غادرتها ولم تغادرني ...أعلنت عليها الحب ... فبادلتني بأكثر من الحب إنها الشارقة. تلك البقعة الساحرة المطلة علي الخليج العربي ... والتي تتسم بالهدوء والإشراق والجمال ... لا يكاد يمر يوم بلا نشاط ثقافي أو أكثر فأينما تتلفت تجد ندوة أو أمسية شعرية أو ورشة حكي أو مؤتمرا أو مهرجانا أو لقاء ثقافيا .. وهكذا ... الشارقة ..عاصمة الثقافة العربية . حتي وجدتني أرتمي بين أحضانها بلهفة .. ملتقي الشارقة للسرد .. الذي يعقد كل عام .. في دورته الثالثة عشر وكان موضوعه هذا العام "الرواية العربية في المهجر". الشارقة هي الإمارة الوحيدة التي تمتاز بشواطئ علي جانبيها من جهة ساحل الخليج العربي وخليج عمان. وقد أطلق عليها في عام 1998 عاصمة الثقافة العربية لما تميزت به من ثقافة وتراث. ونالت الشارقة جائزة منظمة اليونسكو كعاصمة الثقافة للعالم العربي في العام نفسه. حاكمها هو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلي للاتحاد؛ الذي يمتاز بثقافته الواسعة في كل المجالات الأدبية والتاريخية والفكرية والدينية والجغرافية. علي هامش المؤتمر تبدأ اللقاءات الحميمية بين المشاركين والكل يتهافت علي معرفة الآخر أو يسرع لإعادة الذاكرة مع صديق تقابل معه منذ عام أو أكثر ونتجاذب أطراف الحديث والذكريات - هذا ما حدث بالفعل- في ملتقي الشارقة الثالث عشر للسرد. الذي عقد في الفترة من 18 20 سبتمبر الماضي. هناك قابلت من الأحبة والأصدقاء؛ منهم من جمعنا به شبكة التواصل الاجتماعي (فيس بوك) ومنهم من قابلنا في لقاءات ثقافية وأدبية، عددا كبيرا سمعت عنه وقرأت له روايات ومقالات نقدية وتشوقت للقاء به وانتظرت فرصة لكي تجمعنا فعالية ثقافية أو أدبية للقاء بهم كنت في حاجة للتزود بهم في رحلة الحياة التي تمر هذه الأيام بمنعطف شديد الصعوبة. معايير التصدر للعالمية وعن حيثيات اختيار الرواية العربية في المسابقات الدولية وما هي المعايير التي تصل بها للمشهد العالمي؛ تحدثت مع المشاركين من الغرب في الملتقي وهم من كانوا ضمن لجنة التحكيم الدولية للبوكر وكتارا الدولية للرواية العربية. "أهم ما نهتم به هي معلومات دقيقة في الرواية عن المجتمعات العربية وخاصة التي لم يتم تناولها في أي مشهد روائي من قبل سواء كان ثقافي أو تاريخي أو جغرافي وما إلي ذلك". هذا ما قالته المستشرقة الإيطالية الدكتورة إيزابيلا كاميرا الحاصلة علي دكتوراه في الأدب العربي. وهي أستاذ كرسي للأدب العربي المعاصر بجامعة روما، عضو عدة لجان أكاديمية في جامعات أوروبية، ساهمت في العديد من المؤتمرات في الجامعات الأوروبية والعربية وشاركت في ندوات عن الأدب العربي، قامت بدور مهم للتعريف بالثقافة العربية في إيطاليا، وترجمت إلي الإيطالية روايات وقصصا لكتاب عرب مرموقين، عضو في عدة مؤسسات ثقافية، ومنها جائزة الشارقة للثقافة العربية/ اليونسكو، حكَّمت في عدة جوائز أدبية. ويمكن القول أنها سفيرة الأدب العربي ليس لدي إيطاليا وحدها. ولكن لدي أوروبا بمجملها. ترجمت أعمالاً أدبية كثيرة إلي اللغة الإيطالية، ولكن المشروع توقف لوفاة صاحب دار النشر التي كانت تتبني المشروع. ومن مؤلفاتها التي تشهد علي عشقها الذي بلا حدود لنا ولثقافتنا: مائة عام عن الثقافة الفلسطينية، الأدب العربي المعاصر من عصر النهضة إلي اليوم، الأدب العربي في المغرب، الحضور