في العدد الماضي نشرنا مقترح الدكتور عماد أبو غازي، وزير الثقافة الأسبق، حول تغيير سياسة النشر في وزارة الثقافة، تحدث فيه عن ضرورة وجود معايير محددة وثابتة بخصوص خطة النشر وكيفية اختيار الكتب المراد نشرها، كما ألمح إلي أهمية دعم الدولة ممثلة في وزارة الثقافة، لدور النشر الخاصة من أجل تخفيض أسعار الكتب كي تكون في متناول جميع القراء في ربوع الجمهورية، وأن يقتصر دور الوزارة علي التوسع في إنشاء المكتبات العامة لإتاحة القراءة دون مقابل مادي لمن يريد. هنا نستعرض آراء عدد من الكتاب والمثقفين والعاملين بمجال النشر حول هذه الأطروحة. الدكتور حسين حمودة يري أن المقترح الذي تقدم به الدكتور عماد أبو غازي مقترح طموح وجيد وقابل للتنفيذ والتحقق علي أرض الواقع ولكي يتم ذلك يجب أن يخضع الأمر لدراسة ويستوفي بعض الشروط وأضاف : " هذا المقترح مقترح مفصل ومهم، سواء علي مستوي الخلفية التاريخية لعملية النشر في مصر، أو علي مستوي رصد ملامح الوضع الراهن للنشر في هيئات وزارة الثقافة، أو علي مستوي رصد المشكلات التي تتعلق بسياسات النشر في هذه الوزارة. ثم إن هذا المقترح الذي قدمه دكتور عماد يتضمن أيضاً تصوراً مهماً يستحق الالتفات والمناقشة حول كيفية التعامل مع مشكلات النشر في وزارة الثقافة كذلك الأهداف التي ترتبط بخطة جديدة صاغها حول مجال الكتاب والنشر، وضمن هذه الأهداف نقاط ترتبط بسعر الكتاب، وأسواقه في البلدان العربية، وترجمته إلي اللغات المختلفة". تحدث حمودة عن مدي فاعلية المقترح وإمكانية تنفيذه وتطرق إلي عنصر الجرأة، من جانب الدكتور عماد أبو غازي، في طرحه لبعض النقاط التي تتعلق بمشكلة النشر الحكومي وأوضح : " تطرقت الخطة إلي الكثير من العناصر التي تسلط الضوء علي مشكلات ثقافية كبري تخص النشر في وزارة الثقافة، وهي عناصر لا تخلو من جرأة في تصورها وربما تحتاج إلي جرأة مماثلة علي مستوي تطبيقها. وبوجه عام أتصور أن هذا المقترح قد يكون مفيداً للغاية لتدارك جوانب كثيرة في مشكلات النشر بمصر، وأنه يمكن أن يقدم خطوطاً أساسية للمناقشة الموسعة حول إمكانية تنفيذ بنوده أو بعضها، علي أن تشارك في هذه المناقشة الأطراف الرئيسية التي يشير إليها هذا المقترح: وزارة الثقافة بهيئاتها، والناشرون بالقطاع الخاص، بعض الممثلين بهيئات النشر من بلدان عربية، بعض القائمين علي عملية الترجمة. كذلك من المهم أن يرتبط هذا المقترح بخطة عملية فيها جانب زمني، بحيث يمكن التمييز بين ما هو قابل للتنفيذ السريع من بنودها وما يحتاج إلي عمل بعيد المدي. وعلي كل حال ففي هذه الخطة ما يحتاج للتأمل والمناقشة والبحث عن الإمكانات القائمة والمحتملة لتدارك المشكلات الراهنة الخاصة بالنشر الحكومي. ومن المهم أن يكون وراء تبني هذا المقترح، كله أو بعضه، سياسة ثقافية ثابتة لا تخضع للمتغيرات، بل تحاول أن تستكمل الطرق المختلفة للتعامل مع قضية النشر