يشكل التكريم الدافع المعنوي الذي يعزز طاقة الفنان ويدفعه للمزيد من العطاء والنجاح، ويعتبر نوعاً من رد الجميل للفنان لما قدمه طيلة السنوات التي قضاها لإسعاد الجمهور من خلال أعماله الفنية، لكن من المحزن الإنتظار حتي مفارقة هؤلاء النجوم للحياة ليأتي تكريمهم في يوم تأبينهم، وليصبح تكريما سلبياً في الوقت الضائع، فمهما كان حجمه بعد الوفاة لن يضيف شيئاً، وأن كان هناك بعض المحاولات من عدد من المهرجانات لتكريم نجوم شباب على قيد الحياة، لكن تظل هناك أسماء كبيرة لفنانين تستحق التكريم تعاني من انخفاض منسوب التقدير المعنوي لعطائهم.. حاول مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الحالية، أن يكسر تلك القاعدة، وذلك من خلال تكريم مجموعة من الفنانين والمبدعين الشباب، ومنهم أحمد حلمي الذي نال جائزة "فاتن حمامة للتميز"، وعلق على تكريمه قائلا: "زمان كان يكرم الفنان بعد وفاته، أما الآن أصبح يكرم قبل وفاته بساعة، يعني بيأخد التكريم وهو خارج، والحمد الله أصبحنا أسرع وأسرع وبنتكرم وإحنا في قلب الدنيا"، وأهدت إدارة المهرجان الدورة الحالية إلى روح الفنان الراحل محمود عبد العزيز. رفض معظم الفنانين يرفضون مسألة التكريم بعد وفاة الفنان، وقد أشارت إلهام شاهين إلى هذه النقطة أيضا في مهرجان القاهرة السينمائي، لافتة إلى أن الفنان عندما يكبر في العمر ينتابه اكتئاب شديد قد ينهي حياته، مشيرة إلى أن الفنان الذي يصنع البهجة للآخرين على الشاشة لا يستطيع أن يصنعها لنفسه خلف الكواليس، ومن الأفضل أن يتم تكريم الفنانين الكبار في حياتهم وليس بعد مماتهم، وتابعت: "محمود عبد العزيز كان يحمل حزنا كبير بداخله، وكان يحمل هم البلد والفن بشكل عام، فكان لابد أن يأخذ حقه في حياته". نضج فني أما الفنان محمد صبحي فقد دعا إلى عدم تكريمه بعد وفاته وذلك في سياق حديثه ببرنامج "بوضوح" مع الإعلامي عمرو الليثي، وطالب كل محبيه أن يرفضوا تكريمه بعد رحيله، قائلا: "أياكم.. لأنني أرفضه وأنا حي، فنحن بحاجه إلى أفكار تهدم الإطار"، منوها أنه لم يرى احتفاءً بفنان شاب، وأن الدولة تكرم الفنان بعد وفاته انطلاقا من أنها "ارتاحت منه"، وأنه لا يجد تفسيرا آخر لذلك، خاصة أن كل فنان بحاجة إلى التقدير وهو لايزال على قيد الحياة، وتساءل: "لماذا نقولها بعد فوات الأوان؟، لماذا لا نتحلى بالجرأة النبيلة كي نتصل بفنان ونقول له أنت عظيم؟، أليس من الأجدر أن نكرم الفنان وهو بيننا كي يعي كل مبدع أنه سيتم تكريمه أيضا قبل أن يرحل، فعندما يأتي التكريم في قمة نضجه وعطائه الفني يعد ذلك دافع قوي لمزيد من الإنجازات". عشوائية الاختيار بينما أكد الفنان عزت العلايلي على أهمية تكريم الفنان في حياته، وتساءل قائلا: "ماهي قيمة التكريم أن لم يكن حافزا لتقديم المزيد من العمل، فالفنان عندما يكرم من أي جهة ينتابه شعور بما قدمه لجمهوره، ويعتبر ذلك نوعا من الوفاء ورد الجميل"، ويتابع قائلا: "لا يمكن إنكار جهود بعض المهرجانات والجهات المسئولة للاحتفاء بالفنانين وهم مازالوا أحياء، فقد تم تكريم