مشهور جدا بيت الشعر الذي نحته عمنا أبو الطيب المتنبي وصرخ فيه بتلك الحقيقة الخالدة، أن »لكل داء دواء يستطب به / إلا الحماقة أعيت من يداويها»، والأحمق عفاك الله من شره قد لا يكون شريرا لكنه في حماقته واندفاعه وخفته يفيض أذاه عابرا الإضرار بالنفس إلي الناس من حوله، فضلا عن أن الحماقة رزيلة قد تصيب عالما أو جاهلا، غير أن الأخير، طبعا أشد ضررا وخطرا. أكاد، عزيزي القارئ، أسمعك تسأل: وما مناسبة استدعاء سيرة الحمقي وحماقاتهم الآن؟!، وإجابتي أن المناسبة (أو قل الذريعة) خبر بثته قبل أيام قليلة وسائل الإعلام العالمية استوقفني لأن من أبطاله طبيبا وجراحا مصريا كبيرا، هو الدكتور أحمد شفيق الذي ظل حتي رحيله عن دنيانا في العام 2007، علما خفاقا يسبح تحت ضوء إعلامي كثيف، ليس فقط بسبب إسهاماته الطبية التي سُجل بعضها باسمه، وإنما أيضا (وربما أساسا) بسبب غرابة أطواره.. الخبر يقول أن طبيبنا الراحل تذكرته (لسبب مجهول) مجموعة من العلماء الظرفاء في جامعة هارفارد الأمريكية كانوا أسسوا قبل سنوات مجلة علمية سموها »سجل الأبحاث المستبعدة» أو التي »لا تحتمل» ، ثم أعقبوها بجائزة أخترعوها وأطلقوا عليها IG nobel prize وهو اسم فيه لعب باللغة يجعل معناه نصا »جائزة نوبل للحماقة العلمية»، وراحت هذه المجموعة منذ مطلع القرن الحالي، تمنحها كل سنة لعشرة أسماء من الباحثين العاملين في مجالات علمية مختلفة، هي نفسها التي تهتم بها لجنة جائزة نوبل الأصلية، لكن ظرفاء هارفارد ينصب اهتمامهم علي أصحاب الأبحاث السخيفة والكوميدية أو تلك »غير المحتملة» من فرط عبطها وفقرها من أية جدوي أو فائدة. يقول الخبر إن ظرفاء هارفارد أعلنوا هذا العام قائمتهم وقد زينها اسم المرحوم الدكتور شفيق، وقال رئيس تحرير مجلة »البحوث غير المحتملة» البروفيسور مارك أبراهام في الحفل الصاخب الذي أقيم الخميس الماضي في مسرح »ساندرز ثياتر» لإعلان أسماء الباحثين الفائزين، أن العالم المصري الراحل استحق جائزة »الحماقة البحثية» في الطب هذا العام عن بحث أنجزه الرجل قبل وفاته حول موضوع »التكاثر» انتهي فيه إلي أن »الفئران عندما ترتدي سراويل مصنوعة من أنسجة غير طبيعية مثل البلاستيك والبوليستر وخلافه، فإن ذلك يؤثر تأثيرا سلبيا كبيرا علي حياتها الجنسية»، وأضاف إبراهام ضاحكا، »لم نسمع أبدا عن أي شخص آخر قضي وقتا ثمينا يدرس وينقب بعناية عما يحدث للفئران إذا ألبستها سراويل»!! طبعا، لم يحضر أحد من عائلة الدكتور أحمد شفيق حفل توزيع جوائز »نوبل المسخرة»، ومن ثم لم يتسلم ورثته مبلغ التريليون (ألف مليار) دولار زيمبابوي الذي يساوي نحو خمسين دولارا أمريكيا، التي هي كل قيمة الجائزة!! زملاء الدكتور شفيق في قائمة »إيج نوبل» لم تقل أبحاثهم طرافة وكوميدية، بل إن بعضهم حلق بعيدا جدا في سماء الهزل واللامعقول، فقد ذهبت مثلا جائزة السخافة في مجال بحوث »الإدراك» مناصفة هذا العام، لاثنين من الباحثين اليابانيين عكفا علي دراسة علمية موضوعها »كيف تبدو الأشياء حينما ينحني المرء وينظر إليها من بين ساقيه»؟!! وهناك أيضا فريق من الباحثين الأطباء الألمان فاز بالجائزة لأنه نجح في اكتشاف علاج للإصابة بالرغبة في حك الجلد في الجانب الأيمن أو الأيسر من الجسم، وخلاصة الاكتشاف أن الشخص الذي تداهمه هذه الرغبة عليه الذهاب فورا إلي أقرب مرآة وينظر فيها، ثم يبدأ في »هرش» الجانب السليم من جسده وعندها سيبرأ الجانب الآخر تلقائيا.. آه والله !! وبعد.. فلست مؤهلا ولا أعرف إن كان الدكتور شفيق لحقه ظلم شديد بإدراج اسمه ضمن »علماء الكوميديا البحثية» أم أنه يستحق هذه الجائزة الهزلية فعلا، لكني متأكد أن الوطن يتمتع حاليا بإنتاج غزير من الحماقة العمومية الخطيرة، غير أنه من دواعي الأسي والحزن أن لا أحد يهتم حتي الآن (كما اهتمت مجموعة الباحثين الظرفاء في هارفارد) بالحمقي الذين يسرحون ويمرحون في عالم السياسة ودهاليز الحكومات (رغم أذاهم الرهيب الذي لا يقارن بأذي وضرر حمقي البحث العلمي) ويلاحقهم وينتقي منهم الجدير بجائزة »نوبل» في الهيافة والسماجة والتفاهة والجهل وضيق الأفق. لو أن هذه الجائزة موجودة حاليا كنا سنفخر ونباهي أمم الدنيا جميعا بجيش جرار من الحمقي والسخفاء الذين من نوع »لا يمكن احتماله».. وربما كان المصريون سيجدون في هذه الدنيا جهة تحنو عليهم وترشحهم للحصول علي جائزة نوبل الأصلية في الصبر واحتمال المكاره.