بعد 27 عاماً علي رأس السلطة رحل الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف عن عمر يناهز الثامنة والسبعين إثر نزيف في المخ، بحسب ما أعلنه التليفزيون الرسمي لجمهورية أوزبكستان يوم الجمعة الماضي بالعاصمة طشقند، وتمت مواراة جثمانه الثري في اليوم التالي مباشرة في مدينة سمرقند. وكان الرجل صاحب المنصب الرفيع في الحزب الشيوعي السوفيتي قد تقلد منصبه قبل انهيار الاتحاد السوفيتي بعامين، إذ إنه يحكم الجمهورية ذات الثلاثين مليون نسمة والواقعة في وسط آسيا، منذ أن حصلت علي استقلالها في أغسطس 1991، ومنذ ذلك الحين يُعاد انتخاب كريموف بفترات رئاسية متتالية، كان آخرها قد بدأ في التاسع والعشرين من مارس 2016، في انتخابات وصفتها الصحف الغربية بالصورية، إذ كان منافسوه يؤكدون أنهم يصوتون له. وُلد في مدينة سمرقند عام 1939، وتقول سيرته الذاتية إن أبويه كانا موظفين بالدولة، بينما تقول رواية أخري إنه نشأ يتيماً. درس هندسة الماكينات ثم الاقتصاد بجامعة سمرقند، وعمل مهندساً في مجال الطيران في الفترة من 1961 إلي 1966، وفي الوقت نفسه التحق بالحزب الشيوعي السوفيتي وتدرج به متخطياً العديد من الصعاب حتي بلغ أعلي المناصب، فأصبح وزيراً للمالية في حكومة آخر رئيس للاتحاد السوفيتي ميخائيل جورباتشوف الذي عيّنه أيضاً نائباً لرئيس الوزراء عام 1986 ثم سكرتيراً عاماً للحزب الشيوعي في أوزبكستان عام 1989، ثم أدار الفترة الانتقالية في بلده، عقب انهيار الكتلة السوفيتية، في الفترة من 1990 حتي موعد إجراء أول انتخابات في 29 ديسمبر 1991، التي فاز فيها بمنصب الرئاسة بنسبة 86% من الأصوات. ونظراً لقربه الشديد من آخر رئيس سوفيتي، أطلق عليه البعض ظل جورباتشوف». كان أول ما فعله نظام كريموف هو التصدي لجماعات الإسلام السياسي التي اتخذت من الدين ستارة للوصول إلي الحكم، ومن أشهر ما قاله عن المتشددين كان في خطاب أمام البرلمان عام 1996، وطالب بالتعامل معهم علي النحو التالي: »أشخاص من هذا القبيل يجب إطلاق النار علي رؤوسهم مباشرةً، وإذا كنتم تفتقرون إلي العزم فسأطلق عليهم النار بنفسي». اتهامات غير أن خصومه اتهموه بأنه كمم الأفواه وأغلق أبواب حرية التعبير في وجه الجميع، وفي الثالث عشر من مايو 2005، أطلقت قوات الأمن النار علي مئات من المتظاهرين بقرية أنديجان الواقعة بوادي فرغانة شرق البلد، وهو ما أدانته منظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية، غير أن السلطات ردت بأن المتظاهرين هم أعضاء »حركة أوزبكستان» المتشددة، وهم إرهابيون أوزبك وشيشانيون يحملون السلاح ضد الدولة ومؤسساتها، وفي رؤوسهم فكر يعتنقه أتباع تنظيم القاعدة، وأن التعامل معهم حدث وفق ما يقره القانون. جهاز الأمن القومي الأوزبكي يؤكد أن هناك 5 آلاف من أعضاء الحركة الممنوعة في دول عدة بما فيها روسيا والولايات المتحدة، يقاتلون في الوقت الراهن إلي جانب تنظيم داعش، مشيرا إلي أن »نصفهم من أوزبكستان». ويقول خبراء عسكريون إن لدي داعش كتائب من أوزبكستان والشيشان، وهم من أخطر الإرهابيين تم تجنيدهم في مناطق مثل وادي فرغانة الواقع بين أوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان علي حدود أفغانستان وهناك أيضا داغستان وهي علي حدود الشيشان. في عام 2015 ادعت منظمات حقوقية غربية أن في البلاد 12 ألف سجين بتهم مطاطة مثل »التطرف»، واتباع أنشطة »مخالفة للدستور»، وقالت هيومان رايتس ووتش إن السلطات في أوزبكستان » تحظر علي المواطنين حرية التعبير والحرية الدينية وحرية إنشاء الجمعيات الأهلية مستخدمة في ذلك قمع أجهزة الأمن لإجبار المواطنين علي الخضوع لنظام شمولي يُجبر الأطفال علي العمل في حقول القطن ويعامل المزارعين بنظام السخرة»، وربما يكون كلام المنظمة الأمريكية مفهوما في إطار أوضح إذا