وزير المالية: الآفاق الاقتصادية لمصر أكثر استقرارًا وتحفيزًا للنمو وخلق فرص العمل    «مصر للطيران» تعلن استئناف رحلاتها إلى دبي بعد تحسن الأحوال الجوية    وزارة النقل توقع مذكرة تفاهم مع «الغانم» الكويتية لتطوير ميناء برنيس    محافظ القليوبية: حصاد 12 ألف فدان من القمح وتوريد 358 طنا إلى الصوامع    «التخطيط»: 11.6 مليار جنيه استثمارات 478 مشروعًا تنمويًا بأسيوط خلال 2023-2024    وزارة الهجرة تشارك في فعاليات النسخة الثالثة للمنتدى والمعرض الدولي للتعليم الفني التكنولوجي والتعليم المزدوج والتدريب المهني إديوتك إيجيبت    صحة غزة: أكثر من 730 ألف مواطن في الشمال بلا خدمات صحية حقيقية    خبير دولي عن زيارة ملك البحرين للقاهرة: دلالة على التخطيط لعمل عربي مشترك    «القاهرة الإخبارية»: الاحتلال الإسرائيلي دمر كل مقومات الحياة في خان يونس    «القاهرة الإخبارية»: زيلينسكي يعلن نفاد مخزون أوكرانيا من صواريخ الدفاع الجوي    حسين الشحات يغيب عن أولى جلسات محاكمته بالتعدي على محمد الشيبي    برشلونة الأشهر.. 3 نماذج خيالية ل «الريمونتادا» تبشر ليفربول قبل موقعة أتلانتا    أحمد سليمان يورط الزمالك فى صفقات فاشلة    ريال مدريد يقترب من فقدان نجمه أمام برشلونة في الكلاسيكو    «التعليم» توجّه بحصر أسماء طلاب المنازل الراسبين في الثانوية العامة 2023    ضبط 12 طن جبنة بيضاء مجهولة المصدر و مخبزين تصرفا فى 427 شيكارة دقيق بلدي بالبحيرة    حبس عامل شرع بقتل عاطل خلال مشاجرة في بولاق الدكرور    تحريات مكثفة لكشف ملابسات العثور على جثة شخص قرب محطة سكة حديد الجيزة    كل ما تريد معرفته عن مميزات وأماكن تركيب الملصق الإلكتروني للسيارات    القصة الكاملة لمصرع صاحب شركة سياحة إثر تعطل الأسانسير في الهرم    خصم 30% على إصدارات «دار الكتب» بمناسبة اليوم العالمي للتراث    بعد نجاح تجربتها مع عمرو دياب.. هل تتجه منة عدلي القيعي للغناء؟    عمر كمال يرد على ضجة سيارته:"كنت بنزل تحت رجل الست ألبسها الشوز"    مجلس الوزراء يوافق على تنفيذ مشروع تطوير مستشفى قصر العيني الجديد    الأحد.. كشف مجانى بالعيادات الخارجية بطب أسنان جامعة المنوفية    صحة المنيا توقع الكشف الطبي على 1632 حالة بالمجان    تأجيل محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب ممدوح عباس    محامي حسين الشحات يطالب باستدعاء رئيس اتحاد الكرة ولاعبين بالأهلي في اتهامه بالتعدي على محمد الشيبي    طفن إعادة التدوير.. ورشة لقصور الثقافة بمركز رعاية ذوي الهمم بالزيتون    ردد الآن.. دعاء الشفاء لنفسي    دعاء العواصف.. ردده وخذ الأجر والثواب    25 أبريل.. انطلاق دورة إعداد المدربين TOT بجامعة بنها    مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون: «لا نتوقع ضرب إيران قبل عيد الفصح»    الأحد.. النواب يعقد ثانى جلساته بالعاصمة الإدارية    عالم هولندي يثير