في سيرة زوجات الرسول صلي الله عليه وسلم الدروس والعبر، فكن رضي الله عنهن مضرب المثل في المواقف خاصة تلك التي يشوبها الغضب والضيق أحيانا إلي جوار الرسول يخففن عنه مايلاقيه من أذي المشركين وإعراض الكافرين.. وما أحوج نساءنا اليوم من التعلم من زوجات الرسول الكريم في حسن معاملة الأزواج والتخفيف عليهم من متاعب الحياة ومصائب الدهر.. خاصة في هذا الزمن الذي طغت فيه ماديات الحياة. يقول الدكتور لطفي صالح الأستاذ بجامعة الأزهر: كانت زوجات الرسول صلي الله عليه وسلم يضربن المثل في حسن المعاملة الزوجية حتي في حالة عدم الرضا، فهذه السيدة عائشة رضي الله عنها، توضح للرسول صلي الله عليه وسلم بكل توقير واحترام في حالة الرضا والغضب أيضا. أدب الحوار فقد ورد في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لها: إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبي أي أعرف الوقت الذي تكونين فيه غاضبة أو عاتبة علي. فأولا ليس هناك من غضاضة ولا جرم ولا كبيرة من الكبائر أن تغضب المرأة من زوجها إذا وقع خلاف بينهما في وجهات النظر. ولكن أنظروا إلي أدب عائشة وإلي فطنة رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت له: كيف ذلك يارسول الله؟! أي كيف تعرف رضاي من غضبي فقال: »إذا كنت راضية عني قلت: لا ورب محمد وإذا كنت غضبي قلت: لا ورب إبراهيم فقالت عائشة رضي الله عنها: أجل والله ما أهجر يا رسول الله إلا اسمك، فهنا يدل علي أنه قد يقع ما يوجب الخلاف والنزاع ولكن لابد أن يكون له حد ولا تنتقصه ولا تذكره بما يسوؤه ولا تنعته بما لا يحب ولا تصفه بما يكره. تذكير الزوج بصفاته الحميده الدكتور وجيه أحمد فكري مدرس بقسم العقيدة والفلسفة بكلية، أصول الدين جامعة الأزهرقال: أن من مواقف السيدة خديجة رضي الله عنها أنه لما عاد رسول الله صلي الله عليه وسلم من غار حراء فزعا لما فاجأه الوحي وأخبر زوجته خديجة بما رأي وكان فزعا وفؤاده يرجف قالت له خديجة: كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين علي نوائب الحق قالت له ذلك، لأن الإنسان إذا أصابه الروع والفزع احتاج أن يذكره أحد بمآثره وصفاته الحميدة.. وظلت خديجة إلي جوار الرسول صلي الله عليه وسلم تثبته وتصبره وتؤمن به وقد كذبه الناس وتقف معه يوم تخلي عنه الأقربون حتي وافتها المنية فحزن النبي حزنا شديدا وتألم لفقدها.. فقد كانت الزوجة الحنون التي تخفف عن الرسول وتهون عليه ما يلاقيه من تكذيب قومه. أم سلمة والرأي الصائب ومن المواقف المشهودة للسيدة هند بنت أمية بن المغيرة الملقبة »بأم سلمة» زوجة رسول الله صلي الله عليه وسلم رأيها الصائب في عام الحديبية لما أراد رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يعتمر ومنعته قريش وكتبت معاهدة بينه وبينهم أمر صلي الله عليه وسلم أصحابه فقال: »قوموا فانحروا ثم احلقوا» فما قام منهم رجل حتي قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد، دخل علي أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب أن تخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتي تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلق لك، فخرج فلم يكلم أحدا حتي فعل ذلك ونحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلما راوا ذلك قاموا فنحروا جميعا . الحث علي صلة الرحم ومن مواقفها أيضا يوم فتح مكة عندما خرج النبي بجيشه الكبير الذي لم يشهد مثله العرب فخرج إليه مشركو قريش لملاقاته وإعلان توبتهم وإسلامهم وكان من هؤلاء أبوسفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ابن عم الرسول صلي الله عليه وسلم وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة ابن عمة الرسول وأخو أم سلمة لأبيها. وعندما أستأذنا في الدخول علي رسول الله صلي الله عليه وسلم أبي أن يأذن لهما بالدخول لمالاقاه منهما من أذي شديد قبيل أن يهاجر من مكة. فقالت له أم سلمة وهي تستعطفه علي ذويها وذويه: يارسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لا حاجة لي بهما أما ابن عمي فقد أصابني منه سوء وأما ابن عمتي وصهري فقد قال بمكة ما قال: فأخذت تستعطفه وتذكره بصلة الرحم حتي رق قلب الرسول صلي الله عليه وسلم وأذن لهما بالدخول فدخلا عليه وأعلنا إسلامهما. ومن مواقف أم سلمة أيضا: أنه لما ماتت السيدة عائشة رضي الله عنها وسمعت أم سلمة العويل قالت: ما هذا العويل؟ قالوا ماتت عائشة فقالت: رحمها الله إن كانت لأحب أزواج النبي صلي الله عليه وسلم إليه». زينب وحادثة الإفك ومن مواقف أم المؤمنين زينب بنت جحش زوجة رسول الله صلي الله عليه وسلم من حادثة الإفك أنها كانت هي التي تسامي السيدة عائشة وترفع من قدرها عند النبي صلي الله عليه وسلم ولما سألها النبي صلي الله عليه وسلم عن عائشة قالت: سمعي وبصري ما علمت إلا خيرا. وتقول عائشة رضي الله عنها »فقالت حمنة وحمنة أخت زينب هي التي تكلمت في حادثة الإفك عن عائشة أما أختها زينب فعصمها الله بالورع. سودة وروح الدعابة ويشير الشيخ منصور الرفاعي عبيد وكيل أول وزارة الأوقاف سابقا إلي البعض ومواقف زوجات الرسول فيقول إن السيدة سودة بنت زمعة رضي الله عنها جمعت من الشمائل أكرمها ومن الخصال أنبلها وقد ضمت إلي ذلك لطافة في المعشر ودعابة في الروح مما جعلها تنجح في إذكاء السعادة والبهجة في قلب النبي صلي الله عليه وسلم ومن قبيل ذلك ما أورده ابن سعد في الطبقات أنها صلت خلف النبي صلي الله عليه وسلم ذات مرة في تهجده فثقلت عليها الصلاة فلما أصبحت قالت لرسول الله صلي الله عليه وسلم: صليت خلفك البارحة فركعت بي حتي أمسكت بأنفي مخافة أن يقطر الدم فضحك رسول الله صلي الله عليه وسلم وكانت معطاءة تكثر من الصدقة التفقه في الدين وتبين الدكتورة إلهام شاهين أستاذة العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر أن السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها كان لها مواقف مع رسول الله صلي الله عليه وسلم قد يبدو منها الجدل.. ولكنها كانت تريد أن تتعلم من الرسول صلي الله عليه وسلم لتبين للأمة ما قد يشكل عليها من الآيات القرآنية والمسائل الفقهية.. ومن ذلك ما روي أن الرسول صلي الله عليه وسلم قد ذكر عند حفصة أصحابه الذين بايعوه تحت الشجرة.. فقال: لايدخل النار إن شاء الله أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها.. فقالت حفصة: بلي يارسول الله.. فانتهرها.. فقالت حفصة الآية الكريمة: قال تعالي: »وإن منكم إلا واردها كان علي ربك حتما مقضيا».. مريم: 71.. فقال الرسول صلي الله عليه وسلم: قال تعالي: »ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا».. مريم: 72.. يقول الإمام النووي معلقا: فيه دليل للمناظرة والاعتراض.. والجواب علي وجه الاسترشاد.. وهو مقصود حفصة لا أنها أرادت رد مقالته صلي الله عليه وسلم.. أما السيدة ميمونة بنت الحارث فقد حقق النبي بزواجه منها مصلحة عليا وهي أنه بهذه المصاهرة لبني هلال كسب تأييدهم وألف قلوبهم وشجعهم علي الدخول في الإسلام.. وقد ورد عن السيدة ميمونة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ستة وسبعين حديثا ولم يسبقها في ذلك سوي السيدة عائشة رضي الله عنها وأم سلمة رضي الله عنها.. وروي لها سبعة أحاديث في الصحيحين وانفرد لها البخاري بحديث ومسلم بخمسة.. وروي عنها.. الشيخان أنها قالت: »إن الناس شكوا في صيام رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم عرفة فأرسلت إليه ميمونة بحلاب اللبن وهو واقف في الموقف.. فشرب منه والناس ينظرون إليه». وهذا يدل علي فقهها ورجاحة عقلها رضي الله عنها». فما أحوج نساءنا اليوم من التعلم من سيرة ومواقف زوجات الرسول صلي الله عليه وسلم خاصة في هذا الوقت الذي طغت فيه المادة وتفسخت فيه العلاقات الزوجية.