في مشهد مهيب، يوم أن امتلأت الطرقات، فلم يكن هناك موطئ لقدم، بعد أن هتفت الحناجر »يسقط يسقط حكم المرشد»، فأطاحت بحكم الإخوان، أطلقت »كنيسة الدوبارة»، وكنائس مصر كلها، أجراسها مع أذان المغرب في إفطار رمضان، وكنيسة الدوبارة، لمن لا يعرفها، كانت تداوي -لسنوات- في مستشفاها الميداني مصابي ثورة 25 يناير، وما تابعها من موجات، لم يسأل راهباتها، وأطباؤها، وطبيباتها المجروح عن دينه، أو عقيدته، أو حتي عن رأيه في المسيحية، في بلد عاشت لحظة تاريخية من: »الدين لله والوطن للجميع»، بعد أن كانت تشاهدها في أفلام »حسن الإمام»، وتدمع العيون علي الحلم المفقود بوطن يحترم »المواطنة» هلالا كانت أو صليبا، رغم أن الجلسات »العرفية» في المنازعات الطائفية ظلت تكرر المشهد نفسه، في نهاية الصلح المزعوم، فنسخر منها، لأن التمثيل كان أجمل، بكثير، من الحقيقة، وأكثر صدقا! سيراودكم من هذه المقدمة، دون شك، أنني سأنتقد قانون »بناء الكنائس الجديد»، حاشا لله، فالحكومة تري أنني إذا فعلت سأكون من مثيري الفتنة الطائفية، وكذلك »البرلمان»، والسلفيون سيغضبون، وأنتم تعرفون أنهم يتعاملون معنا وكأنهم »ماسكين لنا زلة» لأنهم وقفوا إلي جوار »الشعب» في 30 يونيو! ولا ينبغي أن نغضبهم، فغضبهم شديد، ولحوم علمائهم »مسمومة» كما يزعمون، وأنا عن نفسي لا أريد أن أغضب أحدا، ولا أريد أن أعكر صفو المجتمع، وتلاحمه، ووحدته الوطنية، وليس من المعقول، بداهة، أن أكون علي حق وكل هؤلاء علي باطل، أنا مواطنة صالحة، أو أحاول أن أكون، فأنا -مثلا- أكتب لكم الآن، علي وقع صوت المؤذن في إحدي »الزوايا» المقامة تحت العمارة المجاورة لبيتي، وأسد أذني لأن صوت المؤذن رديء جدا، لكنني لم أعترض، فجيراني سيرهقهم السير 300 متر كاملة هي ما يفصلهم عن الجامع القريب، فقط ذهبت إلي العمارة، واكتشفت أن المؤذن هو »البواب»، وحين فهمت السبب بطل العجب، فلم أنبس بكلمة، اقتداء بكلمات بيرم التونسي:» خجلان أوبّخ مُصلي/ داخل يأدي العباده/ لكن ياعبدالله قول لي/ إيه العمل في البلاده/ ع الميضه يقضي نهاره/ يغسل في وشه وإيده/ والناس وراه في انتظاره/ واللي يعيده يزيده»، ولأن في الإعادة »إفادة» كما يقول المثل، والتكرار يعلم الشطار، فقد قررت أن أسلي نفسي، بإحصاء عدد الزوايا والجوامع في منطقتي السكنية، حتي تعبت، ولأن منطقتنا بها كنيسة أيضا، قلت في نفسي: لا بأس، علي الأقباط أن »يمشوا رجليهم شوية»، وعلي المواطن الصالح أن يري دائما الإيجابيات لا السلبيات، ويسير فاغرا فمه من السعادة، ما استطاع إليها سبيلا، صحيح أنني لم أسمع يوما جرس الكنيسة المجاورة يدق، ولا يعانق الأذان، كما في فيلم »حسن الإمام»، وكما سمعته بأذني -التي سيأكلها الدود- في ميدان التحرير، لكن »ما لا يدرك كله لا يترك كله»، كما قالت النائبة المحترمة »إليزابيث»، في برنامج »الإبراشي» منذ أيام، وهي تحاول إقناع أحد شباب الأقباط بأن قانون »دور العبادة الموحد»، الذي حلم به، وحلمنا به معه، ليس هذا أوانه! هي أدري، ولست مسيحية حتي أكون »ملكية» أكثر من الملك، والبرلمان أدري، بخطورة توغل الأقباط، في مصر! وبضرورة »محايلة» السلفيين، حتي لا يغضبوا، والحكومة أدري مني، فأنا مجرد امرأة »ناقصة عقل ودين»، ولا يمكن أن أفترض، مثلا: أن البرلمان يحب الحكومة، لأنه لو لم يحب الحكومة، سيسحب منها الثقة، ولأنه لوسحب منها الثقة، لن يفلح في تشكيل حكومة، وسينحل هو نفسه، ويعود أعضاؤه مرة أخري إلي »لم الأصوات»، وهو خاطر خبيث، طردته فورا من عقلي الشرير، كمبرر لهذا العشق »المدله» للبرلمان والحكومة، ووحدتهما الوطنية. علي المرء، خاصة لو كان امرأة، أن يكون طيبا، وألا يستسلم لهذه الأفكار الشيطانية، فما أجمل أن نتوحد؛ حكومة وبرلمانا، أقباطا ومسلمين، وما أجمل أن يصمت، أمثالي من النساء، عن »الولولة»، فالخريف علي الأبواب، وفيه قال الشاعر: »الدنيا خريف/ والجو لطيف /قفل لي علي كل التخاريف»!