قد يأسي الكثيرون علي تراجع قوة مصر الناعمة في البلاد الإفريقية والإسلامية، ولكن حتي هؤلاء لا يملكون سوي استثناء القارئ الشهير من هذا التعميم المُخلِّ؛ وذلك لأن الواقع يؤكد أن هذا الصوت المنفوح بمدد السماء لا يزال يضع مصر في قلوب كل مسلم محبٍّ لكتاب الله أيًّا كانت جنسيته؛ بل إن صوته كان يُذيب جليد الخلافات السياسية المتغيرة التي لا تتوحد إلا علي محبة تلاوته، وتنشئ المدارس القرآنية التي تحمل اسمه تكريمًا وإجلالًا لهذا الصوت المصري القادم من أغوار الصعيد الجواني، قرية المراعزة مركز أرمنت بمحافظة قنا ليُذهل أساتذة الأصوات العالميين- حيث توجد دراسات أجنبية عن طبقات صوته- قبل أن يُذهل كلَّ أذنٍ واعيةٍ تعي معني: »فاستمعوا له وأنصتوا»، خاصة أنه كان أول قارئ في العالم الإسلامي يُسجل القرآن بالقراءات السبع.. زار معظم دول العالم فاستقبله الرؤساء بحفاوةٍ تليق بنقاء صوته، وعرض عليه ملك المغرب الجنسية المغربية فاعتذر بأدب معتزًّا بوطنيته وسجل القرآن للإذاعة المغربية بقراءة ورش. أيام وتحل ذكري وفاة الشيخ الثامنة والعشرون: (غرة يناير 1927-30 نوفمبر 1988)، والتي يُقيمها أبناؤه كل عام في مسجد الحامدية الشاذلية بالمهندسين، حيث تتحول الذكري إلي احتفال قرآني كبير يحضره علماء الأزهر الشريف وأعضاء مجلس نقابة القراء وممثلون عن مؤسسات الدولة، وإن كانت ذكري الشيخ ستكون أكثر تميزًا هذا العام كما يوضح ابنه القارئ اللواء طارق عبد الباسط عبد الصمد حيث ستشهد الاستماع إلي عددٍ من الأصوات القرآنية الشابة التي تنتمي إلي المدرسة القرآنية للشيخ والاستماع إلي إذاعة التسجيلات النادرة، مع تخصيص وقت لعرض أشهر الصور ومقالات الصحف التي تحدثت عن القارئ عبد الباسط عبد الصمد في حياته أو بعد وفاته، وسواء كانت صحفًا مصرية أو عربية أو أجنبية؛ مشيرًا إلي أن وزارة الثقافة بصدد التجهيز لاحتفالية ضخمة في قصر الأمير طاز باسم: »يوم في حب الشيخ عبد الباسط عبد الصمد» وستضم أيضًا عددًا من تسجيلاته وحفلاته النادرة، مع فيلمٍ تسجيلي عن رحلة والدي القرآنية بالإضافة إلي عرض نماذج من مقتنياته، في سعي مشكورٍ لوزارة الثقافة لإبراز الأثر التاريخي والقومي للشيخ عبد الباسط. ويُتابع القارئ اللواء طارق أن ما لا يعرفه الناسُ أن والدي الذي أدهش العالم بطلاوةِ صوتهِ كان أبعدَ الناسِ عن الغرور، كما أنه كان يهتم بهندامه كثيرًا، حتي إذا كان لديه موعد للقراءةِ فإنه يتوضأ ويصلي ويتغير وجهه ولا يبدأ أحدًا بالحديث بل ولا يرد علي أحدٍ إلا في الضرورة القصوي وبأقل الألفاظ، وكنا كأسرته نعلم ذلك منه ونحترمه، فإذا اتخذ جلسة القراءة وبدأ التلاوة انعزل عن الحاضرين وعن الحياة كلها واندمج في القرآن اندماجًا تامًّا، وتشاهد هذا في التسجيلات المرئية القليلة الموجودة الآن، فإذا أثني الناس علي قراءته بعد الانتهاء لا يزيد علي أن ذلك كان من فضل الله عليه، حيث كانت لديه قناعةٌ أن القرآن إنما هو هبةٌ من الله وحده ولا فضل لشخصه فيها. كما قرأ الشيخ في أشهر مساجد الأرض في المسجد الحرام والمسجد الأقصي وغيرهما وفي كبريات المناسبات في قصور الملوك والأمراء والسلاطين والرؤساء، كما قرأ في وفاة الرئيس عبد الناصر ووفاة الرئيس السادات؛ كما قرأ في بلاط الملك سعود بن عبد العزيز أثناء زيارته الأولي للمملكة لأداء فريضة الحج في عام 1951م. وحصد الشيخ مجموعة كبيرة من الأوسمة العالمية منها: وسام الاستحقاق الذي منحه إياه رئيس مجلس الوزراء السوري صبري العسلي عندما قرأ في المسجد الأموي بسوريا عام 1956م؛ ووسام الأرز الذي قلّده إياه الرئيس سامي الصلح في لبنان؛ ووسام الاستحقاق الذي أهداه إياه الرئيس السنغالي الأسبق والمفكر الكبير ليوبولد سنجور؛ ووسامًا من ملك المغرب؛ ووسامًا آخر حصل عليه الشيخ قبل انتقاله إلي جوار ربه من الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بمناسبة الاحتفال بليلة القدر في عام 1986، إضافة إلي مجموعة كبيرة أخري من الأوسمة.