الدلاي لاما الزعيم الروحي لشعب التبت وديزموند توتو رئيس الأساقفة الفخري لكيب تاون التقيا سويا في حوار تاريخي حول السعادة والفرح، تم اللقاء في ابريل 2015 وبعد مايقرب من عام ونصف صدر الأسبوع الماضي كتاب حمل عنوان "كتاب الفرح" يرصد كل مادار بينهما خلال هذا اللقاء الهام الذي أشعل مواقع التواصل الإجتماعي. فكلاهما حاصل علي نوبل، وكلاهما أستاذان عظيمان في الروحانيات ومثال يحتذي به في الأخلاق في عالمنا، كما يعتبرهما العالم من بين أكثر الناس سعادة علي ظهر كوكب الأرض، والكتاب عبارة عن كعكة عيد ميلاد بثلاث طبقات، قصصهما وتعاليمهما عن الفرح، وأحدث الاكتشافات العلمية الحديثة عن السعادة الغامرة، والممارسات اليومية التي ترتكز عليها حالتهما العاطفية والروحية، حيث أن كلا من الدلاي لاما والأسقف توتو اختبر خلال حياته بالشدائد علي المستوي الشخصي والوطني، وهنا يشاركان القراء بحكايات شخصية عن النضال والتجديد، والآن بعد أن أصبحا في الثمانينات من عمريهما، يريدان نشر رسالة حول كيفية إسعاد الناس لأنفسهم، وجلب الفرح للآخرين، وكيف تحول الفرح من إحساس عابر إلي طريقة دائمة للحياة. في حوار أجرته صحيفة هافينجتون بوست مع الدلاي لاما لضمه لجزء من سلسلة مقالات تنتجها الجريدة للاحتفال بمؤتمر الأممالمتحدة الخاص باللاجئين وأزمة المهاجرين الذي انعقد مؤخرا، شرح الدلاي لاما وجهة نظره حول اللاجئين قائلا: "الكثير منا أصبحوا لاجئين، وهناك الكثير من الصعوبات في بلادي"، مضيفا بينما يشكل دائرة صغيرة بأصابع يديه قائلا: " حين يحدث ذلك أشعر بالقلق" محدثا كسرا في الدائرة مضيفا:" لكن عندما أنظر إلي العالم، هناك الكثير من المشاكل، حتي في الصين الشعبية علي سبيل المثال، هناك مجتمع "هوبي" المسلم يواجه معاناة، عندما نري تلك الأشياء، ندرك اننا لسنا فقط من يعاني، بل يحدث ذلك للكثير من أخواننا وأخواتنا في الإنسانية، لذا عندما نري نفس الحدث من منظور أوسع يقل قلقنا ومعاناتنا الشخصية"، أدهشتني بساطة وعمق ما قاله الدلاي لاما، كان لهذا بعد أعمق من "لاتقلق وعش سعيدا" كما تقول الأغنية الشهيرة لبوبي ماكفرن، ولم يكن فيه أي إنكار للألم والمعاناه، لكن تحويل اتجاهه من أنفسنا للآخرين بتحويل المعاناة والكرب إلي الرحمة، شيء رائع يصفه الدلاي لاما هو انه طالما ندرك معاناة الآخرين وأننا لسنا وحدنا يخفف آلامنا، وغالبا عندما نسمع عن مأساة حدثت حولنا، يجعلنا ذلك نشعر علي نحو أفضل تجاه وضعنا، إلا أن ذلك يختلف تماما عما يفعله الدلاي لاما، لم يكن يقارن وضعه وظروفه بآخرين، بل يوسع هويته ويري أنه وشعب التبت ليسوا وحدهم في معاناتهم، ذلك إقرار بارتباطنا جميعا - سواء كنا بوذيين أو من التبت أو مسلمين، فيولد بيننا التعاطف والشفقة، هل من الممكن حقا المرور بتجربة الألم إن كان بسبب جرح أو نفي دون معاناة؟ يقول الدلاي لاما: هناك تعاليم بوذا التي تدعي سالاثاسوتا التي تحدث تأثيرا يميز بين إحساسنا بالألم ومعاناتنا كنتيجة لرد فعلنا تجاه الألم، وحين نتأثر بالإحساس بالألم، فمن ليس لديهم خبرة، في أحداث عادية لشخص ما يحزن ويرثي، ويدق صدره، ويصبح في ذهول، وبالتالي يشعر بألم مضاعف، جسدي وعقلي، تماما كما لو كنت تطلق رجلا بسهم، والواقع انك اطلقت تجاهه سهما آخر، مما يشعره بألم السهمين". يبدو أن الدلاي لاما يشير إلي وجوب تغيير وجهه نظرنا لتكون أكثر اتساعا، وأكثر رحمة، فنصبح قادرين علي تجنب القلق والمعاناة التي يمثلها السهم الثاني. "هناك شيء آخر" يواصل الدلاي لاما" هناك مفاهيم مختلفة لأي حدث، علي سبيل المثال، فقدنا وطننا وأصبحنا لاجئين، لكن تلك التجربة منحتنا المزيد من الفرص لمقابلة أشخاص مختلفين، وممارسين روحيين مختلفين، وأيضا العلماء، تلك الفرص جاءت لأنني أصبحت لاجئا، إذا كنت بقيت في بوتالا في لاسا، لظللت داخل ما يطلق عليه القفص الذهبي، دالاي لاما مقدس" بينما يجلس متصنعا كما لوكان الزعيم الروحي المعزول للمملكة المحرمة، يعتدل قائلا: " لذلك، أنا شخصيا، أفضل الخمسة عقود الأخيرة من حياتي كلاجئ، إنها أكثر فائدة ومزيد من الفرص للتعلم، واكتساب الخبرة بالحياة، لذلك إذا نظرت من زاوية واحدة تشعر، ياللسوء، لكن إذا نظرت من زاوية أخري تجاه نفس المأساة، ونفس الوضع، تري انه منحني فرصة جديدة، لذا، أمر رائع، أنه السبب الرئيسي ألا أكون حزينا أو تعيسا، هناك قول مأثور في التبت: أينما يكون لك أصدقاء فهو بلدك، وأينما تجد الحب، فذلك وطنك".