السيد الرئيس.. اسمح لي أن أوجه إليك حديثي مباشرة منبها ومحذراً من خطر أشرت إليه من قبل.. لست وحدي ولكن خبراء وكتابا كثيرين أطلقوا نفس التحذير لليقظة قبل أن يفوت الأوان وتتحول الدعوة إلي ربط الأحزمة علي البطون إلي انفجار أصحاب البطون الجائعة. لا أدري كيف لا يري صناع القرار في الحكومة أو الأوساط المحيطة بك هذا الخطر.. إذا كانوا يرونه ويتصورون أن الأمور ستبقي دائما تحت السيطرة فهذه مصيبة.. وإذا كانوا لا يرونه فتلك هي المصيبة الأعظم. من المؤكد سيادة الرئيس أن حرصك علي الانتقال بمصر إلي حياة جديدة تواكب العصر خلال فترة حكمك اتجاه حميد لا يختلف عليه اثنان لكن يبقي دائما هناك خيط رفيع بين ما تراه ضروريا لتحقيق هذا الهدف بالاهتمام والتركيز والتوجه نحو المشروعات القومية الكبري سواء الانتاجية أو الخدمية وتطوير البنية الأساسية بالتوسع في مشروعات الطرق والكباري وشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والغاز لجذب الاستثمارات المباشرة التي تخلق فرص العمل لشبابنا وبين ما يراه الفقراء ومحدودو الدخل.. هذا الخيط هو الأولويات.. الدولة تري أن الأولوية في هذه المرحلة للمشروعات الكبري والبنية الأساسية وزيادة مساحة الرقعة الزراعية وإقامة المدن الجديدة والقضاء علي العشوائيات ولكي تحقق الدولة هذا الهدف لابد أن تتصدي بمشرط الجراح لمشكلة عجز الموازنة الذي أدي إلي تدهور الأوضاع الاقتصادية عبر سنوات طويلة حتي بات الأمر لا يحتمل التأجيل وهي وجهة نظر سليمة من الناحية الاقتصادية ويؤيدها بلا شك قطاع كبير من الشعب يتفهم المشكلة علي حقيقتها ومستعد لربط الأحزمة علي البطون فعلا.. لكن هناك أيضا قطاعا آخر من الشعب لا يقل أهمية تمدد من طبقتي الفقراء ومحدودي الدخل إلي الطبقة المتوسطة وربما تجاوزها.. هذا القطاع لا يمكن تجاهل وجهة نظره التي تقوم علي أساس توفير الحياة الكريمة للناس اليوم وليس غداً.. الفقراء ومحدودو الدخل لا يستطيعون أن ينتظروا ليجنوا ثمار المشروعات الكبري.. إلخ بعد سنوات.. هم لا ينكرون أهميتها وضرورتها وحتميتها لكنهم يرون أن تنفذ هذه المشروعات بالتوازي مع تحسين أحوالهم المعيشية.. وهم أول من سيربط الأحزمة علي البطون إذا وجدوا أن هذه الأحزمة ستطول أيضا المليونيرات والأغنياء الذين لا ترتفع أصواتهم بالمعاناة لأنهم قادرون علي تحمل أية زيادات جديدة في تكلفة الانتاج وأسعار السلع والخدمات لكن أن تطلب الدولة من الشعب أن يربط الأحزمة علي البطون وتقول سيادتكم مخاطبا المواطنين في أكثر من مناسبة »اصبروا معايا شوية« بينما يري الناس انهم في واد والحكومة في واد آخر .. سبق أن أشرت إلي مشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة لمجلس النواب لزيادة مرتبات رئيس الوزراء والوزراء.. بعدها ناقش المجلس مشروع قانون آخر بزيادة رسوم استخراج الأوراق القضائية عشرة جنيهات توجه لصندوق علاج القضاة وهو ما رفضه عدد من النواب محذرين من خطورة هذا التوجه.. هل هذا تصرف منطقي من حكومة تطلب من الناس أن يتحملوا قسوة الاجراءات القادمة التي يفرضها الاتفاق مع صندوق النقد الدولي علي منح مصر قرض ال12 مليار دولار الذي يعد ثاني أضخم قرض يقدمه الصندوق في تاريخه. لو لم نلجأ لصندوق النقد الدولي لاستطعنا أن نطبق الاصلاحات الاقتصادية بالتدريج بما يتناسب مع ظروفنا بدلا من أن نضع أنفسنا تحت مقصلة صندوق النقد الدولي معتبرين أن موافقته علي القرض شهادة بسلامة اقتصادنا تؤهلنا للحصول علي قروض أخري من المؤسسات المالية الدولية المشابهة دون أن نفكر للحظة كيف ستسدد الأجيال القادمة هذه القروض.. لقد رفض مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق أن يلجأ الي صندوق النقد الدولي واعتمد علي امكانيات ماليزيا السياحية وثرواتها الطبيعية في إعادة بناء بلاده وكانت البداية بتطوير التعليم حتي أصبحت ماليزيا مثالا يحتذي.. فلماذا نلجأ نحن إلي الحلول السهلة ونحمل الأجيال الحالية والقادمة أعباء فوق طاقاتهم. من يتصور أن الشعب يمكن أن يتحمل في وقت واحد قرارات تستهدف خفض أعداد موظفي الحكومة وتقييد التعيينات الجديدة دون أن يكون هناك في المقابل مشروعات استثمارية تستوعب الطاقات العاطلة والخريجين الجدد.. وعلي التوازي مطلوب من الشعب أيضا أن يتحمل ضرائب جديدة كضريبة القيمة المضافة التي حذر عشرات الخبراء من آثارها في رفع أسعار السلع والخدمات ويتحمل زيادة في أسعار الكهرباء والمياه والغاز الطبيعي ورسوم الخدمات وزيادات أسبوعية في اسعار المواد الغذائية الأساسية.. من يتصور هذا واهم ولهذا أحذر من خطورة انفجار الأوضاع. اللهم إني بلغت اللهم فاشهد.