهل الحياة.. صحيح لدينا وعي ولكن هذا الوعي لا يكفي .. ولا يمكن قياسه لتحديد طريق البلاد. ففي بداية الثورة كان المثقفون يرون أن مصر تسير علي نهج النموذج التركي وهو نموذج علماني مبني علي أرضية دينية وقد نجحت تركيا في أن تستعيد مجدها القديم وأصبحت من أهم دول العالم في فترة زمنية وجيزة. ولكن.. لأن نسبة الأمية في مصر تفوق ما كنا نتصوره فقد حادت الثورة علي الطريق التركي ووجدنا أنفسنا بفضل الجهل نسير علي درب النموذج الأفغاني والسعودي وكان أكثر المتشائمين يرون أن النموذج الايراني قد يكون به خير خاصة أن الشعب المصري يمتلك المقومات التي تجعله ينهض بسرعة مثل الشعب الايراني.
للأسف ضللنا الطريق بسبب الجهل.. وأصوات الجهلاء في انتخابات مجلسي الشعب والشوري والذين منحوا تيارا بعينه غالبية الأصوات. لكن وسط هذا الظلام.. أجد شعاع نور قادم من بعيد أنه مبادرة «العلم قوة» لمحو الأمية والتي بدأها الداعية عمرو خالد ونجحت في محو أمية 40 ألف مصري خلال ثلاثة أسابيع فقط. أننا جميعا في حاجة لمثل هذه المبادرات فمشكلة مصر ليست في الفقر وإنما في الجهل.. لان القضاء علي الجهل يقضي بالتبعية علي الفقر والمرض ويعيد مصر علي قمة دول العالم.