بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد النصر بالعريش    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين بمُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة Thinqi    مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. في القاهرة والمحافظات    رئيس قناة السويس: ندرس تنفيذ مشروع للتحول لمركز إقليمي لتوزيع قطع الغيار وتقديم خدمات الإصلاح والصيانة السريعة    حماية العمالة غير المنتظمة.. "العمل": آلاف فرص العمل ل"الشباب السيناوي"    الإسكان: تنفيذ 24432 وحدة سكنية بمبادرة سكن لكل المصريين في منطقة غرب المطار بأكتوبر الجديدة    بالفيديو والصور- ردم حمام سباحة مخالف والتحفظ على مواد البناء في الإسكندرية    الاتصالات الفلسطينية: عودة خدمات الإنترنت بمناطق وسط وجنوب قطاع غزة    معلق مباراة الأهلي ومازيمبي في دوري أبطال أفريقيا    فانتازي يلا كورة.. جدول مباريات الجولة 35 "المزدوجة"    مصرع شخص في حادث تصادم ببني سويف    انتداب الطب الشرعي لمعاينة جثث 4 أشخاص قتلوا على يد مسجل خطر في أسيوط    25 مليونًا في يوم واحد.. سقوط تجار العُملة في قبضة الداخلية    "المكون الثقافي وتأثيره في السياسات الخارجية المصرية" ندوة بمكتبة الإسكندرية    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية جديدة إلى أوكرانيا    خبير دولي: مصر رفضت مخطط التهجير الخبيث منذ اليوم الأول للعدوان على غزة    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    أسعار البيض والدواجن اليوم الجمعة.. البلدي ب 117 جنيهًا    المندوه: لاعبو الزمالك في كامل تركيزهم قبل مواجهة دريمز    تواجد مصطفى محمد| تشكيل نانت المتوقع أمام مونبلييه في الدوري الفرنسي    تشافي يطالب لابورتا بضم نجم بايرن ميونخ    اتحاد جدة يعلن تفاصيل إصابة بنزيما وكانتي    11 مساء ومد ساعة بالإجازات.. اعرف المواعيد الصيفية لغلق المحلات اليوم    كاتب صحفي: الدولة المصرية غيرت شكل الحياة في سيناء بالكامل    منها «ضمان حياة كريمة تليق بالمواطن».. 7 أهداف للحوار الوطني    أمن القاهرة يكشف غموض بلاغات سرقة ويضبط الجناة | صور    وزير الخارجية الأمريكي يلتقي مع الرئيس الصيني في بكين    عرض افلام "ثالثهما" وباب البحر" و' البر المزيون" بنادي سينما اوبرا الاسكندرية    شاهد البوسترات الدعائية لفيلم السرب قبل طرحه في السينمات (صور)    في ذكرى ميلادها.. أبرز أعمال هالة فؤاد على شاشة السينما    احتجت على سياسة بايدن.. أسباب استقالة هالة غريط المتحدثة العربية باسم البيت الأبيض    موضوع خطبة الجمعة اليوم: تطبيقات حسن الخلق    دعاء صباح يوم الجمعة.. أدعية مستحبة لفك الكرب وتفريج الهموم    الصحة: إجراء الفحص الطبي ل مليون و688 ألف شاب وفتاة ضمن مبادرة «فحص المقبلين على الزواج»    تنظيم قافلة طبية مجانية ضمن «حياة كريمة» في بسيون بالغربية    طريقة عمل هريسة الشطة بمكونات بسيطة.. مش هتشتريها تاني    نائب وزير خارجية اليونان يزور تركيا اليوم    حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد الجيش الإسرائيلي يوم الخميس    رمضان صبحي: نفتقد عبد الله السعيد في بيراميدز..