الله سبحانه وتعالي:}يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلي الكعبين وإن كنتم جُنُباً فاطهروا{، إنه الوضوء الذي لا نتحرك بجسدنا إلي الماء كي نغسل أطرافنا ووجوهنا فقط، بل نتحرك إلي الماء وقد تطهرت روحنا قبل أن نبدأ متطهر أعضائنا الجسدية، وقد يُعرف هذا بنية الوضوء، فالوضوء فيما أعتقد ليس غسيل أطراف، فكلنا يستحم ويغسل جسده وأطرافه يوميا لكن فعل الوضوء نفسه ليس كهذا الغسيل، إنها عملية تهيئة روحية تسبق التطهر الجسدي قبل الإقبال طاهرين للوقوف بين يدي الله جل جلاله للصلاة. والوضوء يبدأ بالنية ومحلها القلب، وهو أحد شروط الصلاة وبدون الوضوء لا تقبل الصلاة، ففيه يتطهر الجسم من الأوساخ ومن الذنوب أيضاً، فالمضمضة ثلاث تنظف الفم وتحميه من التهابات اللثة، والاستنشاق ثلاث ينظف ما في الأنف من أوساخ وجراثيم، وقد ثبت علمياً أن غسل الأيدي والقدمين وفركهما بالماء أثناء الوضوء ينشط الدورة الدموية في أطراف الجسم، فمعروف أن الأطراف بعيدة عن مركز القلب وقوة ضخ الدم فيها ليست قوية كباقي أعضاء الجسم، لهذا فإن غسل الأطراف بالماء وفركها يعمل علي زيادة حركة الدم، كذلك توصل العلماء إلي أن سقوط أشعة الضوء علي الماء أثناء الوضوء سالبة ويقلِّل الأيونات الموجبة مما يؤدي إلي استرخاء الأعصاب والعضلات، ويتخلص الجسم من ارتفاع ضغط الدم والآلام العضلية وحالات الأرق والقلق، كما إن للماء قوة سحرية بل إن رذاذ الماء علي الوجه واليدين يعمل علي الاسترخاء وإزالة التوتر. لذا يجد الإنسان النشاط بعد الوضوء ويذهب عنه القلق والتوتر، ونتذكر أن الرسول نصحنا بالتوضؤ عند الغضب لأن الوضوء يبرد النفس ويحد من نبض القلب الشديد الحادث بسبب الغضب ويحمي مرضي القلب من إصابات النوبة بسبب الغضب، وأيضاً للوضوء أثر إيجابي علي النفس فهو يُطهر الروح، ويجعل المسلم يشعر بالطمأنينة حيث إنه يُزيل التوتر والغضب، وقد أوصانا الرسول صلي الله عليه وسلم بأن نسبغ الوضوء أي نكثر من غسل الوجه والأطراف لأنه مرة بعد أخري سوف تظهر علامات الطهارة علي وجه المؤمن ويزداد نورا، ويوم يبعثنا الله يوم القيامة ستري المؤمنين مميزين من أثر الوضوء والصلاة في وجوههم. والماء الذي نتوضأ ونتطهر به له سمات كيميائية تنفرد عن باقي العناصر المركبة، فهو يتكون من عنصرين فقط أوليين للحياة، فجزيء الماء يتكون من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين، وهذا الجزيء العجيب له خصائص فيزيائية وكيميائية عديدة تميِّزه عن غيره من السوائل وتجعله أساس الحياة، وهو المركب الكيميائي الأكثر شيوعاً علي الأرض بلا لون ولا طعم ولا رائحة ومتعادل كيميائيا فليس حمضيا ولا قلويا، غير قابل للمزج والمواد الدهنية ويوجد له حالات ثلاث بين الغازية والسائلة والمتجمدة، ولأن الماء مادة مذيبة فهو مادة موصِّلة للكهرباء فهل للمتوضئ طاقة إيجابية تتواصل والماء؟ أعتقد أنه مثلما يُذيب الماء الكثير من الأملاح والمواد والغازات، أيضاً تذوب الذنوب في الماء أثناء الوضوء! وهذا الماء الذي نتطهر به المكون من الهيدروجين والأكسجين بنسبة اثنين إلي واحد هو مخلوط انفجاري وهي نفس النسبة التي يتكون منها الماء، مع هذا الماء لا يشتعل رغم احتوائه علي غازي الأكسجين والهيدروجين القابلين للاشتعال، فهل سألنا أنفسنا لماذا لا يحترق الماء وهو مكوّن من مادتين رئيسيتين قابلتين للاشتعال؟ أحدهما الهيدروجين وهو شديد الاشتعال ويستعمل في عمليات لحم وصهر المعادن والثاني هو الأكسجين الذي هو وقود النار ولا تشتعل الحرائق الا في وجوده فما السبب؟ أنه من العجيب حين يتم الجمع بين العنصرين يفقدان خواصهما ويتحولان إلي مادة لا تشتعل فقط بل تساعد في عملية إطفاء النار وكل ما هو مُشتعل، فهل هذا الإطفاء يتقابل رمزيا وإطفاء نار الغضب والذنوب داخل المتوضئ؟ إن الله جعل من الماء كل شيء حي، والوضوء لا يصلح إلا أن يكون بالماء فقط، فهل الوضوء له سمه من الحياة الداخلية تنعكس علي المتوضئ فتطهره وتجدد من حياته الروحية؟