»ونوس» والصراع الأزلي بين الخير والشر بين العدد الضخم من نجوم الصف الأول والثاني الذين يطلون علينا من خلال مسلسلات رمضان، تتألق بعض الوجوه وتتعلق بها الجماهير دون غيرها، وذلك لصدق الأداء والقدرة الهائلة علي التقمص والذوبان في تفاصيل الشخصية، وقد فرض محمد أمين وجوده وسحب الاهتمام من أبطال مسلسل جراند أوتيل وأصبحت شخصية أمين من أكثر الشخصيات التي تعلقت بها القلوب، حيث إنه خلع قلب ملايين المتابعين لحلقات جراند أوتيل، بمجرد انزلاق قدم أمين (محمد ممدوح) خوفا من أن يكون مكروهاً قد أصابه، وتبين في لحظة أن الجماهير قد تعلقت بهذا العاشق الطيب، الذي لا يتردد في التضحية لآخر مدي لإسعاد "ورد" الفتاة التي أحبها ولم تبادله الحب، هذا النموذج يذكرنا بشكل ما، بأحدب نوتردام وبعض الشخصيات الدرامية والأدبية المنبثقة منها، ولاشك أن اختيار محمد ممدوح لأداء الدور رفع من قيمته خاصة أنه استخدم كل الأدوات المتاحة للممثل من حركة الجسم وميل الرأس الدائم مع تدلي الشفة وتهدج الصوت وخاصة في لحظات الانفعال ونظرات العين التي لا تحدق أبدا فيمن يحدثها، مسلسل "جراند أوتيل "يلعب وحده في منطقة لا ينافسه فيها أحد، وتستطيع أن تدرك مواطن الإبداع التي وضعها السيناريست "تامر حبيب" في رسم الشخصيات التي تبدو أكثر حيوية وسخونة من شخصيات النسخة الأسبانية، خاصة في شخصية قسمت هانم التي تبدو مثل حد الموس ناعمة جدا، ولكنها تجرح وتذبح وابنتها المرتبكة دائما آمال وزوجها إحسان، ونازلي الابنة الرومانسية الرقيقة التي تقع في حب أحد موظفي الفندق رغم كل الاختلافات الاجتماعية التي تقف عائقاً بينهما "أمينة خليل" نموذج مختلف للفيديت الأرستقراطية تذكرنا بزمن راقية إبراهيم، بكل ما كان يمثله من شياكة في المظهر والأداء، طبعا دينا الشربيني كارثة فنية تمشي علي قدمين وتجيد تقديم الشخصية الماكرة المتآمرة التي تستفيد من كل الظروف السيئة التي تقع فيها وتنهض منها أكثر قوة وإصراراً!! أحمد داوود يكسب أرضا مع كل دور يلعبه ويؤكد مهارته في التنقل بين كل شخصية ونقيضها، سوسن بدر محترفة كعادتها وعمرويوسف مقبول في شخصية العاشق الحائر بين الحب والرغبة في الانتقام لما حدث لشقيقته ضحي، ورغم أننا نعرف من البداية من القاتل أو المتآمر ومن الضحية إلا أن الحلقات مكتوبة بعناية تجعل المشاهد لا يهدأ له بال، سواء وهو يتابع الحلقة أو وهو ينتظر الأحداث التالية، حيث إن الأمور تبدو هادئة وناعمة من علي السطح ولكن تشعر وكأن الأوتيل بمن فيه يسبحون علي بركة من البارود قابلة للانفجار في أي وقت، ديكورات الفندق فاخرة ومناسبة سواء قاعات الطعام أو سكن الخدم، أو أجنحة السادة، وهناك ربط جيد بين المشاهد الداخلية والخارجية، المخرج محمد شاكر خضير خلق أجواءًًًًً تناسب زمن الأحداث بكل مرادفاته، وسيطر علي أداء الممثلين بحيث بدا معظمهم في أفضل حالاته، إيقاع العمل لا يسير علي مهل ولايلهث، ولكنه يحفز علي الترقب والاهتمام بالتفاصيل لأنها ممتعة بلا