وأتمنى له التوفيق مع الزمالك    الشركة المالكة ل«تيك توك» ترغب في إغلاق التطبيق بأمريكا.. ما القصة؟    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    كارثة كبيرة.. نجم الزمالك السابق يعلق على قضية خالد بو طيب    انطلاق انتخابات التجديد النصفي لنقابة أطباء الأسنان بالشرقية    خبير: أمطار غزيرة على منابع النيل فى المنطقة الإستوائية    منها «عدم الإفراط في الكافيين».. 3 نصائح لتقليل تأثير التوقيت الصيفي على صحتك    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور في 20% من عينات الألبان في الولايات المتحدة    جامعة الأقصر تحصل على المركز الأول في التميز العلمي بمهرجان الأنشطة الطلابية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    حكاية الإنتربول مع القضية 1820.. مأساة طفل شبرا وجريمة سرقة الأعضاء بتخطيط من مراهق    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميًّا    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد سليمان‮: ‬المبدع معارض حالم لكنه ليس العدو

طفل صغير وُلد بقرية مليج في محافظة المنوفية،‮ ‬ذهب إلي الكُتاب في سنوات عمره الأولي؛ فحصل علي لقب‮ "‬شيخ‮"‬،‮ ‬إلي أن قرر جده أن يدفع به إلي المدرسة مثل أخواله،‮ ‬وحينما وصل للمرحلة الثانوية وبلغ‮ ‬السادسة عشرة من عمره،‮ ‬بدأ يحاكي القصائد التي أحبها من بين قراءاته،‮ ‬ويكتب الشعر،‮ ‬لكن العائلة كانت قد رسمت له طريقا آخر،‮ ‬يبدأ بالالتحاق بكلية الصيدلة في القاهرة ثم العودة إلي القرية لتأسيس صيدلية؛ حيث لم تكن تضم القرية واحدة،‮ ‬فكانت تلك هي الخطوة الأولي في رحلة الشاعر‮ "‬محمد سليمان‮" ‬داخل العاصمة‮.‬
جاء سليمان إلي القاهرة في منتصف الستينيات،‮ ‬وحينذاك التقي بحركة الشعر الحديث،‮ ‬يتذكر‮: "‬كنا في كلية الصيدلة نقيم أمسيات ثقافية،‮ ‬وفي إحداها التقيت بأحمد عبد المعطي حجازي وصلاح جاهين ويوسف إدريس وسهير القلماوي،‮ ‬وكنت وقتها أكتب القصيدة العمودية،‮ ‬فألقيت واحدة علق عليها حجازي،‮ ‬لكن من شجعني حقا كان صلاح جاهين،‮ ‬ونصحني بأن اقرأ كل ما يكتبه الشعراء الجدد،‮ ‬فذهبت بالفعل أبحث عن شعر عبد الصبور وحجازي وغيرهم من الشباب والمعاصرين،‮ ‬وخلال عامين كنت قد حفظت كل أعمالهم والكثير من قصائد صلاح جاهين في شعر العامية،‮ ‬فأنا محب لهذا النوع من الشعر أيضا‮".‬
