اختارت اللجنة المشرفة علي تنظيم ملتقي القاهرة الدولي الرابع للشعر عنوانًا لافتًا: "الشعر ضرورة" جاء المؤتمر في وقت يشهد مرحلة صعبة تمر بها القصيدة العربية، في ظل انتشار ساحق للرواية، وفي الوقت الذي انصرف فيه بعض الشعراء إلي كتابة الرواية، البعض وجدها فضاءً أرحب للبوح بما يريد أن يقول، والبعض الآخر وجد في جوائزها السخية ضمانًا لمستقبل أفضل من الناحية المادية، ورواجًا بين جمهور القراء الذي لم يعد يكترث كثيرًا لما يقول الشعراء. هنا نحاول الإجابة عن ضرورة وجود الشعر من خلال الشعراء أنفسهم. "الشعر هو صوت الروح وصوت القلب وصوت العاطفة، وهنا تكمن ضروريته" هكذا يري الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة الذي يتصور أنه حال انتفاء هذه الثلاثية عن الإنسان فسوف تختفي معالم إنسانيته ومظاهر تجليها من الأساس. تابع أبو سنة: "الشعر عماد اللغة واللغة التي نتكلمها هي اللغة العربية الفصحي التي ينطق بها ديننا الإسلامي ويتعلم بها أولادنا في المدارس، كما أنها تعتبر لغة الخطاب بمختلف تنويعاته في أجهزة الإعلام المختلفة. هكذا يكون الشعر ضروريا للغة العربية، اللغة التي تجسد وتجسم هويتنا، فقد عاشت منذ قرون طويلة لغةً للشعر وللقرآن، ولو أننا استسلمنا لتلك الأصوات التي لم تعد تري ضرورة لوجود الشعر وتتصور عدم قدرته علي التعبير، سننفصل، لا محالة، عن تراثنا الطويل الذي يمتد لقرون كبيرة، بينما نري في فرنسا، إيطاليا، وإسبانيا، أن القوم هناك يحيطون لغتهم بقداسة ولهذا نجدهم يقيمون مهرجانات للشعر بصورة دائمة، ويضعون وظائف عالية المستوي للشعراء، مثل وظيفة شاعر الملكة في انجلترا وشاعر الكونجرس في الولاياتالمتحدة الأمريكية". تحدث أبو سنة عن بعض الشعراء الذين ينصرفون إلي كتابة الرواية، فقال إنهم شعراء زائفون، فشلوا في أن يكونوا شعراء حقيقيين، لأن الشاعر الحقيقي لا يتخلي أبدًا عن القصيدة ولا تتخلي هي عنه، "لا يستطيع". يضيف: "أنا شاعر أؤمن بضرورة الشعراء لأني أتنفس من خلاله حقيقة وجودي، ولكن هناك شعراء تركوا كتابة الشعر باتجاه الرواية لأن كتابة الرواية أسهل، غير أنها فن محترم أقدره، ولكن الشعر يحتاج إلي إلهام، خيال، وإيقاع، فضلًا عن ضرورة الاتكاء علي لغة رفيعة" "كل ما في العالم الآن يحاصر الشعر ويخنقه، وليس الشعر وحده هو المحاصر، بل اللغة والحب والصداقة، ولا ملجأ لنا إلا أن نعود إلي أنفسنا، وأن نسترد وعينا بواقعنا، وأن نتحدث مع قلوبنا، ولا ملجأ لنا إلا الشعر، لنتخلص به من الكراهية بيننا" هكذا بدأ الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي تعليقه علي مفهوم "ضرورة الشعر" الذي رأي أننا في أشد ما تكون الحاجة إليه خصوصًا في هذه الأيام. تحدث حجازي عن الشعر كمعادل للحياة، للإنسانية وبقائها، يري فيه كونًا كاملًا، له خصوصيته ومعالمه، التي ما إن تنهار، فتنهار معها بقية الأشياء، العوالم، والبشر الساكنون علي هذه الأرض. تابع حجازي: "إنقاذ الشعر متصل بإنقاذ العالم، لأن كليهما يرتبط بالآخر، نظرا لأن الشعر ينقذ قلب الإنسان الذي هو أساس وجود وتعمير العالم من حوله وإذا ما فقد هذا الارتباط تفقد الحياة معناها والإنسان خصوصيته". عاد حجازي إلي القرن الماضي، والقرن الذي سبقه، حيث توالت الكشوف العلمية، وأصبحت الطبيعة والتاريخ والجسد والإنسان والروح والعقل فضاءات مفتوحة علي اتساعها، للكشف والتنقيب، وكانت من محاولات هذا التنقيب، البحث عن الذات التي انطمست داخل تروس الحياة، فجاء الشعر ليزيل عنها الغبار، ويجليها في صورة أكثر بهاءً. يضيف: "هكذا ازدهرت الصناعة والتجارة وصار العالم كله شبكة مترابطة من المصالح في كل شيء، ووجد المثقفون الأوروبيون والشعراء أنفسهم خارج هذا العالم، الذي لم يعودوا يعرفونه، وأخذوا يتحدثون عن ضياع الحقيقة، ومنهم من تحدث عن ضياعه هو وافتقاده لنفسه التي لم يعد يستطيع التعرف عليها، وهنا يتضح ما أريد قوله عن ضرورة الشعر، فبدون الشعر يفقد الإنسان ارتباطه بروحه، وبمن وما حوله". الدكتور سعيد توفيق تحدث عن الشعر كصناعة لها ضروريات، أوجبت ضرورة وجود الشعر وبقاءه في حياتنا. يتابع: "هذا العنوان الذي اختاره الملتقي ليعبر عنه جاء مناسبًا جدًا، لأننا بحاجة للإجابة عن ضرورة الشعر في حياتنا، لأن هذا التساؤل يأتي في وقت تسيطر فيه الصورة علي الأذهان، فضلا عن التكنولوجيا ومنجزات العلم الحديث. الشعر ليس ترفًا أو ترويحا عن الإنسان وحسب لأن هذا التصور يخفض من قيمة الشعر ويهينه، هذا لأن المعاني التي يرمي إليها الشعر ولغته، لا يمكن حصرا في صور شعرية تتكيء علي تشكيلات لغوية، ولكن الشعر هنا يعبر عن عالم إنساني متكامل له وجوده الخاص، وجود يتجلي في عالم خاص من اللغة". يضيف: "الشعر يرتبط باللحظة التاريخية، كما أن لديه ارتباطًا وثيقًا بالوجود. الشعر هو الحياة نفسها". يتساءل: "لا أعلم في الحقيقة كيف ينصرف شاعر عن الشعر، كيف بإمكانه أن يجافي القصيدة؟ إن الشاعر الحقيقي ينشغل علي الدوام بأسئلة الوجود، وبالتزامن، في الوقت نفسه، ينشغل بمحاولة البحث عن إجابات عن هذه الأسئلة، وهنا تتضح بجلاء أهمية الشعر، ضرورته، ولا أعلم كيف يمكن للحياة أن تستمر في طريقها دون وجود الشعراء، برؤاهم المختلفة، وأسئلتهم التي لا تنتهي ولا تقنع بالإجابات الحاسمة، بل تنشد الكمال في فهم ما يحدث. الشعر ضرورة ولا يمكن الاستغناء عنه".