في الواقع، هناك مسلك أقل كفايةً في هذا الإطار يتمثل في الاستماع لما يقوله أولئك المشاركون في هذه الحركات عما قاموا به وما يتوقعونه. هنا يصبح المشهد علي الفور أقل إثارةً، مما يمكن أن يكون أحد الأسباب التي تدفع بعض المفسرين لتسليط الضوء علي الأهداف الأكثر راديكالية أو الأكثر غرابةً أو عدم تناسق. لأنه بمجرد أن ننظر للمقاصد التي يضعها المناضلون والنشطاء لمشاركتهم تلك، ولنوعية النجاح الذي يتوقعون تحقيقه، سنكتشف أنهم يقدرون نجاحهم علي مستوي ثانوي مثل : - تقدير تمكنهم من الاحتشاد علي الرغم من الجهود المبذولة من قبل السلطات الرسمية لمنعهم. - نجاحهم في إعاقة بعض التدابير المقررة من قبل السلطات العامة أو تأخير دخولها حيز التنفيذ ( مثلما حدث في مشروع مطار نوتردام ديلاند، أو البلبلة التي أُثيرت حول موقع مشروع مركز سيجيو لدفن النفايات النووية في منطقة الميز"géologique »igeo- »entre industriel de stockage، أو معارضة إقامة نفق بين مدينة ليون وتورين....). - استطاعتهم الإبقاء علي الاحتشاد بالميادين بأسلوب منظم ومبهج لأطول فترة ممكنة (مثلما كان الحال في مدريد أو مختلف الميادين والساحات التي تم احتلالها من قبل المتظاهرين علي سطح هذا الكوكب). - إنشاؤهم لمنظمات جماعية تقوم علي أساس قيم التضامن واللانفعية والاستقلال، أو تشكيل أنماط عيش بعيدة عن النزعة الإنتاجية والهيراركية (شركات أو مجتمعات بديلة) وعدم المساواة في علاقات النوع. ويري الأكثر تفاؤلاً من بين نشطاء هذه الحركات أنه يمكن النظر لهذه النجاحات الصغيرة باعتبارها خطوات علي الطريق نحو عالم يحيا فيه البشر بشكل أكثر استقلالية وتفتحاً، وتصير فيه المجتمعات أكثر ديمقراطية، لا سيما أنه أحياناً ما نجد أكثر الصراعات عدم تكافؤاً تفضي لانتصارات، ما يعضد الفكرة القائلة بأن المقاومة لا تذهب سُدي أبداً. في الوقت ذاته، يذهب نشطاء آخرون لخيار مختلف يتمثل في: التراجع للمستوي المحلي دون المطالبة أو التبشير بشيء، يحافظون علي تواجد يتفق تماماً مع التطلعات المنهاضة للنزعة الانتاجية Antiproductivistes) ) والتي تنبعث من رحم حالة معيارية بديلة. وطالما لا يقوم نظام سياسي بمنعهم أو قمعهم، فإنهم يظلون بمعزل عن النظام السياسي العالمي حيث يعتبرونه خارجاً عن نطاق اهتمامهم. نأتي لثالث العناصر المشتركة بين حركات الاحتجاج المعاصرة وهو الانشغال بالحفاظ علي الصيغة الجماعية للمطالب التي ينادون بها. فهناك شعار "إرحل" الذي صاحب شعار " الشعب يريد" وتردد في تونس ومصر وأماكن أخري بالعالم العربي، محدثاً صداً في داكار مع ظهور حركة "طفح الكيل" و شعارات "أنتم لا تمثلوننا" أو "نحن ال99٪" التي انطلقت من الميادين الأوروبية والأمريكية، أو "الشعب يريد العدالة الاجتماعية" الذي تردد في تل أبيب، أو الشعار الروسي "نحن هنا" في مواجهة عمليات التزوير واسعة النطاق التي شابت الانتخابات التشريعية في ديسمبر 2011 ( وقد استمر ترديد هذا الشعار خلال سلسلة التظاهرات التي سبقت وتلت عملية الانتخاب المخططة لفلاديمير بوتين لرئاسة