ربما تكون المرة الأولي، ونحن نحتفل بستين عاماً علي قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الخاص بتأميم قناة السويس، التي نجد فيها الإجابة عن سؤال "لماذا نجح قرار التأميم؟" شبه مكتملة الآن. سبب ذلك - من وجهة نظري - هو الكتاب الذي أعده وكتب مقدمته الدكتور عبد الواحد النبوي، والصادر عن دار الوثائق القومية، ويضم وثائق تنشر لأول مرة، وتدور حول التحركات الدبلوماسية التي رصدت رد فعل الشعوب والحكومات من مختلف أنحاء العالم. قيمة هذه الوثائق المفرج عنها في كتاب بعنوان "الدبلوماسية المصرية في المواجهة.. يوميات تأميم قناة السويس.. أوراق لم تنشر من قبل" أنها تقدم إجابة شافية عن نجاح قرار التأميم، بالتأكيد علي أن سر النجاح أو الخطوة الأولي للنجاح هو شخصية عبد الناصر، الذي اتخذ بشجاعة هذا القرار الذي غير معدلات القوة في العالم، لكن ما وجدته عند قراءة الوثائق أن السر الأكبر يكمن في دعم مختلف الشعوب للقرار، الذي لمس قلوبهم وعقولهم، بل لمس مستقبلهم أيضاً، إذ أدركت أن هذا القرار يقضي علي سيطرة الدول المستعمرة علي المنطقة العربية، ما يعني أن قرار التأميم لا يخص مصر وحدها، بل كل الدول المتطلعة لبناء وطن قوي، فأيدت أفغانستان قرار التأميم، وساند الرأي العام اليوناني مصر، وانطلقت مظاهرات شعبية في الدول العربية، خاصة سوريا، التي رأت في التأميم رداً قاسياً علي تجني أمريكا وبريطانيا وتآمر الغرب علي حرياتنا. كشفت الوثائق أيضاً، أن التعاطف والتأييد مع قرار عبد الناصر لم يكن نابعاً فقط من رغبة العرب في الاستقلال والحرية، بل من رغبة مختلف الدول للتأكيد علي قانونيته ومشروعيته، في الوقت الذي كان فيه إعلام أوروبا يطعن في قانونية التأميم، علي سبيل المثال الصحف البريطانية التي كانت تزعم أن القرار لا يستند إلي القواعد الشرعية الدولية، وأن قناة السويس منشأة عالمية، وأن عبد الناصر بقراره مزق الاتفاقات الدولية. المدهش أن مصر لم تقف لتدافع عن نفسها وحدها، بل خرج محامو سوريا - مثلاً - ليعلنوا رسمياً باسم نقابتهم عن قانونية القرار، وأنهم لن يصمتوا علي أي محاولة من شأنها عرقلة التأميم. في بستان هذا العدد، نقدم قراءة واعية قدمها الدكتور عبد الواحد النبوي للوثائق التي يضمها الكتاب، وقد رصد بدقة الخطوط العريضة لقيمتها، كما ننشر مجموعة من هذه الوثائق، ونقدم تحليلاً لبعضها. من هنا، أقترح أن تبادر واحدة من هيئات وزارة الثقافة العاملة في مجال النشر، بأن تصدر طبعة شعبية من هذا الكتاب المهم الذي يجب ألا يتاح في نطاق ضيق، بل أري ترجمته إلي أكثر من لغة، لأهمية ما يضمه من وثائق تتناول حدثاً أثر في مسار العالم.