حلّ المساء.. انتهي يوم إنساني من أعمارنا.. يوم طويل مرهق مشحون بكل أنواع الضغوط.. المهم أن كل مصرية ومصري اعتقدوا في أنفسهم أنهم انتهوا أخيرا من مسئوليتهم تجاه يوم ما.. وهاهم يطمعون في أمسية هادئة مع كوب شاي يعدل المزاج ويهدئ من » القعدة».. ولكن بحركة لاإرادية تمتد يد أحد من في البيت إلي الجهاز » الداهية» أي الريموت كنترول الخاص بالتليفزيون لينقلب الأمر رأسا علي عقب، ولينفجر الهدوء الهش في وجه الآخرين، ولتتحول أماكن الجلوس لحلبات صراع دامية يخرج منها الجميع مصابا بالجراح وبارتفاع ضغط الدم وربما بانفجار » الزايدة الدماغية»! أما لماذا يحدث هذا؟ فالإجابة بمنتهي البساطة هو ظهور وجه السيدة أو الآنسة الإعلامية التليفزيونية »س» أو ظهور وجه السيد الإعلامي التليفزيوني »ص».. من خلال طلة أمسيات » التوك شو» التي ومنذ قيام الثورتين أطلت علينا وكأن زمن النوائب قد وطأ بلدنا فاختلط الحابل بالنابل.. وكأن هذه الطلة أصبحت مكتوبة علي الجبين المصري، وكأن القدر التليفزيوني دائما واقفا لنا بالمرصاد إلا في حالات قلة وهي الحالات النادرة من ظهور بعض الإعلاميين المحترمين خلسة » ممن ينتمون للعصور التليفزيونية البائدة» تلك العصور التي كانت تؤمن بالمهنية الفائقة، والموضوعية، وإتقان فن المقابلات والمواجهات علي الشاشات، والالتزام بالمعايير الأساسية للتواجد علي الساحة الإعلامية، بالإضافة طبعا للأمانة.. الأمانة في اختيار الموضوعات والشخصيات التي تتم استضافتها، وطرق إدارة الحوار.. وفن استخلاص المعلومات المهمة.. واستقصاء الحقائق وأخيرا الخوف علي الوطن وعلي سمعته ومستقبله. أما السادة ممن يحتكرون الشاشات ويصرخون في وجوهنا حتي يحولوا ليلنا جحيما وغدنا الذي ننتظره خرابا.. فإن البرامج والفقرات والتقارير والضيوف الذين يقدمونهم » ملبوسين» بالتشاؤم.. مبرمجين علي قول كل ما هو كئيب.. محطمين لثقة المصريين بأنفسهم وبلدهم واقتصادهم وتعليمهم وصحتهم وآمانهم ومستقبل أولادهم.. محرضين علي زرع الفتن.. والأخطر أننا لا نعرف أغلب أجنداتهم التي يعملون علي غرسها في العقل المصري، كما أن ما يتحدثون عنه ويستميتون من أجل تعميقه في نفوسنا من كراهية تحت شعار معاناة الشعب لا يستشعرونه لا يتجاوز طرف ألسنتهم، ولا يستغرق منهم إلا بعض أوقات بثهم المباشر علي الشاشة، ثم هم ينامون في هدوء بعد أن ينجحوا بشهادة مموليهم من مؤسسات الإعلان في » تسخين » الحلقات.. وترك عقول مشاهدي آخر الليل من كبار وشباب ومشاعرهم تغلي علي صفيح ساخن، بعد أن انتزعوا منهم آمانهم، ولم يقدموا لهم إلا السلبيات والنوائب وأرغموهم علي الزهق من أنفسهم وبلدهم، ومع هذا لم ينسوا أن يودعوهم ببراءة وبابتسامة صفراء قائلين: » تصبحوا علي هم وغم»، مضيفين » موعدنا غدا لمتابعة أخبار جثث شبابنا ممن غرقوا في بحر الموت.»! مسك الكلام: السادة مقدمو البرامج »إياها» لا تنعقوا في وجوهنا كالبوم رجاء».