تخرج من الجامعة ثم كُلف بالعمل في مؤسسة أدوية‮ ‬بمنطقة الجيزة،‮ ‬وعلي بعد خطوات منه كان يقع قصر ثقافة الجيزة في مقره القديم،‮ ‬الذي شهد انطلاقته،‮ ‬حيث يوضح‮: "‬التقيت فيه بالعديد من الشعراء كأمل دنقل وأبو سنة وغيرهم،‮ ‬وبدأ دخولي للحركة الشعرية ‮ ‬والأدبية من هذا القصر،‮ ‬لذا أعتبر نفسي ابنا من أبناء الهيئة العامة لقصور الثقافة،‮ ‬فبالإضافة لذلك؛ خمسة من دواويني تم نشرها في الهيئة‮". ‬ويستطرد‮: "‬لكني أعتقد أن دور هذه القصور تدهور في السنوات الأخيرة،‮ ‬حيث كانت مهمة جدا في اكتشاف المواهب وتشجيع الشعراء والكتاب والفنانين الشعبيين،‮ ‬لذا يجب علي الهيئة أن تعيد النظر ويتاح لها الميزانيات التي تساعدها علي القيام بدورها،‮ ‬فللأسف‮ ‬85٪‮ ‬مما يرصد لها يذهب كرواتب،‮ ‬ولا تفيض أموال لتمارس دورها الثقافي‮".‬
لي كل يوم وجه
لي كل يوم جسد مختلف
واسم قديم لم يعد يشبهني
أنا الجديد كلما صحوت‮ ‬
هل أبدو لبعضكم في الصبح مألوفا؟
لم يعد سليمان إلي القرية،‮ ‬لكنه أسس‮ ‬فيما بعد‮ ‬صيدلية في القاهرة بعدما ترك العمل في المؤسسة،‮ ‬وكانت مرحلة عمله في الصيدليات ثرية وممتعة جدا،‮ ‬حسبما يؤكد‮: "‬عندما يعيش الشاعر في قاع المجتمع،‮ ‬خاصة حينما تكون الصيدلية بحي شعبي‮ ‬ حيث عشت في السيدة زينب‮ ‬ يري الناس وأحلامهم ومعاناتهم وكل أشكال النشاطات الاجتماعية،‮ ‬بالإضافة إلي الاستمتاع بالبلاغة الشعبية الخاصة بأهالي القري والأحياء الشعبية،‮ ‬فهم يستخدمون مجازات مبهرة،‮ ‬وكان علي أن أستفيد من كل هذه المعطيات،‮ ‬لذا أعتقد أن التجربة الحياتية لدي كانت عميقة،‮ ‬وعملي في الصيدلة أثري تجربتي،‮ ‬لأن الجلوس في المكاتب وشد الكلام من الكلام لا يؤدي إلي تكوين ملامح،‮ ‬فالأهم أن نعيش في الشوارع ونري الناس ونقرض كتبا ونشعل دوائر الحوار،‮ ‬كما أن الشاعر والمبدع والمفكر عليه أن يحاور كل الكتب التي يقرأها،‮ ‬وأن يأخذ ويترك،‮ ‬لكي لا يتحول إلي مكتبة،‮ ‬فالتجربة الثقافية مهمة جدا بالنسبة للشاعر،‮ ‬ولكنها لا تعني كم الكتب التي قرأها وإنما الحوار الدائم بينه وبين الآخر‮".‬
بُهر سليمان بشعراء المهجر والمتنبي والمعري،‮ ‬وكان يقلد قصائدهم،‮ ‬حيث قرأ لهم أثناء حصة‮ "‬المكتبة‮" ‬كل أسبوع بالمدرسة،‮ ‬يقول‮: "‬كان لدينا أساتذة لغة عربية استطاعوا جذبنا إلي الشعر،‮ ‬وأنا أصبحت قارئا لأنني كنت محاطا بمجموعة من الأصدقاء والأقارب الذين يقرأون،‮ ‬وقد أسسوا مكتبة ووضعوها في محل صانع أحذية،‮ ‬كنت حينها صغيرا‮ ‬غير مسموح لي بالاستعارة،‮ ‬وإنما القراءة في المحل،‮ ‬فقرأت للرافعي والعقاد وطه حسين في الخمسينيات،‮ ‬ثم أصبحت القراءة عادة،‮ ‬وعلينا أن نعترف أن الكتاب والجريدة فقط كانا مصدر المعرفة في ذلك الوقت،‮ ‬فلم يكن هناك تليفزيون بهذا الشكل أو فضائيات،‮ ‬فنحن الآن نعيش في عصر الشاشة،‮ ‬الذي يختلف تماما عن الكتاب‮".‬
