حصل الباحث والروائي فؤاد مرسي علي درجة الماجستير في العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية، من المعهد العالي للفنون الشعبية، التابع لأكاديمية الفنون، عن رسالة، بعنوان "الطير في المعتقد الشعبي"؛ التي ناقشها كل من: د.حسن الخولي، أستاذ الأنثروبولوجيا بكلية البنات بجامعة عين شمس، د.سميح شعلان، العميد الأسبق للمعهد العالي للفنون الشعبية، ود.نهلة عبد الله إمام، رئيس قسم العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية بمعهد الفنون الشعبية، التي تولت كذلك الإشراف علي الرسالة. الرسالة التي حصل بها فؤاد مرسي علي تقدير امتياز، ترجع أهميتها إلي أن موضوعها لم يحظ باهتمام دارسي الثقافة الشعبية، إلا في حدود ضيقة، من خلال بعض الدراسات التي تناولت الحيوان بشكل عام. رغم أن الطيور تعالقت بها مجموعة من الأفكار والتصورات، تجلت في العديد من الطقوس والممارسات والعادات والتقاليد، وشكلت العديد من المواقف النفسية تجاه إشارات ورموز بعينها، عمل بعضها علي تعطيل الإنسان حيناً، أو الاندفاع حيناً آخر. فضلاً عما كان لقصص الطير وحكاياته من إسهام مهم فينقل المعرفة وبناء النسق القيمي للمجتمع. إضافة لاكتناز الفنون القولية، من أمثال وحكم ومواويل؛ لطباع الطير وخصائصه، وإسقاطه علي الإنسان. ورغم أن التصنيف العلمي والأدبي يدرجان الطيور تحت جنس الحيوان عامة، إلا أن سماتها الفيزيقية تختلف بصورة واضحة عن باقي أنواع الحيوانات الأخري، فهي تمتاز عن سائر المجموعات الحيوانية الأخري بجمال أشكالها وألوانها الزاهية وقدرتها علي التغريد والغناء؛ كما أن قدرتها علي الطيران والحرية التي تمارسها في الانتقال من مكان إلي مكان جعلتها محط اهتمام الإنسان وموضع تقديره وإعجابه، كما أن ما تتمتع به الطيور من صفات وطبائع خاصة، أضفي عليها صبغة إنسانية. كل تلك الأمور أغرت فؤاد مرسي بدراستها بصورة مستقلة، دون تجاهل ما يجمعها من قواسم مشتركة مع بقية جنسها. وقد سعت الدراسة إلي استقصاء الصورة الذهنية الشعبية عن الطير ومقاربتها فيضوء الشواهد العلمية والتراثية، واستظهار ما أدته وما تؤديه من وظائف عملت وتعمل علي استقرار البناء الاجتماعي واستمراره وتماسكه.. انقسمت الدراسة إلي بابين، تضمن كل منهما أربعة فصول. حيث جاء الباب الأول تحت عنوان "الاتجاهات النظرية والأسس المنهجية" وتضمن أربعة فصول، تمثل مجتمعة الإطار النظري للدراسة. وقد اشتمل الباب الثاني علي حاصل الجمع الميداني من واقع مجتمعات البحث المحلية، ومقارنته بالشواهد المثيلة في المدونات التراثية وثقافات المجتمعات الأخري، وتحليل العلاقات التي تشكل ملامح هذا الحاصل، مصنفاً حسب الموضوعات الاعتقادية. ومن واقع الممارسة الميدانية؛ فإن الطب الشعبي كما تبدي للدارس ينقسم إلي قسمين رئيسين، أولهما هو ما يصطلح عليه ب "الطب المعرفي". ويقوم علي الاستفادة من الخواص الطبيعية المتفردة التي تتمتع بها أعضاء بعض الطيور، وتكون ذات فائدة في إمداد الجسد بمواد معينة تعينه علي تجاوز المرض أو الوقاية منه أيضا، وهي أمور ترتكن إلي خبرة حياتية وتجارب متنوعة، يتداولها الناس ويتناقلون خبراتها ويؤدونها بأنفسهم. ودخل ضمن هذا القسم الوصفات التجميلية، التيتتمحور