من الصعب أن يتصدي مراقب أو محلل لقراءة الواقع دون أن يمتلك القدرة على العودة للمقدمات والجذور التى قادت إلى تشكيل ملامح المشهد الراهن. وقد يلعب صاحب جهد فى البحث والعودة للجذور دوره دون أن يتصور خطورة هذا الدور، وبالفعل فإن شيئاً من ذلك حدث مع مؤلف كتاب »الشيعة قادمون« الذى تصدى لكشف أسرار الفكر الشيعى، والخطط الرامية إلى تشييع أهل السنة، ثم إنه تقدم خطوات جادة نحو قراءة الفروق بين فرق الشيعة، وكل من النصيرية والدروز، ومن حيث يقصد، أو لا يقصد، فإنه ساهم فى تقديم قراءة لجذور المشهد الراهن الذى تلعب فيه ايران دوراً محورياً، تستند فيه إلى حد بعيد للبعد المذهبى، والأصداء والظلال التى يلقى بها على العديد من الساحات العربية المستهدف لعب الورقة الشيعية داخلها للتأثير ليس فقط على الأوضاع فى هذه العاصمة أو تلك، وإنما فى مجمل المشهد الاقليمى، سعيا إلى تدشين ما يمكن أن يطلق عليه «الحقبة الايرانية» فى المنطقة! يغوص مؤلف الكتاب فى التاريخ البعيد والقريب.. يعرض دون تبسيط مُخل أو تعقيد مذموم لجوهر الفكر الشيعى، منذ النشأة، وعبر مراحل تطوره، وصولاً إلى التطبيقات التى ارتبطت بما اصطلح على وصفه بالثورة الإسلامية بقيادة الخمينى. وتنبع أهمية الكتاب - فى هذه اللحظة - لأن مؤلفه كشف مبكراً عن دور المذهب كورقة فى اللعبة السياسية، ومعركة النفوذ التى فيما يبدو كانت هدفاً استراتيجياً للنظام الذى ورث الامبراطوريات المتعاقبة فى إيران، وما كان الحديث عن الإسلام، عن ثورة تحمل مفاهيمه سوى غلاف رقيق يخفى وراءه اطماعاً توارثتها الأنظمة التى توالت على حكم بلاد فارس عبر قرون طويلة. .................... لم يعد بوسع أى مدافع عن إيران، وثورتها، ونظامها أن يبرر ما يحدث بطول الإقليم وعرضه، أن فكرة الهلال الشيعى مجرد خيالات أو ضلالات لا تتجاوز عقول الذين يغلبون نظرية المؤامرة. ولعل أهم ما يميز الكتاب الذى نقدم طبعته الثانية، أن ثمة اتساقاً بين المقدمات التى أشار إليها، والجذور البعيدة التى غاص ليفضحها، وبين اللحظة الراهنة، بكل حمولتها ومخاطرها، والتحديات التى تفرضها، وكأن المؤلف يعيش بيننا الآن، بينما وافته المنية بعد وقت قصير من إصدار مؤلفه، وقبل أن تتوالى المشاهد التى تشكل فى مجملها - على نحو ما - بعض ما حذر منه الكتاب عبر قراءته للتاريخ، وكشفه لأسرار الفكر الشيعى الذى امتزج بالسياسة ووقائعها وألاعيبها منذ البداية. وتبقى أهمية الكتاب - بغض النظر عن درجة الاتفاق أو الاختلاف مع ما يطرحه - ماثلة إذا كان ثمة جهد يجب أن يُبذَل فى عالمنا الإسلامى للوصول أولاً إلى حوار بين المذاهب، تطلعاً إلى إسلام بلا مذاهب، ولو طال أمد الحلم.