بأكملها بشكل ذري دون أن تتوقف بعد هذه الخطوة أو تلك، وأن ترنو هذه السياسة الثقافية، في وقت واحد، إلي المشكلات وتعمل علي حلها، وإلي الممكنات وتعمل علي تنميتها". من جانبها قالت الكاتبة سلوي بكر، رئيس تحرير سلسلة التراث بالهيئة المصرية العامة للكتاب، أن المقترح جيد ولكن ما يعيبه شيء واحد وهو أن من يقدمه كان وزيراً للثقافة منذ فترة قريبة، ولم يفعل شيئاً مما يقترح الآن وأضافت : " كان الدكتور عماد أبو غازي وزيراً للثقافة في وقت ثورة يناير وكان الجو مناسباً تماماً لفعل أي شيء. الأجواء ممهدة ولا أحد سيعترض إذا تقدم هو وفعل شيئاً كهذا، بل علي العكس كان سيجد ترحيباً واستقبالاً جيداً من جانب الجميع ولكن ذلك لم يحدث. كنا نذهب إليه كتاباً ومثقفين وشباباً لمدة ثلاثة أشهر نقترح عليه ونتناقش معه وقدمنا له دراسات مستفيضة حول مشكلات كبري تعاني منها وزارة الثقافة، من بينها بالطبع مشكلة النشر داخل الوزارة، ولكنه لم يفعل شيئاً رغم اقترابه من دوائر صنع القرار في تلك الفترة". وعن إمكانية تنفيذ المقترح وجدوي ذلك قالت بكر : " أتساءل عما إذا كان الدكتور عماد قدم دراسة مستفيضة مدعمة بالبيانات والمعلومات والإحصائيات حول مشكلة النشر داخل وزارة الثقافة لأن الموضوع كبير وحيوي ويحتاج إلي ندوة موسعة للنقاش حول ترشيد النشر في وزارة الثقافة. أسوق مثالاً حول مشاكل النشر الحكومي بالكتاب الأول الذي تقوم فكرته علي أن تقوم الوزارة بنشر الكتاب الأول لمبدع ما تشجيعاً له كي يستمر ويبقي علي طريق الإبداع، ولكن ما هي معايير النشر لدي الكتاب الأول؟ أيضاً تقوم الهيئة العامة للكتاب وهيئة قصور الثقافة ودار الكتب بنشر كتب التراث ولا أحد يعرف ما القاسم المشترك بين الهيئات الثلاث. فيم يختلف نشر التراث في هيئة عن الأخري. يجب التنسيق بين الجهات المتباينة في وزارة الثقافة فيما يتعلق بالنشر. لا أحد يستطيع منفرداً أن يضع دراسة ويقدم حلاً وافياً لهذه المشكلة ولكن جهودنا جميعاً والنقاش العام حول الفكرة هو السبيل إلي ذلك وغير هذا يعتبر حديثاً لا طائل من ورائه ولا جدوي أو فائدة ترجي منه لأنه مشروع جيد أتفق معه في بعض النقاط ولكي يتحقق لابد له من بحث ودراسة ونقاش عبر جلسات وحلقات موسعة ومتنوعة كي نصل في نهاية الأمر إلي صيغة لتنفيذ الفكرة بشكل علمي مدروس يستفيد منه الجميع ويساعد علي حل مشكلات النشر داخل الوزارة والتي تعد من أكبر وأخطر ما يواجه الوزارة من مشكلات. " أشارت الكاتبة سلوي بكر إلي النقطة التي تحدث عنها دكتور عماد والمتعلقة بتقديم الدعم لدور النشر الخاصة والاتفاق معها حول عناوين معينة تتولي نشرها وتوزيعها " تقوم وزارة الثقافة بدور خاص جداً في مسألة النشر وهو النشر الثقيل، ونحن نجد دور النشر الخاصة لاتنشر كتب التراث مثلاً التي تشكل الدور الأساسي في النشر. كتب وزارة الثقافة تباع بسعر زهيد وأراها في متناول الجميع