حول علاج عيوب أو تشوهات الجسد، أو تزيينه والاعتناء به، ليبدو علي أفضل نحو. والقسم الثاني هو المصطلح عليه بالطب "الاعتقادي"، ويتعلق بالممارسات السحرية، سواء العلاجية أو الوقائية، ويتضح في هذه الدراسة من خلال استخدام أعضاء الطيور كوصفات علاجية ذات طبيعة سحرية، بوصفها تتحلي بسمات خارقة. لذلك فإن هذه الممارسات يقوم بها -غالباً- أفراد متخصصون، وتؤدي بطريقة معينة وتصحبها طقوس خاصة، تردد خلالها التعاويذ والقراءات المخصوصة. نتائج الدراسة انقسمت النتائج التي توصل إليها الباحث من خلال دراسته؛ إلي قسمين أساسيين، الأول: يتعلق بسمات وطبيعة المعتقد الشعبي وما يؤديه من وظائف. والثاني يرتبط بالتغيرات المختلفة التي تؤثر في مجري الحياة، وانعكاس ذلك علي المعتقدات الشعبية عامة، والمعتقدات المرتبطة بالطير بصورة خاصة. أول ما خلص إليه الباحث من خلال دراسته؛ هو الإسهام البيّن للمعتقدات المرتبطة بالطير فيدعم البناء الاجتماعي بنصيب وافر، من خلال الإبقاء علي، أو استحداث بعض العادات والتقاليد التي تصب في هذا المجري. فالاعتقاد في الطير باتت تقتحمه عوامل كثيرة مجتمعة ومتداخلة، تعمل علي انحسار العديد من الممارسات وخفوت المظاهر المتعلقة به، والتي كانت تصب في هذا المجري، إلا أن الباحث لاحظ أن هذه المعتقدات من القوة بحيث أوجدت لنفسها متنفساً آخر، وراحت تفصح عن نفسها في مجالات أخري أنشط، أبرزها العادات والتقاليد التي تخلقت عن هذه الاعتقادات، وهي عادات ما زالت سارية بدرجة كبيرة وتتمتع بقبول ورضا اجتماعيين، وتشير بدرجة أو أخري إلي الخلفية الاعتقادية التي تولدت عنها. كما تبين للباحث أن المنظومة الاعتقادية لا تنشأ من فراغ، وإنما تمثل استجابة فكرية وروحية لمثير ما، وأن هذه المنظومة تتعاظم وتفرز تجلياتها علي المناحي كافة، كلما كان المثير نشيطاً. وبالرغم من أن توقف تداول الحكايات الخارقة عن الطير أو ندرتها، أضعف كثيراً من مفهوم الطيرة "التفاؤل والتشاؤم"، إلا أنه علي الضفة المقابلة استجدت للطير وظائف مجتمعية جديدة، عكست اهتمامات المجتمع وشواغله، وتعاظمت أدوار أخري للطير داخل مجتمعات البحث، كفلت استمرار بعض المعتقدات المحاطة به بصورة ضمنية، ربما أكثر ما نلمح تجلياتها فيه، هو الإبداعات الشعبية التي استلهمت صفات وطباع الطير في إنتاج منظومة إبداعية متنوعة، شملت الأمثال والتعابير المتداولة بكثافة، والحكايات الشعبية التي يقوم ببطولتها الطير. ومن خلال الدراسة تكشف للباحث أن ثمة تغيرات عديدة تقتحم نهر المعتقدات المرتبطة بالطيور، وتعمل-ربما -علي تحويل مجراه. بعض هذه المتغيرات رسمتها الظروف الاجتماعية، وبعضها كان وليد العوامل الاقتصادية، وثالثها كان ناتجا للتغيرات الأيكولوجية. ففي إطار التغيرات الاجتماعية؛ لاحظ أن ذيوع الأخبار وانتشارها وتداول الحكايات وتواترها عن الظواهر الغريبة، كان من العوامل المهمة علي نشر المعتقد وترسيخ تأثيراته داخل أجناب المجتمع. وفي إطار التغيرات الاقتصادية؛ لاحظ مرسيأن التوسع في استخدام المبيدات الحشرية في الزراعة، أسهم بصورة ملحوظة في اختفاء بعض الطيور من الفضاء الزراعي، وبالتالي قللت من تأثير العديد من المظاهر الاعتقادية التي ارتبطت بالطير.