الرعب مجددا، تحذير من زلزال مدمر خلال أيام    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وتسليم الوحدات السكنية بمبادرة «سكن لكل المصريين»    وزير التعليم العالي يبحث تعزيز التعاون مع منظمة "الألكسو"    "كنترول إس"، مشروع تخرج لطلاب إعلام حلوان يستهدف الحفاظ على الممتلكات العامة    بلدية النصيرات: غزة تحوّلت إلى منطقة منكوبة جراء حرب الإبادة الإسرائيلية    الرعاية الصحية: 10 مستشفيات جديدة ومجمع الفيروز الطبي يدخلون الخدمة 30 يونيو المقبل    بالتواريخ| عدد إجازات الموظفين في عيد العمال وشم النسيم    فيلم «عالماشي» يحقق إيرادات ضعيفة في شباك التذاكر.. كم بلغت؟    هولندا تعرض على الاتحاد الأوروبي شراء "باتريوت" لمنحها إلى أوكرانيا    التموين تزف بشرى سارة عن أسعار السندويتشات في المحلات بسبب الرغيف السياحي    «الرقابة الصحية»: وضع ضوابط ومعايير وطنية لتدعيم أخلاقيات البحوث الطبية    مهيب عبد الهادي يكشف مفاجأة صادمة عن كولر    «تعليم البحر الأحمر» تجري تعديل على موعد امتحانات الصف الثاني الثانوي بسبب احتفالات عيد السعف    السفارة الأمريكية تنظم فعاليات لدعم التدفق السياحي إلى الأقصر    «كن فرحًا».. مؤتمر لدعم وتأهيل ذوي الهمم بالأقصر    علي جمعة: الرحمة حقيقة الدين ووصف الله بها سيدنا محمد    «تموين بني سويف»: حملات مستمرة لمتابعة إنتاج رغيف خبز يليق بالمواطنين    شاب يتحول من الإدمان لحفظ القرآن الكريم.. تفاصيل    مدير أعمال شيرين سيف النصر: كانت عايزة تشارك في عمل ل محمد سامي ( فيديو)    ما حكم نسيان إخراج زكاة الفطر؟.. دار الإفتاء توضح    الصين قادمة    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الخميس 18/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    لقد تشاجرت معه.. ميدو يحذر النادي الأهلي من رئيس مازيمبي    حسام عاشور: حزين من كولر بعد القمة.. وقررت دخول مجال التدريب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهدي الحسيني‮..‬ ‮ ‬وحرب ضروس مع القبح والفساد‮ ‬
نشر في أخبار الحوادث يوم 23 - 07 - 2016

هكذا‮ ‬يسقط الشرفاء والنبلاء في معركة ليست متكافئة علي الإطلاق،‮ ‬قلم‮ ‬يكاد أن‮ ‬يكون وحيدا،‮ ‬في ظلّ‮ ‬استسلام كتّاب كثيرين لحالة التجريف المستمر للإبداع والفنون بشكل عام،‮ ‬وفي ظل إحباطات متعددة لنقاد وفنانين وشعراء أمام الهجمات الغرائبية للثقافة المصرية تحت دعاوي شبه مزيفة،‮ ‬لذلك كان قلم الناقد المسرحي والفنان مهدي الحسيني ضرورة حتمية لكشف ومحاربة ذلك الفساد،‮ ‬والإشارة بألف طريقة إلي ذلك القبح الذي استشري،‮ ‬واستسلم له كثيرون طلبا للمال والرواج السريع والقفز علي الأسوار المصرية،‮ ‬والذهاب إلي الأسواق العربية والأجنبية التي تفتح الأبواب بشكل واسع للشهرة السريعة‮.‬