ولكن لا أحد يقرأ ونحن نعلم أن كتب هيئة قصور الثقافة التي تنفذ فور صدورها لا تنفذ بسبب ثقافة القاريء المصري ورغبته في المعرفة والاطلاع ولكن لأن الباعة الجائلين ينقضون علي هذه الكتب لشرائها وتخزينها ثم بيعها بأسعار عالية بعد مدة، والسبب في ذلك هو النظام التعليمي السيء الذي يقوم علي الحفظ والتلقين ولا يتيح الفرصة أمام الطلاب لتوسيع مداركهم وتنمية عقولهم وتشجيعهم علي القراءة. لا أري سبباً واحداً لأن يستمر القطاع الخاص في " حلب " القطاع العام والحكومي. إلي متي سيستمر ذلك ولماذا نقدم الدعم لدور النشر الخاصة؟ هم يفعلون ذلك لأسباب تجارية ويهتمون بالمكاسب المادية في المقام الأول لأنهم يرون ذلك مشروعاً تجارياً رائقاً اجتماعيا وله رونقه ليس إلا، أما وزارة الثقافة فلا تهدف للربح بل تتبني مشروعاً ثقافياً، رغم ما يعتري الوزارة من فساد مريع وبيروقراطية سيئة وطرق تسويق فاشلة. هناك أخطاء بالوزارة ومسألة النشر الحكومي تحتاج لترشيد وليس التقليص والقضاء عليها، كما أني أعترض جملة وتفصيلاً علي فكرة تقديم الدعم للقطاع الخاص في مسألة النشر". الكاتب والروائي إبراهيم عبد المجيد يختلف مع الكاتبة سلوي بكر، إذ يري أن الفكرة قابلة للتنفيذ، وأن تقديم الدعم لدور النشر الخاصة هو أمر يجب أن يحدث منذ فترة وأضاف: "أنا مع الفكرة ومع المقترح، ومن الضروري دعم وزارة الثقافة لدور النشر الخاصة وأن تتولي الهيئة العامة للكتاب، فقط، مسألة النشر داخل الوزارة. بدأت مسألة النشر الحكومي بشكل مبسط ثم انتشر الأمر وأصبح لدينا جهات عديدة للنشر الحكومي ومن الطبيعي أن يغضب البعض من المسئولين داخل الوزارة لأن هذا المقترح، حال تنفيذه، سوف يأتي عليهم. أري أنه حان الوقت لإلغاء وزارة الثقافة وترك الأمر للمجتمع الأهلي أو دور النشر الخاصة لتولي هذا الأمر". الناشرة كرم يوسف تري المقترح ممتازاً للغاية وقابل للتنفيذ ولكنه يحتاج لبعض الوقت وأوضحت : " إذا أردنا تغيير سياسة النشر بشكل عام فما علينا سوي اتباع ما تقدم به الدكتور عماد أبو غازي، الذي قدم استراتيجية رائعة، ولا شيء يمكن أن يعرقلها سوي البيروقراطية التي نعاني منها في وزارة الثقافة وسائر الهيئات الحكومية، كما أن المستفيدين من الفساد داخل وزارة الثقافة، وما أكثرهم، سيقفون لهذا المشروع بالمرصاد، " الشللية " المنتشرة في الوزارة لن ترضي بذلك المقترح وهي الخطر الداهم الذي يأتي علي الوزارة وكل ما فيها، ليس من المعقول أن يكون لدينا 13 جهة لنشر الكتب داخل وزارة الثقافة، والتنسيق بين الهيئات منعدم. علي سبيل المثال نحتاج في دار الكتب خان إلي بعض إصدارات المركز القومي للترجمة ولكن المركز ليس لديه سياسات لفعل ذلك بأن تكون الكتب أمانات مثلاً وهذا خطر كبير فهم لا يبيعون الكتب ولا توجد لدينا بدور النشر فما مصيرها إذاً. هناك بعض الهيئات مثل صندوق التنمية الثقافية وأحياناً المجلس