لعدة أشهر خلال حملته الانتخابية، ظل دونالد ترامب يتحدث باعتباره ممثلاً للطبقة العاملة في أمريكا، وفي الوقت نفسه لم يتوقف عن ترديد عبارة »أولئك الفتيان الذين يديرون صناديق الاستثمار في وول ستريت أبلوا بلاءً حسناً»، في معرض أي حديث عن الأزمة المالية العالمية، التي اندلعت عام 2008 إثر أزمة الرهن العقاري، ما تسبب في إفلاس بنوك ومؤسسات مالية كبري، وكانت أصابع الاتهام آنذاك تتجه صوب أولئك الذين امتحدهم ترامب، علي خلفية شبهات فساد تتمثل في تقاضي أجور خيالية وانتهاج سياسات اقتصادية عالية المخاطر. ومنذ انتخابه قفز »أولئك الفتيان» في الصفوف الأولي المحيطة بالرئيس الخامس والأربعين في تاريخ الولاياتالمتحدة، وهو ما يظهر في الفريق الذي اختاره ترامب لتسلم مقاليد السلطة، الذي سيشكل بعضهم العمود الفقري للحكومة الأمريكية الجديدة المقرر الإعلان عنها في غضون أيام، طبقاً لما ورد بالصحف الأمريكية. ستيفن نيوشن هو الوجه الأبرز المرشح لحمل مفاتيح الخزانة الأمريكية، وهو الرجل نفسه الذي كان مشرفاً علي الإدارة المالية للحملة الانتخابية لترامب، والذي أمضي حياته في وول ستريت، فبعد 17 عاماً بمؤسسة جولد مان ساكس المصرفية الشهيرة، والتي احتل فيها والده منصباً مرموقاً، انتقل لإدارة أحد الصناديق الاستثمارية، قبل أن ينشأ شركته الخاصة »ديون كابيتال». أحد أبرز الأعمال التي تُنسب لنيوشن هو مساعدته عددا من المستثمرين علي رأسهم جورج سورس وجون بولسون في تملك مؤسسة »إندي ماك» البنكية المتخصصة في القروض العقارية عالية المخاطر، والتي أشهرت إفلاسها علي وقع أزمة الرهن العقاري. وكانت »إندي ماك» في بداية إشهار إفلاسها تحت وصاية الوكالة الفيدرالية لضمان الودائع البنكية، ثم انتقلت إلي نيوشن وشركاه نظير مليار ونصف المليار دولار، ليُعاد تسميتها إلي »ويست بنك»، واشتهرت في الصحف الأمريكية بأنها » غول الاستيلاء علي مخصصات كبار السن»، وبعدما باع ستيفن نيشن »ويست بنك» لجورج سورس مقابل 3،4 مليار دولار، قام سورس بطرد آلاف الأمريكيين من منازلهم تحت ذريعة عدم سداد ما عليهم من أقساط. ووجه له معهد بلومبيرج اتهامت بممارسة تمييز عنصري، فقد كان الطرد فوريا ودون نقاش للأمريكيين أصحاب البشرة السمراء والمنحدرين من أصول عربية ولاتينية. جون بولسون المرشح لشغل منصب المستشار الاقتصادي لترامب، انتهج أيضاَ سلوكيات انتهازية وربح مليارات الدولارات من أزمة الرهن العقاري، أما ويلبور روس المرشح لشغل منصب وزير التجارة، فهو أحد أقطاب وول ستريت، وفي عمره البالغ 78 عاماً يدير حاليا صناديق استثمارية لعدد من الشركات غير المدرجة في البورصة، كما يمتلك شركة متخصصة في شراء المؤسسسات المفلسة في قطاعات النسيج والحديد وفي مناجم الفحم، ليعيد هيكلتها وجدولة ديونها ثم بيعها من جديد، لذا فإن روس يشتهر بلقب »ملك التفليسات»، وعُرف عن روس طرده آلاف الموظفين من الشركات التي يشتريها بأعصاب باردة، وعدم اكتراثه بقواعد الأمن والسلامة تجاه العمال الذين يعملون في مناجم الفحم التي يمتلكها، ففي منجم ساجو الواقع في فيرجينا غربية، منع روس عام 2005، عماله من الانضمام لنقابة تدافع عن حقوقهم، وفي عام 2006 وقع انفجار في نفس المنجم أودي بحياة 12 شخصاً، نتيجة عدم توفير بيئة آمنة للعمل. ومن المرشحين لمنصب المستشار الاقتصادي لترامب أيضاً.. لويس آيزنبرج الشريك السابق بمؤسسة جولدمان ساكس، التي أجبرته علي الاستقالة بعد عشرين عاماً أمضاها عضواً بمجلس إدارتها، علي وقع فضيحة تحرشه جنسياً بإحدي الموظفات. كما أن الملياردير روبرت ميرسر مدير الصناديق الاستثمارية لشركة »رينسانس تكنولوجي»، فإن ابنته ريبكا ضمن الفريق الانتقالي لترامب. بول أتكينز(58عاماً) من الأسماء التي يُطلق عليها »ذئاب وول ستريت»، نظراً لسياساتهم الاقتصادية التي تدهس العمال والموظفين، لصالح أصحاب رؤوس الأموال، وكذلك ديفيد مالباس الذي عمل مستشاراً للرئيس الراحل رونالد ريجان، وترأس لمدة 15 عاماً بنك الأعمال »بير شتيرنس» إلي أنه أشهر إفلاسه في مارس 2008. أما جيف أيزناك الذي عمل مستشاراً لكبريات شركات الاتصالات الأمريكية، فغالبا هو من سيتولي رئاسة اللجنة الفيدرالية للاتصالات، فيما سيكون مايكل كاتانزارو الذي عمل في شركة هاليبرتون البترولية التي كان يترأس مجلس إدارتها ديك تشيني مهندس غزو العراق، ونائب الرئيس الجمهوري السابق جورج دبليو بوش، مستشار ترامب لشئون الطاقة. إجمالاً يمكن إحصاء ما يقرب من عشرين شخصية تتحكم في بورصات وول ستريت، أصبحت مرشحة لمناصب هامة في إدارة ترامب، وهو ما أدانته إليزابيث وارين، السناتور بمجلس الشيوخ، في خطاب وجهته مباشرةً إلي ترامب يوم الخامس عشر من نوفمبر الجاري، وجاء فيه: » لقد وعدت بأنك لن تكون بين يدي ممولي حملتك الانتخابية، ولوبي أصحاب المصالح في وول ستريت الذين أفسدوا الحياة السياسية لفترات طويلة.. لقد وعدت بأنك ستجفف ذلك المستنقع في واشنطن». وكانت أولي بوادر تنصل ترامب من وعوده الانتخابية ظهرت في حوار الرئيس المنتخب يوم الثالث عشر من نوفمبر في حواره مع قناة "سي بي إس"، حيث قال: » من الصعب أن تجد شخصاً للعمل مع الحكومة دون أن يكون له علاقة بلوبي ما.. واشنطن في مجملها لوبي ضخم جداً».