أصبح الجنرال الليبي خليفة حفتر أحد أسباب الصداع لواشنطن وباقي العواصمالغربية، بل ونيويورك حيث مقر الأممالمتحدة، فالرجل الذي يقود الجيش الوطني الليبي يُنظرون إليه علي أنه عقبة في طريق السلام، والغزوة التي قام بها رجاله ما بين11 و13من سبتمبر الجاري والتي أسفرت عن السيطرة علي الهلال النفطي في ليبيا (سدرة، راس لانوف، زويتينة، البريقة)، استوجبت موجة جديدة من الإدانة والتحذير.. مارتن كوبلر المبعوث الأممي لليبيا وصف ما حدث بأنه »ضربة عنيفة»، فيما أصدرت واشنطنوباريس ولندن وروما وبرلين بياناً مشتركاً لإدانة »الهجوم»، والمطالبة ب» الانسحاب الفوري دون أي شروط مسبقة من الهلال النفطي الذي يُصدر منه نصف البترول الليبي، علماً بأنه خارج نطاق الخدمة الآن. وكانت العواصمالغربية تعول علي إعادة تصدير النفط الليبي عبر الهلال النفطي آملاً في ضخ أموال تنقذ حكومة الوفاق الوطني، بقيادة فايز السراج، المسيطرة علي طرابلس فقط (غرب ليبيا)، ويُعد انهيار حكومة السراج المحرومة من الموارد البترولية بمثابة التقويض لاستراتيجيات الغرب الذي كان يبني آماله علي السراج من أجل انتزاع السيطرة علي الشرق معقل الجنرال حفتر. ولكن هل حفتر منبوذ بالفعل دبلوماسياً؟ حقيقة الأمر أن الرجل الذي كان أحد الجنرالات المقربين من معمر القذافي قبل أن ينشق عليه أواخر ثمانينيات القرن الماضي، يتسم بتحركات دبلوماسية علي درجة عالية من النشاط، ويتمتع بشعبية لا بأس بها في المدن الليبية الكبري، ويُنظر إليه باعتباره البطل الذي يقف في وجه الإرهابيين، وله نفوذ عسكري لا يمكن تجاهله، وبينما كانت قواته تتحرك للسيطرة علي الهلال النفطي، كان هو في تشاد يلتقي برئيسها إدريس ديبي في زيارة لم يُعلن عنها مسبقاً.. كلا الرجلين يعرفان بعضهما البعض جيداً منذ حرب ليبيا في تشاد في الفترة من 1980 إلي 1988، والتي وقع خلالها الجنرال خليفة حفتر أسيراً لدي القوات التشادية، قبل أن يٌفرج عنه ويغادر إلي الولاياتالمتحدة عبر الكونغو الديموقراطية (زائير سابقاً)، بعدما تحول إلي معارضة القذافي من منفاه، حتي عودته لقيادة المتمردين علي نظام حكمه عسكرياً في ثورة17 فبراير2011. مصدر تشادي قريب من الرئيس ديبي صرح لصحيفة لوموند الفرنسية قائلاً: »نحن بحاجة إلي الليبيين والليبيين بحاجة إلينا.. خطورة داعش في سرت قد تمتد إلينا إن تركنا حدودنا الشمالية المتاخمة لليبيا مفتوحة». كما أشارت مصادر تشادية مطلعة اخري إلي أن الحوار بين حفتر وديبي دار حول المتمردين التشاديين الذين يتحركون في جنوب ليبيا. حينما لا يتحرك حفتر بنفسه في العواصم الإقليمية فإن حلفاءه السياسيين يفعلون، ففي 6سبتمبر الجاري شهدت نيامي عاصمة النيجر استقبال عقيلة صالح عيسي رئيس البرلمان الليبي المتمركز في طبرق (شرق ليبيا)، والذي لم يصادق حتي الآن علي تعيين حكومة فايز سراج، كما كان بصحبة صالح عبد الله الثني رئيس الوزراء في الحكومة المنعقدة بشرق ليبيا والتي لم تعترف بحكومة سراج. وكانت الزيارة سرية أيضاً، وعلق عليها أحد وزراء النيجر بتصريحات للتلفزيون الرسمي لبلاده مفادها: » نصحناهم بالتشاور مع نظرائهم في غرب البلاد.. لا حل في ليبيا إلا بدمج الجميع في المشهد بما في ذلك الجنرال حفتر.. نحن قلقون جداً منذ سقوط نظام القذافي وما يحدث في جنوب ليبيا يمس أمننا القومي في المقام الأول». وواصل الوفد الليبي جولته في المحيط الأفريقي وتحديداً في بوركينا فاسو حيث التقي بالرئيس روش مارك كريستيان كابوريه، والذي أكد أيضاً أهمية ليبيا الموحدة بوجود الجنرال خليفة حفتر في المشهد. غير أن الغموض يحيط بعدد من العواصمالغربية تجاه الجنرال حفتر، الذي يراه الأوربيون تحديداً وعلي رأسهم فرنسا، عنصراً مهماً إن لم يكن الأهم في حفظ أمن واستقرار ليبيا كي لا تقع البلاد برمتها تحت سيطرة الجماعات الراديكالية فتتحول إلي صومال كبير، وهو ما يعلق عليه مصدر فرنسي بقصر الرئاسة رفض الكشف عن اسمه لصحيفة لوموند: » المنطق بسيط للغاية.. كل من يضرب داعش هو صديق لفرنسا».. ولكن لماذا أدانت باريس سيطرة الجنرال حفتر علي الهلال النفطي وتطهير داعش منه؟ سؤال طرحته الأخبار علي مصدر عسكري خاص بوزارة الدفاع الليبية، الذي ضحك بسخرية قبل أن يجيب: » هذا الأمر بحاجة إلي شيخ سره باتع كما تقولون عندكم في مصر»، ثم استدرك موضحاً: » أغلب الظن أن الفرنسيين فعلوا ذلك من باب ذر الرماد في أعين الأمريكيين الذين يريدون إقصاء الجنرال حفتر من المشهد بأي ثمن وإغراق البلاد في فوضتهم الخلاقة من خلال جماعات تدعي التدين.. هم يفرضون علي الجيش الليبي حظر تسليم السلاح ولكنهم يهربونه لجماعة فجر ليبيا التابعة للإخوان من خلال جنوب السودان بدعم وتمويل قطري-تركي مشترك». وسط هذا المشهد المتشابك إقليمياً ودولياً، يتحدث كثيرون في ليبيا عن مصر ودورها المهم في حفظ أمن واستقرار جارتها، مع تحذيرات ضد محاولات أنقرة والدوحة لحصار مصر من حدودها الغربية عبر إسقاط الجيش الليبي. أما روسيا فإنها أيضاً تقف لألاعيب واشنطن ومن معها بالمرصاد، فهي مع حكومة فايز السراج بشرط أن تحصل علي ثقة البرلمان الليبي، وتري في الجنرال حفتر صمام أمان ليبيا، وحينما عانت ليبيا في مايو الماضي من أزمة سيولة خانقة، كانت هناك طائرات تستعد للإقلاع من موسكو محملة بعملة محلية ليبية تمت طباعتها بمعرفة الكرملين وبغطاء نقدي أجنبي وفرته سلطة شرق ليبيا.. الرسالة كانت واضحة: خلف حفتر هناك القيصر أيضاً.