وبالتأكيد فإن الناقد الراحل كان قد اكتسب مساحة واسعة من العداء،‮ ‬لأنه لم‮ ‬يسكت طوال عمله بالنقد المسرحي علي مدي‮ ‬يقترب من خمسة عقود إلا قليلا،‮ ‬أي منذ أن خرج من المعتقل عام‮ ‬1964،‮ ‬وكان قد قضي خمس سنوات بين معتقلات أبي زعبل والواحات والمحاريق ليدفع الفاتورة التي تكبدها اليسار الشيوعي المصري في ذلك الوقت،‮ ‬لوجود شبهة معارضة لحقت بأدائه في العمل السياسي والثقافي والفكري،‮ ‬وكان مهدي واحدا من هؤلاء،‮ ‬وكان أصغر المعتقلين بشكل مطلق،‮ ‬إذ أنه اعتقل في ليلة رأس السنة عام‮ ‬1958،‮ ‬وفي مستهل عام‮ ‬1959،‮ ‬وكان قد تجاوز الثامنة عشرة عاما بشهور قليلة،‮ ‬وكان مازال‮ ‬يدرس المسرح في المعهد العالي للفنون المسرحية‮.‬
تفتحت طفولة مهدي الحسيني علي مشاهد فنية وثقافية عارمة،‮ ‬بين المنيا التي نشأ فيها،‮ ‬وكان أولي مشاهداته فن الأراجوز،‮ ‬ذلك الأراجوز اللئيم والذي‮ ‬يتحايل طوال الوقت علي المعايش،‮ ‬ويقاوم المستبدين الصغار والكبار،‮ ‬ويكتب مهدي عن مرحلته الأولي في المنيا قائلا‮ :"‬في المنيا كان منزلنا‮ ‬يقع بين عالمين،‮ ‬عالم الحرفيين والتجار،‮ ‬وعالم الباشوات والبكوات وكبار الموظفين،‮ ‬بل كان بلكوننا‮ ‬يطل علي الأول،‮ ‬وشباكنا‮ ‬يطلّ‮ ‬علي الثاني،‮ ‬ومن الشباك شاهدت الشارع ومواكب فرقة موسيقي المطافي،‮ ‬وفرقة موسيقي المديرية،‮ ‬وفرقة موسيقي الملجأ،‮ ‬وهي تتبع كنيسة القباط وتضم صبية من كل الأديان‮".‬
وفي الحارة قادته رشيدة الخرساء إلي صندوق الدنيا،‮ ‬وتعرّف علي شيخ الجامع،‮ ‬الذي قاده إلي المئذنة لينصت إلي صوته البديع بكلمات تركت فيه أثرا لم‮ ‬ينمح من ذاكرته،‮ ‬تلك الكلمات التي كان تقول‮ :"‬ياصبوح الوجه،‮ ‬ياكحيل العين،‮ ‬يارسول الله‮"‬،‮ ‬ورغم أن تلك الكلمات تم حذفها فيما بعد من الأذانات الدخيلة علي المصريين،‮ ‬إلا أنها فعلت بروح مهدي السحر الغامض الذي لم‮ ‬يفارقه طيلة حياته،‮ ‬وأفسحت مساحة للجمال ترعي في روحه،‮ ‬وأرشدته إلي نداهة الفنون،‮ ‬فانجذب إلي الأراجوز المشاكس،‮ ‬وكذلك عرف في المنيا معني‮ "‬العيد‮"‬،‮ ‬وجدلية المسيحي والمسلم في عيد‮ "‬شم النسيم‮"‬،‮ ‬حيث موسم الخس والملانة وكل مايتناوله المصريون في تلك المناسبة العظيمة التي لا تعرف ذلك التعصب الذي اجتاح البلاد فيما بعد‮.‬
بعد ذلك انتقل مهدي إلي الأقصر ليلتقي مرة أخري مع الأراجوز في مدينة طيبة،‮ ‬حيث كان المدرسون‮ ‬يقيمون حفلات للوزارة،‮ ‬يحضرها المسئولون،‮ ‬وشاهد ذلك البطل‮ "‬الأراجوز‮" ‬يدافع عن نفسه أمام بطش الشاويش‮ "‬التلم"الذي لا‮ ‬يكف عن ابتزاز الأراجوز وأسرته الصغيرة،‮ ‬كذلك تاجر القطن الذي‮ ‬يغري زوجة الأراجوز بمحفظته السمينة ويراودها عن نفسها،‮ ‬وثالثهم الخواجة الذي‮ ‬يريد أن‮ ‬يأخذ كل شئ منه،‮ ‬ولكن الأراجوز ذلك المخلوق الصغير،‮ ‬يتغلب علي كل هؤلاء بعصاه الغليظة،‮ ‬وبعد انتهاء العرض‮ ‬يخرج لكي‮ ‬يصافح الناس‮.‬