العربي الإسلامي في المطبوعات الإيطالية، حركة الترجمة العربية في إيطاليا، والعمل الأخير يوشك أن يكون سردا دقيقا لكل ما صدر من المطابع الإيطالية مترجما عن الأدب العربي، أو دراسات عن الأدب العربي. د. باربرا ميخالاك بيكولسكا من بولندا؛ أستاذة الأدب بجامعة باجيللوتسكي؛ وهي رئيس قسم اللغة العربية وأدابها ومديرة معهد للاستشراق وقد شاركت في العديد من المؤلفات الأدبية والعلمية حول العالم ولها العديد من المؤلفات الأدبية والدراسات منها القصص القصيرة المعاصرة الكويتية، التراث في إبداع ليلي العثمان، نماذج من القصة في الجزيرة العربية، عالم عبدالله خليفة الشعري. تتحدث معي بشغف شديد لتتعرف علي أهم ما نقرأ بمصر من الروايات النوع والأسماء ما نفضله وما نرفضه وتعجب كثيرا بالإجابة عندما أتحدث معها وأقول أنني أعبر عن وجهة نظري وليس هذا هو العموم من القاريء المصري، طبعا هي تحدثت معي علي ما يفضله القاريء الغربي في الرواية العربية للوصول للعالمية، وهو نقل التفاصيل والحياة الاجتماعية أو التاريخية أو الجغرافية للعلم ما لم يكن يعلم شيئا عنها ، أدق التفاصيل والخصوصيات داخل أي مجتمع ، كيف يعيش طقوس اجتماعية أو طقوس عادات وتقاليد مختلفة تماما عن الواقع المألوف يستطيع الكاتب أن ينقلها للعالم من خلال الرواية أو السرد القصصي. د. بنجامين سميث من أمريكا؛ حاصل علي دكتوراه في لغات وحضارات الشرق الأدني من جامعة هارفارد، وهو أستاذ الأدب العربي المعاصر واللغة العربية بأمريكا، مهتم بالأدب العربي وينشر دراسات في الدوريات، وقد دار حديث بيني وبينه لأكتشف أنه يتحدث العربية الفصحي أفضل مني شخصيا، يكتب العربية الصحيحة ومفردات أدبية جاذبة لا يعرفها القاريء الغربي وهو شغوف بالأدب العربي وخاصة السرد والرواية والنقد الأدبي العربي . ثم يأتي اللقاء والحديث مع كوكبة من الكتاب الروائيين والنقاد المتخصصين والقامات العلمية والأدبية من كتابنا العرب الذين أذهلوا بعضهم البعض إما بأوراق البحث أو بالمناقشات والمداخلات سواء بالتعقيب أو المداخلة .. يا له من ملتقي ثري بالموضوعات العبقرية والقوية ولو تحدثت عن كل مشارك بالملتقي لا يكفيني تأليف مجلد عن كل منهم سواء كان علي المستوي الشخصي والإنساني أو علي المستوي الثقافي والعلمي والأدبي . نبيل سليمان؛ الروائي السوري القادم من الجحيم السوري إلينا مباشرة، والذي تحدث كثيرا عن عشقه الكبير لوطنه سوريا ورفضه الرحيل لأي بلد عربي كما فعل الكثير من أدباء سوريا، وتحدث لنا كثيرا عن ما حدث بسوريا وأبنائها، وعن جرائم الدواعش التي يندي لها الجبين وعن أعداد الجرحي والقتلي والتي تفوق الوصف، وعلي الرغم من ذلك فهو لا تراه إلا مبتسما عندما يتحدث في الجلسات معقبا بتركيز شديد وفكر أدبي واع قارئ ومتابع ومثقف جيد . وعندما طلب الكلمة في لقاء الشيخ د.سلطان حاكم إمارة الشارقة في دعوة له للمشاركين بالملتقي . وأعلن الشيخ سلطان عن إنشاء مؤسسة لرعاية الأدباء والكتاب في الوطن العربي، طلب الكلمة نبيل سليمان وتحدث عن حالات تدمي القلب بين المثقفين السوريين والأدباء السوريين، وقد رد عليه الشيخ سلطان فورا بأن الشارقة جاهزة للوقوف مع أي مثقف يعاني من كرب هذه الأيام. ونبيل سليمان كما تقول أوراق المؤتمر حاصل علي ليسانس لغة عربية، عضو في عدة اتحادات أدبية وثقافية، شارك في العديد من المؤتمرات والندوات الأدبية في الوطن العربي وخارجه. من مؤلفات نبيل سليمان: بنداج الطوفان، أطياف العرش، حجر السرائر، ليل العالم (رواية)، النقد الأدبي في سوريا، أسئلة الواقعية والالتزام، حوارية الواقع والخطاب الروائي، الرواية والحرب، جماليات وشواغل روائية، الرواية العربية والمجتمع، غابة السرد الروائي (دراسة) مرآة الأحوال. د.