بحكم المهنة أتابع جميع الصحف- تقريباً- ولو بقراءة العناوين.. وللحق فإنني أري انحداراً مهنياً لا مثيل له في عالم الصحافة الآن. أنا لا أتكلم عن آداب المهنة.. وإنما عن حرفية نقل الخبر وصياغته وتقديم ما يهم القارئ. وإذا كانت الصحافة سلعة.. فالمعروف أنها ليست سلعة أساسية فلا هي ماء أو عيش ويستطيع الإنسان أن يحيا بدون صحافة.. إذن فالصحافة سلعة يمكن الاستغناء عنها. ولكن المحير أن الإنسان لا يستطيع الاستغناء عن تناقل الاخبار ومعرفة الاسرار.. ومع انحدار مهنة الصحافة.. راح القاريء يبحث عن صحافة جديدة في مكان آخر.
وقبل سنوات ظهرت صحافة الفضائيات. وهي نوع جديد من الصحافة المرئية يعتمد علي »التوك شو« حيث يتم مناقشة القضايا المهمة بالصوت والصورة. ولكن هذه الصحافة المرئية أيضاً انهارت تدريجياً ولم تستطع جذب المشاهدين أو القراء لأنها لم تختلف كثيراً عما تقدمه الصحف اليومية.. وإنما أصبحت متابعة لما تنشره صحف الصباح.
ثم ظهرت الصحافة الاليكترونية عبر شبكة الإنترنت، وأجمع الخبراء علي أن هذا النوع من الصحافة هو المستقبل، وأن الصحافة الاليكترونية ستسحب البساط تماماً من تحت أقدام الصحف الورقية وبرامج »التوك شو« المنتشرة في الفضائيات. ولكن للأسف فإنني أري أن الصحافة الاليكترونية امتد إليها فيروس الملل أيضاً ونفس نوعية الأخبار والمناقشات التي تجري علي الفضائيات والصحف الورقية وإن كان ما يميز الصحافة الاليكترونية حتي الآن هو الخبر المختصر الذي نسميه السندوتش (!)
وفي هذه الأجواء والزخم الإعلامي.. ظهرت صحافة جديدة مميزة جداً.. هي صحافة الفيس بوك وتويتر أي صحافة مواقع التواصل الاجتماعي. الغريب في هذا النوع من الصحافة أن الكل يشارك فيها بالعمل الصحفي.. وإذا تدارست نوعية هذه الأخبار التي يتداولها مستخدمو الفيس بوك وتويتر والتعليقات عليها ستكتشف من الوهلة الأولي أنك أمام صحافة حقيقية.. غير مزيفة وغير منافقة لسلطة. وصحافة الفيس بوك مذهلة في سرعتها. فهل تصدق أن تفاصيل فرح عمرو حمزاوي نائب الشعب والفنانة بسمة انفردت بها صحافة الفيس بوك بينما الصحف الورقية في وادٍ.. كما انفردت صحافة الفيس بوك بصورة تهنئة نادر بكار للعروسين ولم تنشرها جريدة واحدة!
صحافة الفيس بوك لابد وأن تدفعنا إلي التمهل وإعادة التفكير فيما نقدمه للقراء.. فلاشك أن القارئ اختلف ذوقه واختلفت أدواته.. والصحافة بشكلها الحالي أصبحت مثل الديناصور الذي يسير بخطي واثقة نحو الانقراض. علينا أن نبحث عن القارئ من جديد.. ونبذل جهد أكبر حتي نلبي احتياجاته.. وإلا فإننا لن نختلف كثيراً عن من كان يؤذن في مالطة!