جذب الأراجوز اهتمام الطفل الصغير مهدي،‮ ‬ولكن زكريا محيي الدين وزير الداخلية،‮ ‬يقبض علي مئات الفنانين الشعبيين وفناني الأراجوز ولاعبي السيرك بتهمة التسول،‮ ‬وأودعهم في سجن مصر،‮ ‬دون نقابة تدافع عنهم،‮ ‬أو تدفع عنهم الأذي بأي شكل من الأشكال،‮ ‬فيحزن الطفل حزنا بالغا،‮ ‬ولكن بعد أن تعلّم ذلك الطفل قيمتي التمرد والجمال والمقاومة في وقت واحد‮.‬
بعذ ذلك‮ ‬يذهب مهدي مع أسرته إلي دمنهور،‮ ‬وهناك أدمن الطفل دخول سينما البلدية،‮ ‬وسينما الأهلي،‮ ‬وكان الطفل الصغير‮ ‬يذهب إلي السينما في الفترة المسائية،‮ ‬ولكن الشقيق الأكبر مصطفي،‮ ‬نصح شقيقه الأصغر بالذهاب إلي مكتبة البلدية،‮ ‬لكي‮ ‬يقرأ بعض القصص والروايات،‮ ‬والتزم مهدي بنصيحة أخيه،‮ ‬وذهب إلي المكتبة حيث القاعة اللامعة والرصينة،‮ ‬وهناك وجد رجلا‮ ‬يجلس في وقار شديد،‮ ‬وأعطاه كتابا قصصيا قديما،‮ ‬وكان هذا هو أول كتاب قصصي‮ ‬يمسكه الطفل،‮ ‬وكان الكتاب‮ "‬حيّ‮ ‬بن‮ ‬يقظان‮"‬،‮ ‬وكان الرجل الكاتب المعروف أمين‮ ‬يوسف‮ ‬غراب‮.‬
في عام‮ ‬1951،‮ ‬وبعد انتقال الأسرة إلي القاهرة،‮ ‬دخل مهدي مدرسة السعيدية الثانوية،‮ ‬وكان أصغر طفل في المدرسة،‮ ‬وهناك شاهد الخطباء الوفديين بجناحيهما،‮ ‬والشيوعيين،‮ ‬والمنتمين إلي حزب مصر الفتاة،‮ ‬ومن هنا اقترب الصبي من عالم السياسة،‮ ‬ولكن المسرح كان عشقه الأول،‮ ‬وعندما انتهي من الثانوية،‮ ‬تقدّم إلي المعهد العالي للفنون المسرحية،‮ ‬وتكوّنت لجنة من عشرة نقاد،‮ ‬كان من بينهم الدكتور محمد مندور والدكتور محمد صقر خفاجة والناقد والمترجم دريني خشبة،‮ ‬ونجح الشاب بامتياز،‮ ‬وكان قد طلب منه د‮. ‬مندور أن‮ ‬يقوم بتلخيص إحدي مسرحيات شكسبير،‮ ‬فبرزت موهبة مهدي،‮ ‬وأبدي مندور إعجابه به‮.‬
ولكن حلم الشاب انقصف بالقبض عليه كما أسلفنا،‮ ‬وفي المعتقل تعرّف علي كوكبة من الكتّاب والفنانين مثل عبد الحكيم قاسم ومحمد حمام وألفريد فرج وحسن فؤاد وداود عزيز وسعد عبد الوهاب وفؤاد حداد ومتولي عبد اللطيف،‮ ‬وكان أحمد موسي هو الذي حقق معه،‮ ‬وقد أصبح موسي فيما بعد وزيرا للعدل وعضوا بمجلس الشعب،‮ ‬وحاول أن‮ ‬يجبر الشاب مهدي علي الاعتراف بأنه هو صاحب الكراسة التي ضبطت في أوراق علي الشوباشي،‮ ‬ولكنه أنكر،‮ ‬ولكن المحقق أجري حواراً‮ ‬إنسانيا معه،‮ ‬وتحادثا حول هواياته ودراساته وعشقه للمسرح،‮ ‬وأتي له بالتلخيص الذي كتبه أثناء تأدية اختبار المعهد،‮ ‬والذي أعطاه فيه د مندور درجة‮ ‬33‮ ‬من‮ ‬35،‮ ‬وعندما قال له المحقق‮ : ‬هل هذه ورقتك؟،‮ ‬اعترف مهدي‮ ‬_من باب الزهو_ بأنها ورقته بالفعل،‮ ‬وهنا قال له المحقق‮ :‬بأنهم عرضوا الخط المكتوب هنا علي الطبيب الشرعي،‮ ‬فأقرّ‮ ‬بأنه نفس الخط الذي كتبت به الكراسة‮ "‬الحرز‮"‬،‮ ‬وبمقتضي ذلك حكم علي مهدي الحسيني بسبع سنوات سجن،‮ ‬وبعدها خمس سنوات مراقبة،‮ ‬وهكذا‮.‬