نجم عبدالله كاظم من العراق وهو يشارك في لجنة تحكيم مسابقة كتارا الدولية للرواية العربية، دكتوراه في الأدب المقارن من جامعة إكستر البريطانية، من مؤلفاته "نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة". الحديث معه متعة من ثقافة ولغة ونقد وتركيز وتعقيب لا يضيع وقته كل كلمة عنده يعنيها تماما. د.عائشة الدرمكي نموذج مشرف للناقدة والباحثة المتعمقة العاشقة للغة العربية والأدب وحسب أوراق التعريف بالكاتبة فهي رئيس قسم اللغة العربية في الجامعة العربية المفتوحة من إصداراتها: "السلطة الخرساء سيميائيات الأمكنة في نص السيرة الذاتية" ، "سيمائيات النص الثقافي في عمان"، "سيمائيات التواصل الإشاري المصاحب للكلام". د.سعيد يقطين علامة في تخصصه، حصل علي الدكتوراه في الآداب من جامعة محمد الخامس، رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب، أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، أستاذ زائر في عدة جامعات عربية، عضو في العديد من الهيئات والمنتديات الثقافية والأدبية، نال العديد من الجوائز والتكريمات الأدبية، شارك في عشرات الندوات والمؤتمرات داخل المغرب وخارجها، له أكثر من 20 إصدارا في الدراسات النقدية والأدب منها: تحليل الخطاب الروائي، انفتاح النص الروائي، من النص إلي النص المترابط، الرواية والتراث السردي، السرد العربي: مفاهيم وتجليات، قضايا الرواية العربية الجديدة، السرديات والتحليل السردي. حتي عندما كان يتكلم فإن كلامه كان ينطلق من خلال تخصصه الدقيق، ولم يستخدم أبدا وصف الرواية أو القصة، لكنه كان يفضل كلمة السرد، يحدد من خلالها النوع السردي عموما، سواء كان رواية أم قصة. د.صالح هويدي من العراق في اللغة العربية وآدابها من بغداد وهو موسوعة في الأدب القصصي العراقي والعربي وله العديد من الإصدارات في التراث والتاريخ، وهو أحد المشاركين معي في المائدة المستديرة في تناول محور الرواية العربية في مشهد العالمية وحقيقي أثري الحوار بورقة بحث قوية ومثمرة.. تحية له. د.نادية الأزمي، من يراها يقول إنها مصرية بل تشبهني كثيرا علي حد بعض قول المشاركين.. شاركت في جلسة التناص والذاكرة الجماعية في رواية المهجر، وكانت دراستها شديدة الأهمية، وقد وهبها الله القدرة علي عرض ما جاءت به بشكل أكثر من جيد، والدكتورة نادية ناقدة وقاصة، تُحضِّر دكتوراة حول بنية السرد في الرحلة المغربية خلال القرن التاسع عشر الميلادي، أي أنها جاءت لمؤتمر كانت مشغولة قبل الحضور بموضوعه، بل وتقوم بإعداد الدكتوراة حول نفس الموضوع، وبالتالي فإن دعوتها من أسباب وعلامات النجاح للمؤتمر. لها مؤلفات منها: البرق وحلم المطر، قراءات في القصة العربية القصيرة جدا، هزائم صغيرة (مجموعة قصصية)، صورة الآخر في الرحلة المغربية خلال القرن التاسع عشر الميلادي، كما أنها نشرت عددا من الدراسات في الصحف والمجلات المحلية والعربية، شاركت في عدد من الملتقيات الوطنية والعربية للقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا، ونكمل. د.