العديد منهم، ومؤخرا حصلت على وسام العلوم والفنون وسعدت جدا بهذا التكريم، لكن من المفترض أن يستمر هذا التكريم وألا يتوقف عند أشخاص بعينهم، وفعلا نسبة كبيرة من التكريم تأتي بعد وفاة الفنان، وهو أمر محزن أن تعيش أسماء قدمت الكثير للفن وعاشت آخر أيامها في طي النسيان، ليأتي تكريمهم بعد رحيلهم، لكن لن يكون له طعم، فهو ليس تكريما بقدر ما هو نوعا من أنواع المظاهر والبحث عن دور للجنة التي تكرمه، وهي مسألة يسأل فيها أولي الأمر، من وزير الثقافة وهيئة المهرجانات والظروف التي تفرض عليهم اختيار أسماء بعينها دون غيرها، ولكي نبتعد عن العشوائية في الاختيار لابد من التخطيط ووجود كشف يتم من خلاله رصد الشخصيات التي يتم تكريمها في كل عام، بمختلف المهرجانات، ولا يجب الإنتظار حتى يكبر الفنان ليتم تكريمه وهو على فراش المرض، فالتكريم لا يقاس بالمراحل العمرية، لكن وفقا لمشواره وجودة أعماله الفنية". تطور فكرة التكريم "لماذا لا يتم النظر لقيمة الفنان إلا بعد رحيله؟"، سؤال أجاب عليه الناقد يوسف شريف رزق الله والمدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ويقول: "أعتقد أن المهرجان في دورته هذا العام كسر تلك القاعدة، فالتكريمات كلها كانت موجهة لفنانين ومبدعين سينمائيين في مراحل عمرية مختلفة، وعلى قيد الحياة، باستثناء الراحل محمد خان، فتكريمه كان مقررا قبل رحيله في مارس الماضي، لدرجة أنه اختار بنفسه الأفلام التي يحب أن يشاهدها جمهوره بمناسبة تكريمه، لكنه قضاء الله، ولم يكن من الممكن أن يمر المهرجان هذا العام دون تكريمه أما العام الماضي فقد تصادف رحيل الفنان عمر الشريف وفاتن حمامة ونور الشريف، وكان من الصعب أن نتخطى رحيلهم دون تكريم يليق بمكانتهم الفنية، وبدعوة مجموعة من أصدقائهم من داخل وخارج مصر، مع العلم أنهم كرموا كثيرا من قبل المهرجان وهم على قيد الحياة، فمن غير اللائق تهميش أو تخطي المبدعين الراحلين". ويتابع قائلا: "أصبح هناك تطور لمنظور تكريم الفنانين، وأتحدث هنا عن مهرجان القاهرة السينمائي، فقد أسسنا العام الماضي جائزتين هما (فاتن حمامة التقديرية)، وتخصص لفنان أعطى الكثير ووصل إلى القمة سواء في التمثيل أو الإخراج، وجائزة (التميز) وتمنح لفنان في بداية أو منتصف مشواره الفني، والعام الماضي حصلت عليها نيللي كريم، وهذا العام أحمد حلمي، وهاتان الجائزتان تمنحان فرصه اكبر لقدير وتقييم اسماء كثيره ومن مختلف الاعمار والفئات واتصور ان المرحله العمريه المناسبه للتكريم تبدأ بعد الثلاثون الى الاربعين عاما فهو العمر المناسب لجائزة التميز والتى تمنح طبعا وفقا لمعايير مهنيه وجودة ماقدمه من اعمال فنيه فالجائزه لاتمنح اعتباطا ولكن تمنح لمن يستحق التميز بأعمال تستمر وتبقى على مر التاريخ في شتى المجالات". جانب إنساني أما عن الظروف التي تفرض تحديد أسماء المكرمين، يقول الأب بطرس دانيال، رئيس المركز الكاثوليكي للسينما: "الفنان يعد ثروة قومية، ويفترض أن يكرم بشكل لائق، والمركز الكاثوليكي كرم الكثير من الفنانين والمبدعين وهم