وفي ذلك يتذكر محمد سليمان‮: "‬قبل قرن؛ في عام‮ ‬1916‮ ‬صدر البيان الثاني للحركة المستقبلية بعنوان‮ "‬السينما المستقبلية‮"‬،‮ ‬وجاء في مقدمته أنه انتهي عصر الكتاب كمصدر وحيد للمعرفة وبدأ عصر الشاشة،‮ ‬هذه الكلمات في الوقت الذي كانت خلاله الشاشة الوحيدة الموجودة هي شاشة السينما،‮ ‬بينما نحن الآن نعيش في‮ ‬غابة من الشاشات،‮ ‬الشاشة تقود وتوجه وتهيمن وتتغول أيضا،‮ ‬ومن ثم فهناك فنون استفادت منها كفن الرواية،‮ ‬الذي يتحول إلي دراما،‮ ‬وكذلك المسرح،‮ ‬وهناك فنون لم تستفد كالشعر،‮ ‬ولذلك انتشر الحديث حول انحسار الشعر ونسي الناس أن له جمهورا نوعيا محدودا بشكل أو بآخر،‮ ‬خاصة شعر الفصحي،‮ ‬فهو جمهور مسلح بأدوات التعامل مع النص الشعري،‮ ‬يعرف لغة بشكل جيد ويستطيع أن يتعامل مع النص وتحليله وفهمه والخروج منه بانطباع ما،‮ ‬ولا يوجد شاعر في العالم كله وزع مليون نسخة من كل دواوينه،‮ ‬في حين لدينا روائيون وزعوا ملايين النسخ،‮ ‬فالشعر دائما جمهوره محدود‮".‬
هل يولد الفرعون فرعونا
بيد تدك‮.. ‬وبسمة تحيي؟
أم يصنع الفرعون من هابوا‮ ‬
ومن رغبوا‮.. ‬ومن‮ ‬غابوا؟
كتب سليمان للمسرح الشعري في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات؛ مسرحيتي‮ "‬العابرون‮" ‬و"الشعلة‮"‬،‮ ‬مُثلت الأولي علي مسرح قصور الثقافة،‮ ‬والثانية قُدمت بإحدي المدارس،‮ ‬والاثنتان تناولتا التاريخ الإسلامي،‮ ‬وفكرة السلطة والحرية والعدل والفساد،‮ ‬يقول‮: "‬تلك قضايا أساسية بالنسبة لي وللمبدعين بشكل عام،‮ ‬والشاعر وكذلك أري نفسي دائما في موقع المعارض،‮ ‬لأن المبدع يحلم بالأفضل والأرقي والأجمل،‮ ‬وحتي عندما يحقق النظام بعض هذه المطالب،‮ ‬يظل المبدع يحلم بالأكثر عدلا والأجمل،‮ ‬ويظل دائما هناك ذلك الحلم الجميل بالمجتمع الأجمل والأفضل وبقدر أكبر من الحرية،‮ ‬فالحرية‮ ‬غاية مرفوعة في كل الثورات،‮ ‬لكنها لن تتحقق أبدا،‮ ‬لأنه من المستحيل أن تكون هناك حرية مطلقة،‮ ‬وإنما لابد أن تكون محدودة بقدر مصالح الآخرين والتعايش الاجتماعي‮. ‬أما الكاتب والمبدع فعليه أن يتحدث ويطالب بدون أن يوضع دائما في موقف العدو،‮ ‬وإنما الحالم والمختلف،‮ ‬لكننا للأسف لا نحتمل الاختلاف ولم نتعلم في بلادنا أن نختلف‮".‬
أما عن مستقبل المسرح الشعري،‮ ‬فيستطرد‮: "‬المسرح‮ ‬بشكل عام‮ ‬للأسف الشديد تراجع،‮ ‬وحتي السينما والمسلسلات،‮ ‬لدينا حالة تراجع عامة في المجال الثقافي،‮ ‬فالمسرح الآن يحتاج إلي جهد كبير واحتشاد وتفرغ،‮ ‬لإعادته إلي ازدهاره،‮ ‬لأن كتّاب المسرح انصرفوا عن الكتابة له‮".‬
قدمه صلاح عبد الصبور عام‮ ‬1971،‮ ‬لذا كان له التأثير الأكبر علي محمد سليمان،‮ ‬وربما هذا السبب وراء تشبيه البعض له في بداياته بعبد الصبور،‮ ‬وعنه يتحدث‮: "‬لقد حاول معي كثيرا في السبعينيات لكي أترك مهنة الصيدلة وأعمل معه في الهيئة العامة للكتاب بقسم النشر واعتذرت،‮ ‬وعندما عاد من الهند وأصبح رئيسا للهيئة؛ عرض عليّ‮ ‬مرة أخري واعتذرت أيضا،‮ ‬لأنني كنت أستمتع بمهنة الصيدلة والجماهير العريضة التي أتعامل معها،‮ ‬وكنت أخشي أن أجلس علي المقهي وأتعامل في حلقة ضيقة جدا من الكتاب فقط،‮ ‬وأن أكتفي بشد الكلام من الكلام كما قال أبو حيان التوحيدي،‮ ‬بلا تجربة وغيره،‮ ‬فهذا خطر للغاية،‮ ‬حيث يجب أن يكون للشاعر أو المبدع تجربته الخاصة لكي ينجح في تكوين ملامح لوجهه وصوت متميز للغاية‮".‬