فهد حسين؛ أستاذ في الأدب العربي وكاتب وناقد له العديد من الدراسات الأدبية والنقدية والإصدارات الخليجية منها : "من الأدب الخليجي"، "المكان في الرواية البحرينية" ، "السرد الخليجي النسوي"، وهو كاتب ومثقف يعشق مصر والمصريين، وفي حديث جانبي وجدنا كتابا وقامات أدبية تجمعنا في معرفتهم سواء بالعمل أو التعليم من أهمهم أستاذنا الجميل أستاذ النقد الأدبي واللغة العربية دكتور محمد بريري والذي أثني عليه كثيرا وذكر فضله عليه أثناء دراسته العليا في معهد الدراسات العربية والتابع للجامعة العربية بالقاهرة وهو رئيس تحرير سلسلة "آفاق عربية" سابقا بقصور الثقافة. د.محمد العباسي من السعودية وهو كاتب وناقد وله العديد من الإصدارات النقدية منها سقوط التابو ، ضد الذاكرة وغيرها ، وهو قامة ثقافية وإنسانية وغاية في الذوق والاحترام يتبادل الحديث بكل الحب والتقدير واحترام الآخر في الاختلاف وإن لم نتبادل الحديث طويلا. فهد الهندال من الكويت؛ باحث قوي ومتمكن في قراءاته وناقد جيد، حاصل علي ماجستير في النقد الأدبي من جامعة الكويت وله العديد من الإصدارات منها: "العالم الروائي للطيب صالح"، "الفكر والحجر"، "النبوءة والسحر"، "للسرد بقية"، أنا شخصيا استفدت من مداخلته ومناقشته الثرية المتعمقة. الأستاذ علي أبو الريش؛ الإعلامي والروائي الذي أبهر الجميع بثقافته العربية وحب الجميع له ومناقشته في ورقته وتوالي وتتابع الأسئلة عليه وهو يسعد الجميع بوجه إماراتي يتسم بالطيبة والهدوء والعذوبة والرقة، وهو حسب ما ورد بأوراق الملتقي، كاتب وروائي وإعلامي تقلد عدة مناصب منها مدير تحرير جريدة الاتحاد ، ومدير مشروع قلم وله 25 إصدارا أدبيا وروائيا منها: تل الصنم، السيف والزهرة، أم الدراويش وغيرها. ومن الوفد المصري المشارك في الملتقي الكاتب والروائي يوسف القعيد والكاتب والروائي خليل الجيزاوي، وضيف شرف المؤتمر الناقد د.هيثم الحاج علي رئيس الهيئة العامة للكتاب. وقد كانت مشاركتي في هذا الملتقي بورقة بحث حول محور " الرواية العربية في مشهد العالمية" والتي حاولت فيها رصد المراحل التاريخية للرواية العربية والتي تصدرت فيها المشهد العالمي بدءًا من ألف ليلة وليلة وترجمتها للفرنسية والإنجليزية والإيطالية وصولا إلي نجيب محفوظ وحصوله علي جائزة نوبل العالمية عن مجمل أعماله كأول كاتب عربي يحصل علي جائزة عالمية في الأدب. في الختام؛ جاءت توصيات المؤتمر لتطالب المؤسسات الثقافية بتحمل الجهد في ترجمة الأعمال العربية إلي العالمية خاصة بعد أن وصلت هذه الأعمال إلي مرحلة متقدمة متفوقة تستحق أن تحتل مكانا في مشهد العالمية، بهذا الجهد الذي يعرف العالم بأعمال مبدعينا التي لا تقل جودة ولا قيمة عن غيرها من أعمال مبدعي الغرب، والتي نجحت في الوصول إلي حيز التنفيذ. بمجرد انتهاء فعاليات الملتقي قرر الشيخ سلطان القاسمي إنشاء مؤسسة للسرد العربي. وأخيرا؛ تحية تقدير واحترام لدائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة متمثلة في الكاتب عبدالله العويسي رئيس الدائرة والكاتب محمد إبراهيم مدير الشئون الثقافية والشاعر والكاتب صبري عبد الفتاح مدير تحرير مجلة الرافد بالشارقة.