لايخبو اسمه طويلاً، حتي يعود ساطعاً، مستدعياً الكثير مما قصد أن ينبه إليه منذ بزغ نجمه فى نهايات النصف الأول من القرن العشرين. رحل عن دنيانا دون أن يبلغ الخمسين، لكن ما سطره خلد ذكراه، ورسخ وجوده الإبداعى حتى اليوم.. لاشك أنه كان سابقاً لعصره، قارئاً لملامح المستقبل، وإن كان يبدو ناقداً لحاضره آنذاك! إنه صاحب "1984" و "مزرعة الحيوانات" الأكثر شهرة بين ما انتجه چورچ اورويل. ملايين النسخ من الروايتين بالعديد من اللغات قرأها بشر توزعوا على كل قارات الدنيا، غير أن القاسم بين كل هؤلاء كان فهماً متفاوتاً للجوهر الذى قصده اورويل، ولعل ذلك الأمر – تحديداً – سر خلوده. انتمى اورويل إلى صنف من المبدعين لايكتفون بالتفاعل السطحى مع الواقع، لكن كانت ثمة رؤية نقدية/ استشرافية تؤطر إبداعهم، لذلك عاشوا أضعاف سنوات أعمارهم. واليوم نعيد نشر رواية "مزرعة الحيوانات" التى صدرت عن سلسلة كتاب اليوم فى نوفمبر 1978، وقام بتقديمها وعرضها مثقف بارز هو الراحل عبدالحميد الكاتب، الذى تنازعته الدبلوماسية والصحافة، لكنه انحاز دائما لدور ثقافى عبر ترجمة وعرض ما كان يثمنه اضافة متميزة للمكتبة العربية، وقد ساعده فى ذلك عمله الدبلوماسى، واحتكاكه الطويل بالعالم والتيارات التى كانت تموج فيه، خلال فترة الصراعات والتحولات الكبرى فى القرن العشرين. انطباعات عبدالحميد الكاتب شكلت مع إبداع اورويل انتاجا أقرب إلى ما تصنعه "الضفيرة" من أثر، فجاء الكتاب أقرب ما يكون إلى تعريب القصة، وليس ترجمتها، وفقا لحكم عبدالحميد الكاتب ذاته، ولعل ذلك يعيد التأكيد على أن المترجم قد يكون خائناً للنص الأصلى حين يسكب من ذاته وثقافته والمناخ الذى عاش فيه عندما يتعامل مع نص لحظة نقله من لغته إلى لغة أخرى! وإذا كان "كتاب اليوم" يقدم "مزرعة الحيوانات" فى طبعة ثانية، فإن الرواية جاوزت فى طباعاتها بلغات عدة عشرات المرات، فكانت بين الاكثر مبيعاً حتى قبل أن ينتشر هذا المصطلح بزمان. والقارىء ليس المصرى أو العربى، ولكن فى العموم لاشك أنه سوف يلحظ أوجه شبه بين لحظات من تاريخه المعاصر، وما جاء فى سطور الرواية، وربما كان ذلك سبباً أساسياً فى عظمة »مزرعة الحيوانات« والحكم الأخير للقارىء العزيز.