في رأي محمد سليمان؛ الشاعر لابد أن يكون مطلعا علي كل ما يخص جذوره،‮ ‬وأن يلم بالتاريخ والفلسفة وكل المنتج الحضاري لأمته،‮ ‬والعالم إن استطاع،‮ ‬وليس فقط قراءة الأعمال الأدبية،‮ ‬يوضح‮: "‬بدون ذلك كيف يمكن أن يشكل تجربة ثقافية حقيقية وكبيرة،‮ ‬فالاطلاع علي ما يحدث في العالم مسألة ضرورية‮".‬
أنا وحيد القرن
ظلي علي الرصيف لم يعد يتبعني
وصيحتي في داخلي ترن
أنا الفتي القديم لست جوربا
وأنت لست قاربا ينسل‮.. ‬أو أفعي
لكن هذا لا ينفي أن الأعمال الإبداعية حتما تنبع من الذات،‮ ‬التي تمثل مركز العملية الإبداعية بالنسبة لسليمان،‮ ‬ويضع لها‮ ‬3‮ ‬أشكال،‮ ‬هي‮: ‬الذات كما تري نفسها،‮ ‬الذات كما يراها الآخر،‮ ‬والذات كما هي بالواقع،‮ ‬يستكمل‮: "‬الأخيرة عادة ذات‮ ‬غير فنية لا يلجأ إليها المبدع أو الفنان،‮ ‬بينما الذات كما تري نفسها؛ هناك منها ذات تؤله نفسها أو يتصور الشاعر أنه المنقذ والعظيم كبعض أعمال المتنبي وصلاح عبد الصبور وأدونيس وغيرهم،‮ ‬فتلك ذات تعلو وتضيف إلي نفسها،‮ ‬وهناك ذات تتحدث عن نفسها باعتبارها حشرة مثلما فعل كافكا،‮ ‬وأحيانا تحدث تغيرات كثيرة في الذات وتحولات،‮ ‬فهي عادة إما تضيف إلي نفسها أو تخصم منها،‮ ‬وبالتالي تتحول إلي موضوع‮".‬
وكما كان لصلاح عبد الصبور دور في حياة محمد سليمان،‮ ‬كان لأمل دنقل دوره أيضا‮: "‬لقد أدخلني ورشته الشعرية وأراني كيف يكتب القصيدة ويعيد الكتابة ويحذف ويختصر وغيره،‮ ‬ثم جرب ذلك علي قصيدة لي كانت تتشكل من أربع صفحات،‮ ‬فأصبحت صفحتين ونصفا واكتشفت أنها أقوي وأكثر تماسكا وأجمل،‮ ‬وأخبرني أن محمود حسن إسماعيل هو من علمه ذلك،‮ ‬وكان هذا درسا مهما جدا بالنسبة لي،‮ ‬ففي البدايات الشعرية يظن الشاعر أنه يكتب كتابة مقدسة،‮ ‬لكنه بعد مدة يكتشف أن القصيدة في حاجة دائما إلي مراجعة‮".‬
بدأ الجيل الذي ينتمي له سليمان بشكل حقيقي بعد هزيمة‮ ‬1967،‮ ‬يتذكر‮: "‬لقد تم اتهام الشعراء والأدباء حينها بأنهم لا يرون بعيونهم وإنما بعيون‮ ‬غيرهم من الحكام،‮ ‬وبالتالي لم يكونوا مخلصين لتجاربهم،‮ ‬أما علي المستوي الشخصي؛ فأنا عشت تجربة أليمة مع الشاعر الكبير الراحل صلاح جاهين،‮ ‬الذي ظل يعتبر نفسه واحدا من المسئولين عن هزيمة‮ ‬67‮ ‬بسبب الأغاني والأناشيد التي كتبها في أعياد الثورة،‮ ‬وللأسف كنا نتحدث معه كثيرا لنقنعه أنه لم يكن قائدا أو ذا منصب ليكون مسئولا ولكنه بقي حزينا ومكتئبا،‮ ‬ورغم ذلك ظل ناصريا حتي آخر يوم في عمره‮".‬
لكيلا أصير نجيلا هائما في البراري
أو حصانا مسنا
وكيلا يعشش في مقلتي الدخان
ويحبو‮ ‬غدا في كتابي
سأعلن حربا هنا في الورق