على قيد الحياة، لكن عند تحديد المكرمين لابد من النظر إلى مشوارهم الفني وقيمة أعمالهم، والمهرجان الكاثوليكي يقدم جائزة ل(الريادة السينمائية) وأخرى للموسيقية، وهي مخصصة لمن لهم تاريخ طويل في الفن، وجائزة تشجيعية للشباب، والمركز كرم الكثير من الفنانين في بداية مشوارهم، منهم أحمد السقا ومحمد هنيدي وعلاء ولي الدين، وفنانات مثل حنان مطاوع، وكل من بدأ بداية جيدة كرمناه، وهم مستمرون في مسيرتهم الفنية، وإلى جانب تكريم النجوم أمثال فيروز ويسرا وعزت العلايلي ومحمود ياسين وجميل راتب، من الممكن أيضا أن نمنح التقدير لفناني الأدوار الثانوية، حتى ولو قدم عملا واحدا، فهو يستحق التقدير، فالقيمة المعنوية للجائزة أكبر بكثير، لأنها ترفع الروح المعنوية للفنان وتدفعه للمزيد من التفوق.. ويضيف قائلا: "لأننا نحترم الجانب الإنساني إلى جانب الفني، فتركيزنا ينصب نحو الفنانين المرضى، ومنذ عام 2007 ونحن نضع في قائمة المكرمين من أبتعدوا عن الأضواء لأسباب مرضية، وأستطعنا أن نلحق ببعضهم قبل أن يرحلوا عن عالمنا، مثل محمد أبو الحسن ومحمد الدفراوي وسهير الباروني ويوسف داوود الذي كرمناه في المستشفى، فهذا التكريم بالنسبة لهم تعبيرا عن تقدير أعمالهم، وأنهم بالفعل حققوا النجاح في رسالتهم، ولو ركزنا أكثر على الشباب قد ننسى الكبار، وهو أمر محزن، فتركيز المهرجانات على الراحلون أو المرضى هو جانب إنساني لتخليد ذكراهم ورفع الروح المعنوية لمن أقعدهم المرض، لكن هذا لا ينفي أهمية تكريم الأحياء منهم، وهو ما نوهت له الفنانة إلهام شاهين في حفل تأبين الراحل محمود عبد العزيز". مسألة نسبية وترى الناقدة ماجدة خيرالله، أن الدولة تحترم عطاء الفنانين والمبدعين وتكرمهم قبل رحيلهم، وتضيف: "أعتقد أن المسألة نسبية وتمثل حالات معينة، وبالفعل هناك فنانون لم يتم تكريمهم منذ فترة طويلة، كما أرى أن التكريم له وقته، وأنه بين الحين والآخر يتم تكريم فنانين ومبدعين تبعا للمناسبة، وهناك الكثير من الفنانين تم تكريمهم وهم أحياء، بل وهم في قمة عطائهم، مثل فاتن حمامة ومحمود ياسين وميرفت أمين ونجلاء فتحي وشويكار ونادية لطفي وصفية العمري وغيرهم، لكن يصادف أحيانا وفاة فنان بالتزامن مع انطلاق مهرجان، فيتم تكريمه، أو أن يعلن مهرجان عن تكريم فنان وفاجأة يرحل قبل التكريم، فيكون من الواجب تكريمه، أما بالنسبة للشباب فنسبة تكريمهم قليلة، لأن معظم المتواجدين على الساحة حاليا ليس لهم منجز سينمائي لكي يكرم عليه، والتكريم ليس مجرد درع أو ورقة تمنح في المطلق، بل يجب أن يكون له غرض ومبرر، ولو نظرنا على الشباب حاليا لن نجد منهم من قدم أعمالا لتذكر بعد سنوات أنها من كلاسكيات السينما المصرية، لأن جميعها أفلام تجارية عادية، حتى الناجح منها"، وتتابع ماجدة قائلة: "لا يرتبط التكريم بالمرحلة العمرية للفنان، لكن بإنجازاته الفنية، فمثلا أحمد حلمي تم تكريمه في مهرجان القاهرة لأنه فنان له أعمال ذات قيمة ولديه خبرة بمتطلبات السوق السينمائي، وبالرغم من صغر سنه فهو واجهة جيدة ومشرفة لنا سينمائيا".