صخب! وعلي الجانب الآخر فإن محمد رمضان الذي يلعب بطولة مسلسل الأسطورة، ويحظي بنسبة مشاهدة ضخمة بين جمهور المناطق الشعبية، قد توقفت قدرته الإبداعية علي أداء دور واحد، لم يستطع أن يفلت منه أبدا، ويبدو أنه لم يذاكر تاريخ السينما المصرية ليتعلم ممن سبقوه وكانوا نجوما في هذه المنطقة من الأداء الذي يخاطب البسطاء والأقل حظاً في القدرة علي التذوق الفني، فقد حمل الفنان الراحل فريد شوقي لقب ملك الترسو، في المرحلة الأولي من حياته، و كانت أفلامه تخاطب جمهور الدرجة الثالثة، ذلك الجمهور الذي يحب أن يشاهد نجمه المفضل وهو يضرب عشرة ويوقعهم بقبضته وينفض يده وكأنه كان يقتل ذبابا ويبتسم للشاشة وهو يحلف بحياة أمه أنه "حاينتقم" من كل من يتجرأ ويتعرض له أو لأي من أفراد عائلته، ولكن ملك الترسو كان ينتصر للحق، ويقف في وجه الأشرار، ويفوز بحب بطلة الفيلم حتي لو كانت من طبقة أرفع من الطبقة الشعبية التي ينتمي لها، وهو من غنت له صباح وهي في عز مجدها حسونة ما تحن عليه! ولكن ميزة فريد شوقي التي جعلته يستحق بعد ذلك أن يحمل لقب الملك، هي أنه من الذكاء والموهبة أن استغل شعبيته ليقدم ألواناً شتي من الأدوار، ويتنقل بين شخصية البطل الشعبي، للأدوار البوليسية والرومانسية، والكوميدية أيضاً فقد كان مغرماً بمسرح نجيب الريحاني واستهواه أن يقدم عدة مسرحيات سبق للريحاني أن قدمها، مثل 30 يوم في السجن والدلوعة، والعائلة الكريمة "لعبة الست"، ولكن علينا أن نلحظ أن جمهور الدرجة الثالثة في الخمسينيات كان أكثر انضباطاً وأقل همجية،عن جمهور الدرجة الثالثة أيام أحمد زكي مثلا الذي كان يستهويه أن يقدم بين الحين والآخر شخصية البطل الشعبي مثل الهروب مثلا، ولكنه أيضا كان يحتفظ بقيم نبيلة حتي لو حاصرته الظروف ونالت منه، وتعرض للظلم ثم تمكن من أعدائه، ومع ذلك لم ينحصر اهتمام أحمد زكي بتقديم الشخصيات الشعبية التي قد تداعب خيال نوعية من الجمهور، ولكنه ربما يكون أكثر نجوم جيله قدرة علي تقديم كل الأدوار بنفس الإجادة والحرفة، والألق، أما محمد رمضان الذي اقتحم عالم الفن وفي ذهنه أن يكون خليفة لأحمد زكي، لمجرد أنه يشابهه في لون البشرة، فهو يحترف تقديم شخصية واحدة لم يستطع أن يفلت منها، وهي شخصية البلطجي ساكن العشوائيات الذي يتحدث وفي يده سيف أو مدفع رشاش، أحيانا يتعرض للظلم ولكن طريقته في الرد تكون أكثر فجاجة وغلظة مما تعرض له، مسلسل الأسطورة يحقق نسبة مشاهدة مرتفعة بين سكان العشوائيات والأحياء الشعبية، وهذا في حد ذاته ليس عيبا فكل فئة من البشر تختار من الفنون ما يمثلها، وما يروق لها ولا يحق لأحد أن يزايد علي ما يعجب الناس، ولكن ما يحق لنا أن نذكره أن مسلسل الأسطورة علي المستوي الفني لا يقدم جديدا، وإنما هو تنويعة علي ما سبق لمحمد رمضان أن قدمه في السينما وفي التليفزيون، وأن استمراره في تقديم تلك النوعية يؤكد عدم قدرته علي تقديم غيرها، وهو ما سوف يعجل بنهايته الفنية، إذا لم يفكر كثيرا قبل أن يقدم عمله القادم!!