معاملة الجار للجار حق عظيم في الإسلام، فالكثير من الأحاديث النبوية تتحدث بالتفصيل عن علاقة الجار بالجار في مسعي لإقرار قواعد للتعايش بين أبناء المجتمع الواحد علي أدق مستويات البناء المجتمعي المتعلق بالعلاقات بين الأسر المتجاورة في السكن، ووضع الإسلام قواعد واضحة للتعامل مع الجار في إطار من الأدب والاحترام والتقدير المتبادل بين الجيران لكي تسود مظاهر الحب والإخاء في ود كامل. ورفع الله سبحانه وتعالي من قدر الجار في قوله: }واعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا وبذي القُربي واليتامي والمساكين والجار ذي القُربي والجار الجنُبُ والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانُكُم إن الله لا يُحب من كان مختالًا فخورًا{ (النساء: 36)، هكذا جاء الإحسان للجار في آية واحدة مع عبادة الرحمن والإحسان بالوالدين، ثم نسمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "ما زال يُوصيني جبريل بالجار حتي ظننتُ أنهُ سيُورثُهُ"، فهنا يحصل الجار علي مرتبة تقارب مرتبة القرابة في العلاقات الإنسانية. وحرص رسول الله علي أن يقوي الروابط الإنسانية بين الجيران عبر تهادي الطعام، لما لهذا الفعل من زيادة المودة وتقوية الروابط الإنسانية، فقال لأبي ذر الغفاري: "يا أبا ذرّ إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك"، ويقول: "لا يصحبنا اليوم من آذي جاره". لا ترفع صوتك حارب الإسلام التلوث السمعي قبل أن يتحول إلي ظاهرة عالمية مع الثورة الصناعية، فالأوامر الإلهية واضحة في النهي عن الإفراط في رفع صوت الإنسان وقس علي ذلك مختلف الأصوات سواء كانت لمركبات في الشارع أو مكبرات صوت، وهو ما يتفق مع الدراسات الحديثة التي تؤكد كلها أن الصوت المرتفع يؤدي إلي إجهاد النفس والجسد. حرص الإسلام علي أن يتحلي المسلم بالسكينة والوقار، فجعل خفض الصوت في الكثير من الآيات مرتبطا بفضائل الأعمال، فيقول سبحانه: }ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها{ (الإسراء:110)، وقوله: }ادعوا ربكم تضرُّعًا وخفية{ (الأعراف:55)، وذكر الله سبحانه ضمن وصية لقمان لابنه قوله: }واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير{ (لقمان:19) وجاء الأمر الإلهي للصحابة بألا يرفعوا أصواتهم في حضرة النبي في قوله تعالي: }يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض{ (الحجرات:2). إن هذه الأحكام والأوامر الإلهية واضحة في النهي عن رفع الصوت بين الأفراد، فما بالك بمن يستخدم أبواق السيارات ومكبرات الصوت بلا ضابط أو رابط، وهو من الأمور المرفوضة في الإسلام لأنها تسبب الإزعاج للجميع، أما استخدام مكبرات الصوت في المساجد فيجب أن تراعي من خارج المسجد، وأن يقتصر الأمر علي استخدام المكبرات الداخلية، وإذا كان صوت الإمام يصل إلي جميع المصلين فلا حاجة لاستخدام المكبر، أما ما يفعله البعض من استخدام المكبرات بحجة أنهم بذلك ينشرون الإسلام، فهو ادعاء غير صحيح لأن الإسلام عز وانتشر قبل اختراع مكبرات الصوت بمئات السنين. قواعد العزاء اعتاد الناس أمورًا كثيرة في المآتم وغيرها، ولم يعتمدوا في أكثرها إلا علي مجرد الاستحسان الشخصي أو الطائفي، وأخذت هذه العادات تنتقل من جيل إلي جيل حتي عمت وصارت تقاليد، لكن الشريعة الإسلامية وضعت الحدود الفاصلة لكي تكون طريقة التعبير عن الحزن في العزاء متماشية مع صحيح الدين. فتقبل العزاء علي الميت، يكون أجره بالمشي في الجنازة لقول رسول الله: "من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا، وكان معه حتي يصلّي عليها، ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد، ومن صلي عليها، ثم رجع قبل أن تدفن، فإن يرجع بقيراط". وهذا للرجل أما المرأة فيفضل ألا تخرج خلف الجنائز. وينهي الصراخ والتلفظ بدعاء الجاهلية عند الميت، لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: "ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوي الجاهلية"، مع جواز البكاء دون ندب أو نياحة، لبكاء النبي علي ابنه إبراهيم. أما إقامة المآتم ونصب السرادقات لتلقي العزاء فهي من الأمور المستحدثة التي تعارف عليها بعض الناس ودعت إليها مقتضيات أحوالهم لأجل المواساة، ولكن تكاليف ذلك لا تخصم من تركة المتوفي؛ لأن الذي يخصم منها هو ما يحتاجه حتي دخول القبر، أما بعد ذلك فالمتبرع به هو الذي يتكفل بنفقاته، وإن لم يوجد من يتبرع فلا يلزم إقامة السرادق لاستقبال العزاء، وإنما يكون استقباله عند الدفن وبعد ذلك عندما يلقي المعزون أهل الميت في البيوت أو الأسواق أو المساجد يقومون بتعزيتهم. أما إقامة الأربعين والسنوية فمن البدع المستحدثة والتي أفتي العلماء بعدم جوازها لما فيه من تجديد للأحزان وتكاليف علي أهل الميت. أدب الاحتفال لم يحرم الإسلام الاحتفال بأمور الحياة بما فيها من مناسبات مختلفة، لكنه حدد الحرية الشخصية بحدود المصلحة العامة، فعلي من يريد أن يحتفل بأي مناسبة سواء كانت عرسا أو احتفالا بيوم الميلاد أو غيرها من المناسبات الاجتماعية، في كل هذه المناسبات وضع الإسلام قاعدة ذهبية وهي عدم مخالفة الأوامر الإلهية بتحليل الحرام وتحريم الحلال، فطالما كان الاحتفال في إطار المعقول ودون مخالفة لصحيح الدين والمعلوم منه بالضرورة. ومن أشهر الأخطاء التي لابد من الابتعاد عنها، إزعاج الآخرين برفع صوت المكبرات في الأفراح والاحتفال بالمناسبات المختلفة، فكل هذا منهي عنه كما أن المنكرات بجميع أشكالها مرفوضة في الإسلام، كنحو معاقرة الخمر أو الاختلاط بدون رقيب. فالإسلام يتيح الاحتفال بمختلف المناسبات غير الدينية طالما كانت لا تخالف الشرع، أو تدعو لبدعة، أو تجلب مفسدة، وهو ما يعني أن الاحتفال بمناسبات مثل عيد الأم وشم النسيم وغيرها من المناسبات ذات الطابع الاجتماعي لا مشكلة فيه طالما لم يرتكب فيها أية معصية، طالما أن الغرض منها هو صلة الرحم والتواصل الاجتماعي مع الجيران والأصدقاء، فهي من الأغراض التي سعت الشريعة لتطبيقها. وتضمنت الأحاديث النبوية مجموعة من الوصايا التي تحدد العلاقة بين المرء وجاره، فيقول صلي الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه"، وقوله: "من كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره..."، ويقول الصادق الأمين: "خير الجيران عند الله خيرهم لجاره".