في سجن الواحات بدأ المسجونون نشاطا مسرحيا،‮ ‬فقدم مع حسني تمام‮ ‬_المترجم_وأحمد فرج وسعيد عارف_الفنان_ مشهدا من مجنون ليلي،‮ ‬وقدم مع زملاء آخرين لوحات‮ ‬غنائية درامية عن مشاهد التعذيب التي‮ ‬يتعرض لها المساجين،‮ ‬ونشط في احتفاليات فؤاد حداد مع رفيقه متولي عبد اللطيف في إخراج الشاطر حسن وست الحسن،‮ ‬وساعد في إخراج مسرحية‮ "‬نكراسوف‮" ‬لجان بول سارتر،‮ ‬والذي قام ببطولتها المحامي نبيل الهلالي،‮ ‬ومع ازدياد النشاط المسرحي،‮ ‬دعا حسن فؤاد وصلاح حافظ وسعيد عارف من خلال مجلة حائط،‮ ‬علقت علي جدران السجن،‮ ‬وطالبوا فيها المساجين ببناء مسرح،‮ ‬وقامت حملة واسعة لبناء المسرح،‮ ‬وقام المسجونون بصناعة ألف طوبة،‮ ‬وبذل المهندس المعماري فوزي حبشي جهوده،‮ ‬ومعه الفنان المهندس محمد حمام في إنشاء ذلك المسرح،‮ ‬وفيه قامت فنون مسرحية كثيرة،‮ ‬وكان حسن فؤاد وعلي الشريف هما أنشط المساجين،‮ ‬وحدثت هناك مفارقات عديدة،‮ ‬سردها الراحل الكبير في مجموعات شهادات تليق بنشرها في كتاب،‮ ‬لتكون شاهدا علي جوانب شبه مجهولة في المعتقل‮.‬
خرج مهدي عام‮ ‬1964‮ ‬ليواجه الحياة الصعبة،‮ ‬ونجح في استكمال دراسته بالعهد،‮ ‬وراح‮ ‬يكتب لمجلات وصحف روز اليوسف والمسرح والطليعة والأخبار والجمهورية مقالات نقدية،‮ ‬وشارك في عمل فيلم عن كتاب الحملة الفرنسية‮ "‬وصف مصر‮"‬،‮ ‬وكتب سيناريو فيلم روائي آخر،‮ ‬وفي تلك الأثناء كان‮ ‬يعاني من تعطيل بعض مايكتب لآرائه الحادة والصادمة أحيانا،‮ ‬وهو في شهاداته‮ ‬يروي وقائع كثيرة عن حكايات المنع والقمع،‮ ‬لدرجة أن مجلة الطليعة اليسارية منعت نشر حوار له مع ألفريد فرج،‮ ‬والشاعر حلمي سالم منع نشر ست مقالات كان قد طلبها دفعة واحدة،‮ ‬ثم منعها في جريدة الأهالي‮ .‬
لم‮ ‬يكن هذا المنع إلا لأن مهدي الحسيني كان حادا وصادما في كثير من آرائه،‮ ‬وربما كان شديد التشاؤم والريبة في مستقبل الحركة المسرحية المصرية،‮ ‬انطلاقا من الذي حدث لها في الستينيات والسبعينيات،‮ ‬للدرجة التي جعلت إدارة مسرح الهناجر ترفض مشروعا لإخراج مسرحية لميخائيل رومان،‮ ‬تقدم به الفنان عبد العزيز مخيون،‮ ‬وتكلفته لا تتجاوز‮ ‬30‮ ‬ألف جنيه،‮ ‬وتقبل عرضا آخر كتبه الثنائي عناني سرحان،‮ ‬وتكلف العرض‮ ‬100‮ ‬ألف جنيه،‮ ‬وكذلك عرض مسرحية‮ "‬الخديوي‮" ‬للشاعر فاروق جويدة،‮ ‬الذي تكلف مليون جنيه وربع،‮ ‬بينما أعمال نعمان عاشور ويوسف إدريس ومحمود دياب وغيرهم ليست علي قائمة مسارح الدولة‮.‬
ومن هنا تعتبر المقالات التي كتبها الراحل الكبير،‮ ‬في‮ ‬غاية الأهمية لإدراك حجم وكيف التدهور المسرحي الذي وصلت إليه الحركة المسرحية في مصر،‮ ‬ولم تكن تلك المقالات مجرد صراخ حاد وفقط،‮ ‬بل كانت تنطوي علي معرفة دقيقة بأدق تفاصيل المسرح،‮ ‬لذا أناشد وزارة الثقافة بإعداد تلك المقالات والدراسات والشهادت في مجلد واحد،‮ ‬حتي‮ ‬يتعرّف المسرحيون والمثقفون عموما علي أحد شهداء المسرح المصري النبلاء،‮ ‬وكذلك تتسع وتتعمق معرفتنا بتاريخ لم‮ ‬يخض في كشفه ومقاومته إلا نقاد قلائل،‮ ‬وعلي رأسهم‮ ‬ناقد كبير ومحترم اسمه مهدي الحسيني‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.