وعن جيله السبعيني؛ يقول صاحب‮ (‬سليمان الملك‮): "‬من الصعب أن أتحدث عن جيلي لكي لا أكون مجاملا،‮ ‬لكن يمكن القول أن الشعر السبعيني فتح بابا للتجريب،‮ ‬حيث كانت الراية المرفوعة من الجيل كله هي‮ "‬نحو قصيدة جديدة‮"‬،‮ ‬حتي أن تلك العبارة كانت علي مجلة‮ "‬إضاءة‮"‬،‮ ‬ومثلت محورا من محاور عمل جماعة‮ "‬أصوات‮"‬،‮ ‬فالكل يبحث عن القصيدة الجديدة،‮ ‬وبعد ذلك اكتشفت أن كل شاعر حقيقي يبحث عنها أيضا،‮ ‬والشعراء الكبار في العالم العربي هم في الأصل شعراء تجريبيون،‮ ‬لأن الشاعر الموهوب يرفض سلطة الشاعر الآخر،‮ ‬ويرفض سلطة القصيدة الشائعة والسائدة ويحاول أن يكتب قصيدته الخاصة،‮ ‬ومن ثم فهو يتمرد علي السائد ويدخل إلي مرحلة التجريب،‮ ‬التي قد تقوده‮ ‬ إلي نتائج جميلة أو إلي اللاشعر،‮ ‬لأن التجريب لا يأتي بقرار وإنما من داخل النص،‮ ‬وتفرضه التجربة نفسها‮".‬
وعن مستقبل الشعر،‮ ‬يستكمل‮: "‬طوال الوقت نجد شعرا جيدا،‮ ‬لكن البحث عنه مضن إلي حد ما،‮ ‬لأن‮ ‬عادة‮ ‬كل جيل شعري أو حركة شعرية تبدأ بعشرين أو ثلاثين شاعرا ثم تنتهي بشاعرين أو ثلاثة،‮ ‬فالشعر الجيد قليل،‮ ‬وكان أمل دنقل يقول دائما أن الشاعر هو من إذا ذكرت اسمه تذكرت له قصائد وعناوين دواوين ومقاطع،‮ ‬أي أنه شاعر ترك أثرا وله وجه مميز،‮ ‬فهناك كتاب لا وجوه لهم،‮ ‬وأنا أحيانا أستفيد من أشعار متواضعة لكي أعرف سبب ردائتها ولماذا أصبحت رديئة لتجنب ذلك‮. ‬أما الآن؛ فالشعر للأسف يعاني إلي حد ما،‮ ‬حيث إن جمهوره نوعي ومحدود،‮ ‬وتأثير الشاشة والوضع العام الذي نعيشه واضح جدا عليه،‮ ‬لكن دائما هناك أجيال جديدة،‮ ‬وشعراء نكتشفهم لهم تجارب مميزة ويسعون إلي تشكيل عالم جديد‮".‬
يستطرد‮: "‬في هذا الجيل هناك عدد من الشعراء الجيدين كمحمد منصور،‮ ‬سلمي فايد،‮ ‬محمد سالم عبادة،‮ ‬وسالم الشهباني الذي حصل علي جائزة الدولة التشجيعية،‮ ‬التي اعتبرها الوحيدة الحقيقية في مصر،‮ ‬لأن الكاتب يتقدم بكتاب واحد وتتشكل لجنة وتقرأ وتكتب تقرير وتعطي درجات بدون معرفته،‮ ‬لأنه مازال شابا لا يملك علاقات أو ضغوطا،‮ ‬أما باقي الجوائز فللأسف تدخل فيها مصالح وأهواء ولجان عامة،‮ ‬ففي رأيي؛ يجب أن تشكل لكل الجوائز الأخري لجان خاصة وبعدها تقوم اللجنة العامة باعتماد النتيجة،‮ ‬ذلك لكي نكون منصفين لأنفسنا ولنساعد الحياة الإبداعية والثقافية العامة في مصر‮". ‬
بالشاشات ازدحم البيت
وبالشاشات احتفل المقهي‮ ‬
بالشاشات التصقوا
واختصروا معجزة الأفواه ولاذوا‮ ‬
بأحاديث الصمت‮ ‬
تناول في ديوانه‮ "‬سليمان الملك‮" ‬عزلة الإنسان،‮ ‬رغم كل المكتسبات الحضارية،‮ ‬واستعار فيه من الصور القرآنية والتوراتية في الوقت نفسه،‮ ‬يستطرد‮: "‬التكنولوجيا الآن‮ ‬أيضا‮ ‬قادت الإنسان إلي عزلة واسعة،‮ ‬فإن نظرنا إلي الشاشات مثلا؛ سنجد أن كل شخص أصبح له عالم افتراضي داخل الشاشة،‮ ‬وبذلك هي تساهم في تفكيك المجتمعات والأسر،‮ ‬لذا العزلة دائما تتجدد وتتخذ أشكالا جديدة،‮ ‬وكل مسعانا إلي ردم الفجوة والهوة تجوب بالفشل،‮ ‬فالمقتنيات الحديثة والعصرية لها جوانبها السلبية بالإضافة إلي الجانب الإيجابي‮".‬
لسليمان وجهه النبوي
له إشارة عشق
صلّي‮.. ‬فحطت علي كتفه الريح
