حتي الآن لا أصدق يا بابا، هل فعلا مرت ثمانية أيام لم أسمع فيها صوتك؟ هل صحيح أن 192 ساعة انقضت من عمر الزمان وأنت غائب عني؟ أحقا مر 11 ألفا و520 دقيقة علي ابنك الوحيد وحيدا بدونك؟ هل تتخيل يا بابا أن 691 ألفا و200 ثانية كاملة مرت حتي الآن لم تنادني فيها ولا حتي مرة واحدة صائحا كما كنت تفعل دائما: ياهشام؟ ذلك النداء الذي لم تتوقف عن ترديده لحظة حتي في الثواني القليلة التي كنت تفيق فيها وأنت في غيبوبة الموت حيث سمعك كل من حولك تناديني:ياهشام، يا وحيدي، يا سندي، يا عزوتي يا أهلي ويا مالي في هذه الدنيا فينك ياولدي! يا هشام فينك يا حبيبي؟ أنا هو يابابا ولكنك رحلت قبل وصولي لأسمعها منك للمرة الأخيرة قبل وداعك، يالشدة غبائي كيف لم أفهم نظرات التوسل في عينيك وأنا أودعك بعد إجازة العيد والتي كانت تقول بكل وضوح ابقي جواري ولا ترحل وتتركني؟ كيف لم افهم وأنت تطلب مني أن آتي لك بالحلاق وأن أقص لك أظافرك أنك كنت تستعد لسفر طويل هذه المرة غير المرات التي كنت تسافر فيها بعيدا عنا ونحن صغار، سفرك سيطول يابابا هذه المرة وإذا كنا في المرات السابقة نعيش علي أمل عودتك فكيف الحال يا والدي ويا شقيقي بسفر بلا عودة يحتاج جبالا من الصبر حتي يأتي يوم لقياك من جديد؟ فينك ياهشام ياحبيبي؟ أنا أهو يابابا وحيدا خائفا لا أتصور كيف سيكون طعم الحياة بدونك فقد كنت السماء التي تظلني والأرض التي تقلني فإذا بك ترحل وتتركني وحيدا مثل ريشة معلقة في الهواء لا تدري مصيرها بعد أن انكشف عنها الغطاء وذهب عنها الملجأ والملاذ، تركتني وحيدا لأكتشف أنه ليس لي قيمة بدونك وبدون مشورتك في الصغيرة والكبيرة وأن معني هشام لا يكتمل أبدا بدون أحمد مبارك. هل تتذكر يابابا عندما قلت لي زمان إنك في الكبر ستتحول من أب لي إلي ابن يحتاج العطف والحنان؟ سامحني يابويا فعندما تحولت بالفعل إلي ابني فشلت أن أكون لك أبا عطوفا حنونا في كبرك كما كنت دائما لي في الصغر. الفارق بيننا كبير جدا يابابا والمقارنة ليست في صالحي فعندما كنت أطلب شيئا وأنا صغير لم يكن يغمض لك جفن حتي تأتيني به قبل أن يرتد طرفي مهما كان مستحيلا ومهما كان الوقت قائظ الحرارة نهارا أو شديد البرودة ليلا، بينما عجزت أنا عن تلبية طلباتك وأنت طفلي الوحيد فلم آخذك في حضني حتي تنام مثلما كنت تفعل معي بل كنت ألقي بنفسي علي سرير بجوار سريرك مستسلما لنوم عميق وأتركك تتألم لعجزي عن تحقيق طلباتك، الفارق يابابا أنني لم أكن أهون عليك وأنا طفل فكنت تضحي بأي شيء في سبيل البقاء بجواري أنا وأمي وشقيقاتي حتي لو كانت ترقية كبيرة تستلزم نقلك إلي محافظة أخري بينما أنا لم أضح من أجلك يوما بأي شيء، قدمت عملي وبيتي عليك وأبت أنانيتي أن أضعهما في المرتبة الثانية من اهتماماتي، الفارق أنك رضيت بأصعب قرار في حياتك أن تتركني أهجرك للقاهرة وأنا والكل يعلم قسوة هذا القرار عليك بينما أعماني طموحي عن البقاء بجوارك في لحظات طفولتك البريئة آواخر أيامك التي كنت في كل ثانية فيها تعاني من بعدي عنك. سامحني يابويا فقد علمتني الكلام فلما بحثت عن كلام أكتبه عنك هرب مني الكلام، علمتني كيف أنعي العم والخال لكنك لم تعلمني كيف يكون نعي الأب فلما أردت أن أنعيك وقف القلم عاجزا عن الكتابة، علمتني الحكاوي فتعثرت كل الحكاوي عنك في ذاكرتي، سامحني يابويا وياخويا وياولدي ويا دلعي الذي انتهي سامحني كما كنت دائما تسامحني، سامح ابنك العاجز عن رثائك الرثاء الذي تستحقه وإنا لله وإنا إليه راجعون.