»ظل لسنوات طويلة يقول لولده، سيتم ذبحي بيدٍ تركيةٍ، يا إلهي كيف أدركها الشيخ سليمان؟».. أعلاه حروف كتبها الأديب السيناوي مسعد أبو فجر ناعياً الشيخ سليمان أبو حراز شيخ مشايخ عموم سيناء، أودية سيناء جميعها تبكي شيخ الزاهدين، ويبكيه العارفون بفضله وعلمه. لم يرحموا شيخوخته وضعفه وكف بصره، وألبسوه زي الإعدام البرتقالي قبل أن يجزوا رأسه، نحروه بدم بارد امام الكاميرات التي ارتجفت من هول ماتري عدساتها المقربة. اتهموه بالكهانة وهو العارف بالله، كفّروه وهو الموحد بالله، ولو اجتمعوا علي علم لفاقهم علماً، وورعاً، وتقوي. إنهم كلاب النار، أتقتلون رجلاً قال رَبِّي اللَّهُ.. ؟!.. سيناء تعرف شيخها الجليل، وحصي الأرض الذي مشي عليه موحداً مصلياً علي رسول الله، صلي الله عليه وسلم، يشيعه، والصوفيون في مشارق الأرض ومغاربها يبكونه، وينعونه شيخاً زاهداً صالحاً عالماً، أمضي عمره مسبحاً مصلياً داعياً في الناس بالحسني، متواضعاً علي علمه، زاهداً علي فضله، ملبياً رغم ضعفه، ذبحه كلاب النار لعنهم الله. نعاه من يعرف قدره وفضله، نعاه الحبيب بن علي الجفري في مرثية دامعة : »أقدم خوارج العصر الدواعش علي قتل شيخ الزاهدين في سيناء فضيلة الشيخ المُعمَّر سليمان أبو حراز السواركي الأشعري الشافعي الشاذلي بعد تجاوزه المائة سنة، ولم يراعوا حق شيخوخته وفقد بصره فضلًا عن علمه وورعه وتقواه، فقاموا بقطع رأسه». »وهو الشيخ الذي اجتمعت سيناء بقبائلها علي احترامه وإجلاله وقبول وعظه وتوجيهه، وكل ذلك لأنه رفض الانصياع لانحراف فكرهم الإجرامي، ولم يتورع هؤلاء المجرمون عن رميه بالشرك والكفر ووصفه بالكاهن شأنهم شأن أسلافهم من الخوارج قتلة الصحابة رضي الله عنهم». كل جريمة الشيخ المُعمَّر أنه رفض الغلو والتطرف وقتل الناس وإراقة الدماء، لم يرتهب منهم، ووقف سداً منيعاً أمام تغولهم، وطفق يدعو بين الناس بالحق، اختطفوه قبلا لشهور، وساموه سوء العذاب، وأطلقوه فلم ينحرف عن جادة السبيل، ولم ينجرف في تيارهم، عاد أقوي مما ظنوه، فاتهموه كذباً بالكهانة والتشريك بالله، معاذ الله ما كان الشيخ الجليل إلا موحداً، محباً لرسول الله، صلي الله عليه وسلم. مسعد أبو فجر يرسم صورة مقربة للشيخ الذبيح :» كان الله يرحمه لديه حس إنساني عميق يمكنه من إدراك الظواهر إدراكاً حسياً عميقاً، ومن ثم فهم النتائج والمآلات، كان زاهداً عظيماً من طراز »غاندوي» يحمل بين جنبيه روح شاعر عظيم من طراز »طاغوري». ويمسح أبو فجر عن لحية الشيخ أذي الدواعش: »أبداً لم يكن يتكاهن، كما صوّرت للدواعش عقولهم، لكنه كان الله يرحمه يأخذ الخلق علي قدر عقولهم، كان يقول لهم: استوصوا بأمهاتكم خيرا، ونحن نعرف أن الجنة، جنة الدنيا كما جنة الآخرة، تحت أقدام الأمهات، جفت الأقلام وطويت الصحف ». فقيد السواركة الكبير كان بإمكانه ان يلوذ بقمة من قمم الجبال تعصمه، لكنه اختار قدره طوعاً، ورغم التهديد والوعيد ظل علي العهد قابضاً علي جمر الدعوة إلي الله ومحبة رسوله الكريم، مخترقاً قلوب القبائل، مقنعاً لعقولها، محفزاً لهممها، مذكراً بتاريخها، مصليا بهم علي الحبيب، صلي الله عليه وسلم.