جاءته مملكة المحار‮ .. ‬وأرغفه البحر
لكن بلقيس ظلت علي شفة الغيم
لؤلؤة يشرئب لها القلب
لم يتجنب محمد سليمان التعرض في قصائده للرسل أو الكتابة من وحي قصصهم،‮ ‬كما في‮ "‬برديات‮" ‬و"سليمان الملك‮"‬،‮ ‬فهو يعتبر كل شيء مباح طالما أنه يتعامل معه بفنية عالية،‮ ‬يقول‮: "‬أنا أتعامل مع الأنبياء والرسل وأشياء كثيرة من المقدسات،‮ ‬ولكن لا أدخل إلي مراحل الإسفاف أو الاستفزاز،‮ ‬فالتعامل يكون بشيء من المهارة،‮ ‬لأن من حق الآخر أن أحترمه‮". ‬ويستطرد‮: "‬هناك كتّاب يضعون في اعتبارهم من البداية لفت الأنظار،‮ ‬فيدخلون لتلك المناطق بفجاجة،‮ ‬فقط لكي يتم اتهامهم أو تُصادر كتبهم فيصبحون نجوما،‮ ‬وهذه من المشاكل التي نعاني منها في الحياة الأدبية‮".‬
عاني سليمان‮ ‬كبقية جيله‮ ‬من مشكلة النشر،‮ ‬حيث كان أول نشر حقيقي له عام‮ ‬1990،‮ ‬وهو يقترب من الخامسة والأربعين مع ديوان‮ "‬سليمان الملك‮"‬،‮ ‬بالإضافة إلي أن المجلات أغلقت في السبعينيات وتوقفت الهيئة في الثمانينيات عن النشر للشباب لفترة طويلة،‮ ‬فكان يقدمهم د.عبد القادر القط من خلال مجلة‮ "‬إبداع‮"‬،‮ ‬من خلال باب بعنوان‮ "‬تجارب‮"‬،‮ ‬يقول عنه‮: "‬كان ينشر كل النصوص الجيدة،‮ ‬حتي التي لا يتفق معها أيضا،‮ ‬وتلك إحدي فضائل تعيين ناقد مهم رئيسا لتحرير المجلة،‮ ‬فمن الخطر تعيين مبدع،‮ ‬لأنه لن يمرر إلا أشباهه والتيار الذي ينتمي إليه،‮ ‬ودائرته ستكون ضيقة،‮ ‬بينما الناقد أرحب صدرا وقادر علي التعامل مع العديد من التيارات الإبداعية‮".‬
كالرسل أتي الثوار وذهبوا
كالرسل أضاءوا‮ ‬
واغتسلوا في الساحات وغسلوا
واحتفلوا بنداءات البرق ووأوأة المولود‮ ‬
وطاروا
في عام‮ ‬2012؛ أصدر سليمان ديوان‮ "‬كالرسل أتوا‮"‬،‮ ‬صاغ‮ ‬فيه رؤيته حول ثورة يناير،‮ ‬والآن بعد مرور‮ ‬4‮ ‬سنوات،‮ ‬يؤكد أن رؤيته لم تتغير علي الإطلاق‮: "‬الثوار جاءوا وذهبوا،‮ ‬هذا حال العالم العربي،‮ ‬ولدي ديوان آخر أعده تكملة لذلك،‮ ‬به مرارة شديدة لما يحدث في الواقع العربي كله،‮ ‬حيث أشعر أن أمامنا سنوات لكي نستطيع الخروج من هذا النفق،‮ ‬خاصة وأننا في دائرة نار وحولنا من كل الجهات نيران مشتعلة في ليبيا والعراق وسوريا والسودان،‮ ‬وأسلحة وإرهابيون،‮ ‬فهناك ضغوط ومحاولات كثيرة لخنق مصر‮".‬
اختار محمد سليمان من بين أنواع الشعر المختلفة كتابة‮ "‬قصيدة التفعيلة‮"‬،‮ ‬ليجرب بها مزج البحور والتفعيلات مختلفة،‮ ‬فاكتشف‮: "‬لقد تركنا في القصيدة العمودية‮ ‬16‮ ‬بحرا وحبسنا أنفسنا في ستة بحور،‮ ‬وبالتالي كان عليّ‮ ‬أن أجرب؛ بحثا عن خلق نغميات وتشكيلها،‮ ‬فلابد للشعر أن يكون قادرا علي التشكيل،‮ ‬لذا أرفض أن تسيطر كلمة أو جملة علي نغمية القصيدة بشكل كامل،‮ ‬وبالتالي فأنا أجرب وأخرج أحيانا إلي أشكال قريبة جدا من قصيدة النثر،‮ ‬لأن من مهام الشاعر أيضا التجريب النغمي الدائم والبحث عن نغميات جديدة وموسيقي للشعر وليس فقط التجريب في المفردات‮".‬
