لم أر في حياتي احتفالية أكثر دفئا ومحبة، من الاحتفالية التي أقامتها "قعدة الجمعة " في مقرها العامر بمقهي زهرة البستان، لصاحبي سعيد الكفراوي الذي تشرفت جائزة الدولة التقديرية بحصوله عليها . في قيظ يوليو في الأسبوع الماضي، تحلّق محبو سعيد الكفراوي وأصدقاؤه يحتفلون بالقيمة التي يمثلها الكفراوي، ولإنتاجه الوفير، ولمواقفه الناصعة الخالية من الرطانة. أعرف سعيد منذ عام 1969 كما أكد لي أخيرا، وبيني وبينه عدة سنوات، تتراوح بين عشر وتسع سنوات( وإن كان هو دائم الكذب ويؤكد أنه يكبرني بأربع سنوات فقط، لكن التاريخ سيحسم المسألة في نهاية الأمر!) والمهم أن صداقتنا امتدت سبعة وأربعين عاما، كان سعيد خلالها هو الأكثر حرصا ومحبة لأصدقائه ومجايليه، ثم للأجيال التالية، منحازا دائما للقيمة الأدبية، وللمواقف المستقيمة. قيل خلال الاحتفالية الكثير من جانب الحاضرين، لكن ما استوقفني بشدة هو ما قاله سعيد نفسه، معلّقا علي ما تردد حول روايته" الخالدة" بطرس الصياد، وهي الرواية المزعومة، التي ظل يحكيها لنا منذ ثلاثين عاما خلت. علّق سعيد علي الرواية قائلا إنه قرر قبل البدء في كتابتها أن يكتب عملا بالغ الأهمية ( يكسّر الدنيا)، ولأن هذا قرار أبله، وليست هناك رواية تكسّر الدنيا، لم يستطع إتمامها. ليس ضروريا أن يكتب الواحد أعمالا روائية، والرواية ليست استكمالا للوجاهة الاجتماعية، والتجربة التي يعبر عنها سعيد وجدت تحققها الفني في القصة القصيرة .يوسف إدريس مثلا ترك بصمته علي القصة القصيرة في الدنيا كلها، ومن جيلنا صديقي الكاتب الكبير مقاما محمد المخزنجي، وقبلنا بعدة سنوات هناك صديقي الكاتب الكبير مقاما أحمد الخميسي . ولكن لماذا سعيد الكفراوي تحديدا؟ لماذ يحمل له الجميع كل تلك المحبة والإعزاز؟ .تحدث كثيرون في تلك الاحتفالية من أجيال مختلفة عن حضور الكفراوي، وهو- هذا الحضور- هبة من الله، فسعيد يملك ألقا إنسانيا نادرا. من رأي كيف ينهض سعيد بمسئوليته عندما يرحل أحد أصدقائه، ويتحمل كل التفاصيل ويقوم بها بكفاءة، يعرف جيدا حجم تلك المحبة التي يحملها لأصدقائه سواء في حياتهم أو بعد رحيلهم. سعيد أيضا حكاء قوال، وليس ضروريا أن يكون ما يحكيه باعتباره أحداثا حقيقية، قد حدث بالفعل، مطلقا، فأغلب ما يحكيه تأليف في تأليف، مثل ما يحكيه عن الفارق في السن بيني وبينه! سعيد أيضا يملك ذوقا أدبيا راقيا، ولطالما اكتشف أعمالا روائية مترجمة، ولطالما تحدث معي مثلا عما أكتبه وكشف لي عما غاب عني . وأخيرا، كرر كل الحاضرين في الاحتفالية تقريبا ما يفيد أن التقديرية هي التي تشرفت بسعيد وليس العكس، وهذا صحيح تماما، لذلك لا أقول له مبروك يا سعيد فهو يستحقها منذ سنوات.