روسيا في مارس 2012)، أو شعار" كلنا بطاريق" الذي استخدمه بعض النشطاء في تركيا (*كرد فعل ساخر علي قيام قناة سي ان ان تركيا ببث فيلم وثائقي عن حياة البطاريق بدلاً من تغطية تظاهرات ميدان تقسيم بإسطنبول) في ربيع 2013. تعكس هذه الشعارات رغبة مماثلة لصياغة مطلب يلتف حوله أكبر عدد ممكن من المواطنين. تأتي هذه الرغبة في الوصول إلي الإجماع مصحوبة بضرورتان هما: إظهار الحقيقة القائلة بقيام هذه الحركات خارج الأطر السياسية المؤسسية ( كالأحزاب والاتحادات والنقابات وخلايا التفكير Think tanks....)، واحترام ضرورة ثلاثية تتمثل في عدم وجود قائد أو برنامج أو انتماء حزبي، ما يطرح بدوره السؤال: هل يمكن حقاً القيام بعمل سياسي ناجح باتباع تلك التعليمات؟ ما نعرفه عن السياسة يجعلنا علي الفور نستشعر أن عجز التنظيم المركزي والعمومية الشديدة للقضية التي يتم التصدي لها يجعل من الصعب بمكان مباشرة عمل محدد، كما أنه يمنع من الحفاظ علي استمرارية الحركة بما يكفي لتحقيق أدني قدر من التأثير علي قرار أي حكومة. ولكن ها نحن نري مخاطبة "الشعب" أو ال"99٪" من السكان - دون فرض الالتفاف حول هدف حصري ودون الخضوع لأوامر توجه ما- يبعث برسالة يستطيع كل فرد أن يجدها معبره عن صوته. وهكذا علي سبيل المثال يمكننا أن نجد علي موقع حركة عرفت نفسها كحركة عالمية، رسالة كهذه : "احتلوا وول ستريت هي حركة مقاومة بلا قائد تجمع أناس من مختلف الألوان والأنواع والآراء السياسية. الشيء الوحيد المشترك بيننا هو أننا ال99٪ الذين لا يقبلون أبداً جشع وفساد ال1٪. نعمل علي استخدام التكتيك الثوري للربيع العربي للوصول إلي غاياتنا ونفضل اللجوء إلي اللاعنف لضمان أقصي درجات الأمان لكل المشاركين. الثورة العالمية هي الحل الوحيد." بمراقبة المشهد، يتبين كما سنري لاحقاً - أن كل من أخذوا بزمام المبادرة ودعوا لهذه الاحتشادات التي تحولت إلي احتلال للميادين، لم يكونوا جميعهم من المُستَجَدين حديثي العهد بذلك الأمر. فالعديد من المشاركين في هذه الحركات كانوا في الأساس نشطاء ومعارضين ذوي باع في النضال من أجل العدالة الاجتماعية، أو الدفاع عن المهاجرين غير الشرعيين وحقوق المهاجرين، أو مكافحة النشاط النووي أو السياسات النيوليبرالية وعمليات التعديل الوراثي (OGM)والنزعة الاستهلاكية. منهم أيضاً من ينتمي لعالم الاتحادات والنقابات، ومنهم المتمرسون في إنعاش وقيادة الجماعات أو الأحياء والمناطق. وبشكل عام، نجد أن كل هذه الحركات قد جمعت عن طريق الحظ وأحياناً بتنسيق ضعيف فيما بينها، سلسلة من النشطاء، والمتعاطفين والمواطنين المطلعين والشباب العاطل والمتطفلين وأحياناً اللصوص والمجرمين، اجتذبتهم فكرة المشاركة في تظاهرة احتجاجية ذات طابع احتفالي وغير مقيد. لا يبدو الأمر إذن ك"سديم" من المحتجين أو كائتلاف من النشطاء تحالفوا معاً طواعيةً لمواجهة السلطات القائمة. لا يعدو الأمر أكثر من اجتماع أفراد معزولين حريصين علي المحافظة علي استقلالهم وموحدين وجهتم بطريقة عفوية صوب مكان التقاء تم الإعلان عنه عبر إحدي شبكات