في الليل
حين يمزق المطر خيمة الرماد
وتنعتق وردة المباغتة‮ ‬
ينهض الواحد المضيء
يزيح الثلج وأكذوبة النعاس
يلتف بغيمة ويمضي
ورغم تأكيده علي أنه شاعر نهاري،‮ ‬حيث لا يكتب إلا نهارا،‮ ‬بعدما يستيقظ في الخامسة أو السادسة صباحا،‮ ‬لكن الليل‮ ‬كأغلب الشعراء‮ ‬كان له تأثيره علي كتاباته،‮ ‬يوضح السبب‮: "‬لأن به أشياء كثيرة،‮ ‬ويفتح بوابات للتذكر،‮ ‬والذاكرة هي مستودع المبدع‮".‬
الشارع أعمي
والصحراء تسوق إلي الساحات عجائز‮ ‬
ينتظرون قدوم الماضي
وعجائز يقترحون لماء النيل خرير السين
وللقاهرة ملامح روما
رغم نشأته في القرية بالمنوفية،‮ ‬إلا أن الصحراء لها التأثير الأكبر في كتاباته،‮ ‬لأن ذلك ما يلمسه في الواقع،‮ ‬الذي تأتي منه ‮ ‬أيضا النبرة الحزينة في أغلب قصائده،‮ ‬فمن الصعب الكتابة عن فرح‮ ‬غير موجود واختراعه،‮ ‬يقول‮: "‬أحيانا نري الصحراء في الشوارع،‮ ‬كما نري ثقافة الصحراء‮". ‬ويستطرد‮: "‬المشكلة التي نعاني منها تتمثل في تيارين؛ تيار الخلافة الإسلامية الذي ينتظر قدوم الماضي السحيق الذي لن يعود ولا يمكن أن يعود،‮ ‬والتيار الآخر الذي يريد مصر قطعة من أوروبا،‮ ‬وينسي الجميع أن الروائي الياباني الحاصل علي جائزة نوبل ياسوناري كواباتا انتحر في الشارع احتجاجا علي خفوت الروح اليابانية في الثقافة،‮ ‬لأنه رأي الثقافة الأوروبية تسيطر في اليابان واليابانية تتواري‮".‬
غياب الثقافة يوّلد كثيرا من الجهل،‮ ‬الذي قد يقود إلي التطرف،‮ ‬وهو ما يعود من وجهة نظر سليمان ‮ ‬إلي‮: "‬هناك مشكلة رهيبة جدا في التعليم،‮ ‬فنحن الآن لدينا مدارس عامة وتجريبية وخاصة وأجنبية،‮ ‬ودينية وإسلامية،‮ ‬وأخري لا تتابعها الدولة ولا تعرف ما يدرس فيها،‮ ‬فالتعليم بداية زراعة العقل وحشوه وتشكيل المواطن،‮ ‬إذا اهتممنا به وركزنا عليه نستطيع خلال سنوات إعادة تشكيل وعي المواطن،‮ ‬لكي لا يجد المتطرف مددا قادما إليه من أجيال أخري،‮ ‬وفي رأيي؛ اتهام وزارة الثقافة ظالم إلي حد كبير،‮ ‬لأن وزارة الثقافة لا تستطيع أن تبني علي فراغ،‮ ‬حيث يجب أن يقدَم إليها مواطن يعرف القراءة والكتابة جيدا،‮ ‬وتعلم أن يدخل مكتبة في مدرسة ويقرأ كتابا ويعرف اللغة بشكل حقيقي،‮ ‬وهو ما يستوجب توجيه الوزارات الثلاث‮: ‬التعليم،‮ ‬الثقافة،‮ ‬الإعلام،‮ ‬لأنه عندما نهمل التعليم نفتح الباب للجهل والتطرف والفوضي والضياع،‮ ‬فالتطرف والإرهاب بدأ من السبعينيات عندما بدأت يد الدولة وقبضتها تتراخي في التعليم‮".‬
يعد الشاعر محمد سليمان الآن ديوانه‮ "‬كتاب الماء والمرايا‮" ‬ويجهزه للنشر،‮ ‬بالإضافة إلي الجزء الثاني من ديوانه‮ "‬كالرسل أتوا‮" ‬بعنوان‮ "‬برديات‮"‬،‮ ‬وفي ذلك يفضل أن ينشر أعماله في الهيئة العامة للكتاب‮: "‬لأن الأسعار تكون زهيدة وفي متناول يد القارئ،‮ ‬وأظن أن معظم قراء الشعر هم طلبة الجامعات،‮ ‬وبالتالي هم يستحقون الكتاب المدعوم‮".‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.