عرفنا أن أوزبكستان هي ثاني أكبر منتج للقطن وخامس أكبر مصدر له علي مستوي العالم، وأنها أممت شركات أمريكية علي أراضيها بعدما ارتكبت مخالفات ضريبية فادحة. ورغم الانتقادات بخصوص انتهاك حقوق الإنسان وقمع المعارضة السياسية، فإن الاتحاد الأوروبي رفع الحظر الاقتصادي الذي كان يفرضه علي أوزبكستان في 2009، وأصبح كريموف حليفاً هاماً للولايات المتحدةالأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر، باعتباره شريكا في »الحرب علي الإرهاب»، حيث استغل الموقع الاستراتيجي لبلاده في إنشاء شبكة طرق تتحرك خلالها القوات الأمريكية تجاه أفغانستان المجاورة لبلاده، كما أقامت واشنطن قاعدة عسكرية في أوزبكستان تدعم منها عملياتها العسكرية في أفغانستان، مقابل دعم عسكري واقتصادي لحكومة كريموف، الذي تربطه علاقات جيدة أيضا مع روسيا. ورغم كل الاتهامات الغربية لكريموف بانتهاك حقوق الإنسان إلا أن ذلك لم يمنع خوزيه مانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية وأندريه فوج راسموسن سكرتير عام حلف شمال الأطلنطي »ناتو» من استقبال الرئيس الأوزبكي في العاصمة البلجيكية بروكسل حيث مقر الاتحاد الأوروبي، فيما وُصف بأنه انتصار سياسي هائل للرجل علي الصعيد الخارجي، فيما اعتبره خصومه »عار لحق بالغرب». وبثقة كبيرة في نفسه وفي اقتصاد بلاده القوي قاوم كريموف ضغوطاً هائلة من روسيا ومن الرئيس فلاديمير بوتين نفسه، من أجل الانضمام لمنظومة الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي، وهو ما رضخت له جارته كازاخستان، وكان لكريموف كلمة شهيرة في 12 يناير 2015 أوضح خلالها »لن تدخل بلادي في أي منظومة تشبه الاتحاد السوفيتي المنهار». ومن المؤكد أن كريموف أجاد سياسة اللعب علي وتر المصالح الدولية، حيث عرف بأنه خبير توازنات ونجح من خلال موقع بلاده في كسب ود الغرب مستغلاً التنافس الأمريكي الروسي في منطقة آسيا الوسطي، ليحصل من كل طرف علي ما يخدم مصالح بلاده وأهدافه السياسية. صراع علي السلطة في السنوات الأخيرة، أثير موضوع خلافة الرئيس كريموف، إذ ذكر اسم ابنته الكبري جولنار بوصفها خليفة محتملة لأبيها. ولكن صراعا علي السلطة وقع عام 2013 إضافة إلي تحقيقات جرت في الخارج في ادعاءات غسيل أموال أدت إلي وضع جولنار كريموف قيد الإقامة الجبرية. وفي عام 2014، وجه الاتهام رسميا إلي جولنار كريموف التي كانت إلي ذلك الحين واحدة من أقوي الشخصيات السياسية والمالية في أوزبكستان - بالانتماء إلي شبكة إجرامية سرقت أصولا تقدر قيمتها ب40 مليون دولار. ويعزي فقدان جولنار، التي درست في جامعة هارفاد الأمريكية المرموقة، لنفوذها إلي صراع يقال إنه اندلع بينها وبين والدتها وشقيقتها، إضافة إلي تنافسها المحموم مع مدير جهاز الأمن الأوزبكي صاحب النفوذ الواسع رستم عنايتوف. وفقدت جولنار صاحبة الأربعة والأربعين عاماً فرصتها في خلافة والدها بعدما شبهته بستالين وأهانت رؤساء الأجهزة الأمنية علي تويتر، واتهمت والدتها وشقيقتها بممارسة الشعوذة. السؤال الصعب رحيل كريموف خلف وراءه سؤالاً صعباً حول من سيخلف الرجل الذي حكم أوزبكستان بصرامة علي مدي عقدين ونصف، ويدور الحديث عن وجود ثلاثي من الخلفاء المحتملين وهم: رئيس هيئة أمن الدولة إينوياتوف ورئيس الحكومة ميرزيايف ولولا كريموفا، الابنة الصغري للرئيس. وعرفت ابنته الصغري لولا، التي تشغل منصب سفير أوزبكستان في اليونسكو، بدورها في تعزيز الرياضة والتعليم، فضلاً عن دفاعها عن حقوق الأطفال. وأسست منظمات خيرية كثيرة منها منظمة » لست وحدك»، والجمعية الجمهورية لمساعدة الأيتام. كما تبذل جهداً في دعم الأطفال المعاقين، وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، وبحسب تصريحات رسمية منسوبة لها فإنها لم تتحدث إلي أختها جولنار منذ 12 عاماً.