التواصل الإجتماعي. نجد أنفسنا بالأحري أمام مجموعة من الظروف يصير فيها تتابع الأحداث غير المتوقع وخاصة طبيعة رد الفعل الذي ستتخذه السلطات لاحتواء أو توجيه أو منع الحركة هو المُشَكِل للمصير. لكن في كل مكان، نري النشطاء "الحقيقيين" الذين انضموا للاحتجاج وغذوه بخبرتهم في تنظيم الحشود، فعلوا ذلك وقد قبلوا بإخفاء انتمائهم لحزب أو نقابة، وامتنعوا طواعيةً عن القيام بأدني محاولة للتلاعب، وانصهروا في جمهور العامة الذين احتشدوا للتعبير عن استيائهم أو رفضهم. كان الطابع "اللاحزبي" للاحتجاج محفوظاً في كل مكان، وكل النشطاء الذين حاولوا الخروج عنه تم إقصائهم أو التبرأ منهم، وهو ما حدث مع المنظمات التي حاولت استغلال هذه الحركات كأداة لخدمة مصالحها. إذن، كان هناك محرك واحد كافي للانضمام لهذه الحركات الاحتجاجية التي فرضت نفسها كنموذج جديد للعمل السياسي وهو: أن يكون هناك مواطن غاضب من الأسلوب الذي يتبعه الحكام والنواب الذين يساندونهم في إدارة الشئون التي تهمه. أما العامل الرابع المشترك بين هذه الحركات، فقد تمثل في الخيار الاستراتيجي لللاعنف، ما يعني الإصرار علي الاجتناب المنظم دون النجاح دوماً في تحقيق ذلك بشكل كامل للمواجهات المباشرة مع الشرطة والشعب. يمكننا بدلاً من أن نري في هذا الخيار إشارة للضعف أو للخواء السياسي لهذه الحركات، أن نزعم أنه علي العكس يعد خياراً موفقاً تماماً. في الواقع، وحيث إن المطالبة بالديمقراطية لا تكون مصحوبة بأي برنامج محدد يمكن تنفيذ نقاطه الواحدة تلو الأخري لإرضاء من أثنوا عليه، أو بمشروع انتقالي لنموذج من الحكم جاهز للتطبيق والإحلال الفوري محل نظيره القديم، يمكننا أن نفكر في أن الجانب السياسي الصميم في هذه الحركات لا يتمثل في قوة الوسائل المتبعة لإخضاع عدو محدد بوضوح، ولكن هو حزمها في الالتزام بالتأكيد علي قوة الوعد المزدوج للديمقراطية وذلك بالرغم من مقتضيات الواقع والتسويات الضرورية : هذا الوعد بإقامة شكل تنظيمي للحياة المشتركة يعضد استقلال وسيادة المواطن، ويسرع بوضع نظام سياسي يمتلك الشعب من خلاله وسائل تمكنه من ممارسة رقابة حقيقية علي قرارات حكومة من المفترض أنها انبثقت عن إرادته. باختصار، هناك حاجة لأن نطرح علي الملأ سؤالاً لا توجد له إجابة حاسمة، ولكن في لحظات معينة يبدو من الضروري لمجتمع ما أن يعكف علي التفكير فيه بشكل جماعي وهو: ما هي الديمقراطية ؟ وهل نعيش حقاً في ديمقراطية؟. الديمقراطية كأسلوب حياة مرت سنوات قليلة، دخل العالم خلالها في حلقة من الفوران السياسي لا يبدو لها إلي الآن نهاية قريبة. تجمعات واحتلال لساحات، حركات احتجاجية ضد السلطات، عصيان مدني، حشد عابر للقوميات، نشاط سيبرناطيقي، تكوين أحزاب جديدة، دعوات للتمرد : تبدو أركان كوكب الأرض الأربعة وكأنها تحف بتظاهرات تُعَبِر جميعها عن إرادة المواطنين ورغبتهم في التحكم مباشرة في قرارات وأفعال من يحكمونهم ويمثلونهم. انطلقت هذه الموجه العالمية من تحدي السلطة في يناير 2011 من تونس، قبل أن تنتقل للقاهرة وتنجح في الوصول إلي: مدريد، أثينا، نيويورك، لندن، موسكو، كيبيك، صنعاء، تل أبيب، داكار، باريس، اسطنبول، ريو دي جينيرو، كييف، كاراكاس، بانكوك وبنوم بنه. أدخلت تلك الحركات التعبوية غير المتوقعة - والمسترسلة علي ما يبدو كمعين لاينضب- فجأةً في طي النسيان ذلك الخطاب الذي ظل يؤكد علي أن العالم دخل قطعاً في حقبة عدم التسييس، كما حَوَلَت لكمٍ مُهمَل تلك التحليلات العلمية التي أرجعت عزوف الشعوب المعاصرة عن الاهتمام بالقضايا المشتركة، لصعود الفردية فيما يتعلق بالنظم الديمقراطية، وللخضوع الأبدي لفكرة المصير والأعراف فيما يتعلق بالنظم الاستبدادية. كان هذا الانبعاث لروح الاعتراض بمثابة تذكرة لخبراء السياسة بأمر يميلون لنسيانه، وهو أن المحكومين لا يتخلون أبداً عن فكرة المطالبة بالحق والحرية في متابعة كيفية قيام المسئولين بمعالجة قضايا الصالح العام، حتي وإن اتخذت تلك اليقظة أشكالاً شديدة التنوع وليست قابلة دوماً للتعبير عنها. لقد غيرت "سياسة الشارع" معطيات المشهد، فقد تبين فجأة أن المجتمعات لا تحيا فقط وفقاً للنسق الذي يرسمه لها الممسكون بالسلطة، كما أنها لا تتطور باتباع الخطوط المحددة للعقلانية الاقتصادية. لقد اكتشفنا أن المجتمعات تمتلك إيقاعها الخاص المتعلق بالتغيير الاجتماعي وارتقاء العقليات. فعبر ذلك الحراك الطويل للمجتمعات، تتشكل وراء ستار الاستقرار الظاهري للمؤسسات، مخاوف سياسية تخرج في لحظة مباغتة لتتبلور وتعبر عن نفسها خارج الأُطُر النمطية الموضوعة مسبقاً بفعل العادات والأفكار والكيانات السياسية الراسخة. في مؤلفنا السابق " لماذا العصيان في إطار الديمقراطية؟ "، قمنا بتحليل التجليات الأولي لهذه الظاهرة والتي اتخذت شكل العصيان المدني، وأعطينا لها مبرراً أخلاقياً وسياسياً. وفي هذا الإصدار، نأمل أن نصل لنتائج الاتساع الحالي لمجال ومعني العصيان عبر حركات احتجاجية أكثر أهمية وهي: الاحتشادات والاعتصامات في الميادين والتي تتداخل أصداؤها مع بعضها البعض من خلال المعلومات المتداولة عبر شبكات التواصل، أو بالاتصال المباشر بين بعض القائمين عليها. يبدو لنا أن الطريقة التي تولَد وتنتظم وتتطور بها هذه الحركات، تُنبيء بالأشكال الجديدة التي سيتخذها النشاط السياسي مستقبلاً. تخرج هذه الأشكال للحياة خطوة بخطوة في سياق هذه الأفعال الجماعية العادية وغير العادية التي ينخرط فيها المواطنون، آملين أن ينسجون مؤقتاً نظاماً للعلاقات الاجتماعية يتبع - ويجدد أيضاً- المباديء التي تشكل أساساً لفكرة الديمقراطية ذاتها، كالمساواة في الحقوق والتعبير عن الرأي، فضلاً عن المساواة في تحمل المسئولية بين الأفراد، واحترام كرامة الإنسان، وتنمية استقلالية الفرد، والدفاع عن تعددية أنماط العيش. يسعي إسهامنا الثاني إذن لاستلهام العناصر الرئيسة للتغيير الواقع تحت أعيننا عبر حركات الاحتجاج السياسي المتجاوزة للمؤسسية التي يتشكل بها حاضرنا، فضلاً عن رصد التغيير الذي تشهده أيضاً بعض التأملات والتيارات الفكرية الحديثة المصاحبة لها. نسعي لإزالة الغموض عن أسلوب الحياة الذي تخلقه أو تدعو له تلك