الأعلي للثقافة، تقوم بنشر بعض المطبوعات الخاصة بها ولا تتمكن دور النشر من الحصول عليها وهذا لا يجب أن يحدث لأن من حق الجميع الحصول علي ما تنتجه الدولة من كتب ومجلات ومطبوعات وأن يكون في متناول الجميع، خاصة وأنها في كثير من الأحيان تكون كتباً ذات قيمة ولا تتصدي دور النشر الخاصة لنشرها. الفكرة جيدة ومن الممكن تنفيذها ولكنها تحتاج إلي إرادة قوية، تحتاج إلي تدخل الوزير لتنفيذها لأن وظيفته تحتم عليه ذلك وتعاطفه مع المشروع فقط لا يكفي ولا ينفع وإن لم يستطع التأثير والفعل فلا يجب أن يبقي في مكانه، أياً كان هو، لأن موقعه في الوزارة يتيح له الكثير ويقربه من دوائر صنع القرار وليس عليه إلا أن يؤمن ويتحرك بقوة علي أرض الواقع". من جانبه علق الدكتور سيد الوكيل، رئيس تحرير سلسلة الإبداع القصصي بالهيئة العامة للكتاب، علي المقترح قائلاً : " أنا متعاطف مع هذا المقترح، وأري فيه تغييراً جذريا وحقيقيا لسياسة النشر الحكومي بوجه عام ولكني لا أدري إن كان هذا ممكناً للتحقق علي أرض الواقع من عدمه خاصة في اللحظة الراهنة. بشكل عام أتفق مع المشروع وأقف إلي جانبه، وعلي سبيل المثال لا أري أن من واجب الدولة أن تنشراً كتباً لمبدعين شباب وأتحدث هنا عن سلسلة الكتاب الأول، هذا يختص بدور النشر الخاصة ومنظمات المجتمع الأهلي، فيمكن للمثقفين أن ينشئوا نوادي للأدب وجمعيات للثقافة والمعرفة كي تعبر عنهم بشكل أفضل ويستطيعوا من خلالها تقديم الكتاب الجدد ودعمهم وهذا دورهم، أما أن تتولي الدولة، ممثلة في وزارة الثقافة، هذا الدور فلا أري ذلك مناسباً بالمرة لأن الدولة ليس باستطاعتها فعل كل شيء. هذا يحتاج إلي جهد كبير ووقت طويل كي يتم تنفيذه، ونحن لا نزال نسير في الطريق الخطأ بالنسبة لمسألة النشر الحكومي، حوالي ستين عاماً ونحن لا نغير ولا نتغير. كما تحدث الوكيل عن فكرة تقديم الدعم لدور النشر الخاصة ووجدها فكرة مناسبة وتحدث في الكثير من الدول وليست بالفكرة المستحدثة أو الأمر الغريب وأردف : " هذا يحدث في الخارج، ولكن عندما تعيش في دولة مثل مصر، دولة مريضة بالفساد والشللية فيجب عليك أن تحسب لكل خطوة تخطوها بدقة شديدة كي يذهب الدعم إلي من يستحق. لا يجب أن تذهب الدولة لتقدم الدعم إلي كبار الإعلاميين والصحفيين والكتاب الذي لا يجدون صعوبة تذكر في مسألة النشر، هؤلاء يتعاملون بالملايين وكل السبل متاحة وميسرة أمامهم وتقديم الدعم إليهم يعتبر فساداً. يجب أن نضع شروطاً واعتبارات محددة وواضحة للدعم، فلا يمكن قبول أي عمل أدبي إلا إذا استوفي شروطاً معينة، لأن هناك دور نشر قد توافق علي أعمال دون قراءتها وتنشرها وهناك دور النشر التي من شأنها أن تقبل بنشر أعمال عدائية للدولة. يجب وضع معايير لجودة المنتج الأدبي كما يحدث في دور النشر الكبري في أوروبا ولا يقبلون بأقل منها وتكون معلنة للجميع ولا تخضع لأية عوامل أو مؤثرات خارجية".