الدور الأول ليس هو البداية الحقيقية..! تمامًا كما أن الرقم (1) ليس هو البداية الصحيحة، فدائمًا هناك الرقم (0)، وقبل الدور الأول يوجد دور أرضي.. غير أن أحدًا لا يكترث به، ولا بكْ. سافرَ عم "بسيُوني" بعد أن شرح لك الصورة الخارجية للبُرجِ، وترك لك الغوص وحدك في الصورة الداخلية.. في الحُجرة وقفت ناظرًا حولك في تأفُّف! الحجرة تليق تمامًا ب"بسيوني"، لكنها غير لائقة بك.. لذا ستبذل جهدك خلال الأيام المقبلة في تغييرها، وتنظيفها، وتبديل حالها، لتناسب مظهرك، وثقافتك، ونزواتك العابرة! في الدور الأرضي ستعرف، وتتعلم أن الناس طبقات.. تمامًا كما السماء. الدور الأرضي هو أرخصها، وأحقرها، غير أن الجميع لابد لهم من المرور عليه، والانتقال من خلاله.. لذا ستحاول من رفع معنوياتك بأنَّك أهم شخص في ذلك المكان الصاعد لأعلي.. ولكثرة ترديدك تلك العبارة ستصدقها يومًا، وقد يعترف بها البعض الآخر. الدور الأول هنا أشبه بلونٍ باهت يسبق ظهور (قوس قزح).. أو كعرض لفيلم رسوم متحركة ساذج في دار السينما يتبعه االفيلمب الرئيسي.. الدور الأول ربما هو الخدعة الكبري.. حيث يعطيك الانطباع بأنَّ الحياة طبيعية، عادية، ومتواضعة.. غير أنه الطُعم الذي يجب ألا تتبعه! لأنه مجرد واجهة مُزيَّفة لعالمٍ يختبئ بالطوابق العليا. الشقة الأولي في الدور الأول مُخصصة ل(الحاجَّة).. و"الحاجَّة" هي والدة صاحب العقار، أو الذي كان يمتلكه قبل أن يؤسس مالِكُوا الشُقَقِ إتحاد مُلاك للبُرج الراقي المُسمي بال(زهرة). ال"حاجَّة" إذًا هي الخدعة الأولي..! هي جدتك بلا أدني شك، أمّك المُسِنَّة، لا تعطي أي انطباع بأنها والدة ذلك المليونير الثري.. فهي مريضة باستمرار كعامةِ الناس، مُتعبة مثلهم، ثيابها بسيطة تناسب امرأة زهدتْ الحياة. تعيش بمفردها مع خادمة عجوز ربما كانت شابة ذات يوم! رغم ثراء ابنها إلا أنها تعتز بالمعاش المتواضع الذي تتقاضاه عن المرحوم زوجها -والد المليونير- معاش بالتأكيد لا يستأهل أن تنزل كل شهر لتُحيِّيك بمودةٍ ربما هي الأصدق مِن بين كل من تراهم مُبتسمين لك علي مدارِ يومك. أول كلّ شهر تستند علي الخادمة العجوز، وربما الخادمة هي من تستند عليها! تستقل السيارة التي تقلها بدورها لمكتب البريد، حيث تقوم بصرف المعاش. تقوم لها واقفًا بمحبةٍ حقيقيةٍ، وتقول لها بكل ود: »علي مهلك يا حاجَّة».. تحاول أن تساعدها، فتأبَي، وتدعُو لكَ بالسترِ، وأنت تحلم بأن تصِير مليونيرًا مثل ولدها المليونيرْ. في الشقة المقابلة لشقة "الحاجة" يوجد شقة فارغة.. ستعرف فيما بعد أنها مُخصَّصة لشقيقة المليونير، المريضة بمرضٍ نفسيٍّ مُزمن، وخطير! ستعلم أيضًا أنها تقضي العام كلّه بالبلد، وتأتي هنا فقط في شهور الصيف الثلاثة.. هنا تكتمل الخدعة.. تُحكم الدائرة حولك، فالدور الأول إذًا دور ناقص.. بعيدًا عن الكمال الذي تتصنعه بقية الأدوار. هنا يقطن العجز، المرض، الشيخوخة، والجنون، وتلك أشياء يتناساها من يسكنون بالطوابق العليا.. ستجتهد في البحث عن قصة الشقيقة المجذوبة.. ستجعل منها مادة مثيرة لخيالك الخصب، وعلاجًا للملل الذي سيصيبك في كثير من الأحيان.. ستستمع إلي قصصٍ كثيرة، ورواياتٍ عديدة.. أصْدَقها لم يصلك بعد! ستعرف مثلاً بأنها مرضت بعد ما استولي شقيقها علي نصيبها في الميراث، ستسمع عن قصة الحب الفاشلة التي قتلتها العادات، والتقاليد.. حيث أحبَّت تلك الأخت حارس أمن بسيط، أحبته لدرجة العشق، وربما لدرجة الجنون! لكن العائلة الإقطاعية وقفت بكلِّ السُبل أمام ذلك الحُب. ستجد تلك القصة بالذات مكانًا بقلبك، وستتعاطف مع صاحبتها عندما تأتي في الصيف لتقضي إجازتها، فلا تخشاها كما حاول "بسيوني" أن يوهمك. فقط في الدور الأول ستجد بعضًا من حنان لطالما افتقدته.. حنو أُم عطوف، وبلاهة أختٍ مجنيٍّ عليها، لكن احترس من الخدعةْ! فصل من رواية تحت الطبع بعنوان (أرضي و12 دور) الحائزة علي الجائزة الأولي لنادي القصة هذا العام.