الأفعال والذي يتخذ من الديمقراطية مبدأً وإسماً له. فذلك التَظَاهُر العام للحشود المحتجة والذي يكاد يتزامن في أكثر من موضع حول العالم، إنما يعبر عن ظاهرة يشوبها الغموض، تحفز الخيال وتثير الرغبة في التفسير. فالبعض يلجأ علي الفور لاستبعاد أي إمكانية للتفسير العام لتلك الأحداث، فيستدعي الحظ أو الصدفة البحتة أو قانون تسلسل الأحداث كمفسرات لها. والبعض الآخر يسعي للكشف عن السبب الخفي في بطون الأزمة التي سببتها "الأمولة" "Financiarisation" وعولمة الاقتصاد. وهناك مجموعة أخيرة تحيل تفسير ذلك التزامن لنوع من العدوي يقوم - متأثراً بوضع تلك المدن الواقفة علي حافة الغليان- بتحفيز الناس للنزول بدورهم إلي الشارع. يحمل كل اقتراب من هذه الاقترابات الثلاثة بلا شك جانباً من الحقيقة. فكيف لنا أن نفكر في وجود صلة بين هذه الحركات وبعضها البعض مع الأخذ في الاعتبار الاختلافات الضخمة القائمة بين السياقات التي برزت فيها، ومحتوي المطالبة التي تحملها كل حركة منها ؟ والعكس صحيح، كيف لنا ألا نلمح في ذلك التزامن بين تلك الحركات الأثر المباشر أو غير المباشر للوضع الاقتصادي العالمي؟ حقاً، يبدو من الصعوبة بمكان أن نفصل بين هذه النماذج من التعبير العام عن عدم الرضا والغضب، وبين استشراء البطالة وصرامة الطابع المصاحب لسياسات إعادة التوطين، واتساع دائرة الفقر والبؤس الاجتماعي، فضلاً عن المكوث المستمر في حالة من الشقاء، واستغلال اليد العاملة وخضوعها للسخرة، والاستعراض الواضح للثروة، وأضرار الفساد. من الصعوبة الشديدة أيضاً ألا ننظر لهذه الأحداث باعتبارها عَرَضاً من أعراض اختلال التوازنات التي استقرت في محيط العلاقات الدولية منذ عام 1945. نعلم جيداً أن الربع الأخير من القرن العشرين شهد تحولاً عميقاً للنظام العالمي من حيث التحول من إدارة اقتصاد الدولة إلي اتباع سياسات الخصخصة، وتراجع دولة الرفاهه، ونشأة الشركات الكبري متعددة الجنسيات، وتطور الرأسمالية المالية، وانهيار الاتحاد السوفيتي، وعولمة الحركة الحرة للبضائع ورؤوس الأموال، وصعود القوي الجديدة. وتستمر آثار ذلك التحول في الضغط بقوة، مسفرةً عن المزيد من التغيرات كعولمة الاقتصاد وتصاعد ظاهرة "عدم المساواة" وإنقلاب موازين العلاقة بين رأس المال والعمل، وإعادة توزيع أقطاب القوة. كيف يمكن لتلك التطورات التاريخية ألا تتسبب في بلبلة للعلاقات بين البلاد وبعضها وبين الطبقات الاجتماعية داخل كل بلد علي حده ؟ في الواقع، يمكن دون أدني تخوف إرجاع حالة عدم الاستقرار السياسي التي نشهدها حالياً، لأثر العيوب والتصدعات التي كشفت عنها فجأة بدايات القرن الحادي والعشرين. وسيري البعض تلك الحالة من عدم الاستقرار السياسي سبباً في بلوغ ذلك " الصبر الطويل للشعوب " - أو ذلك " الصمود المزعوم " للمجتمعات- مداه من جديد. في إصدارنا " لماذا التمرد في إطار الديمقراطية ؟ نؤكد أن العصيان المدني لم يشكل تهديداً للديمقراطية ولم يكن حداً من حدودها، بل ننظر لحيوية وطبيعة أي نقاش مفتوح يدور بين أعضاء مجتمع واحد وأي نقد ينمو بشكل