توقفت كثيرا عند دراسة أعدتها صحيفة "الجارديان" عن تراجع مبيعات الصحف اليومية البريطانية خلال الفترة من مارس 2014 وحتي مارس 2015 ، بمعدل نصف مليون نسخة . التراجع نفسه لا يستدعي التوقف فكل الصحف اليومية والمجلات فى العالم يتراجع توزيعها ، لكن ما أدهشني أن الجارديان والقائمين عليها احترموا الحقيقة والمعلومة ، وأخلصوا لها أكثر من إخلاصهم لصحيفتهم، فقد كشفوا أن الدراسة التي أجرتها الجارديان - لاحظ - تؤكد أن "الجارديان" سجلت أعلى نسبة هبوط بين الصحف بتراجع مبيعاتها بنسبة 9.5% !!، نشروا هذا ولم يتم تكفيرهم أو اتهامهم بالعمالة لصحف أخرى، أو عدم حفظ الجميل ل "مكان أكل عيشهم " . سألت نفسي هل زملائي بالجارديان ملائكة ؟ أم قريبين من ذلك؟ فهم يقولون الحق ولو على أنفسهم في ظل سوق شرس واقتصاد يجعل الربح هدفاً قبل أى شىء آخر.. الاجابة جاءتني سريعا .. زملائي فى الجارديان بشر عاديون ربما تكون أخلاقهم أسوأ من زملائي فى الصحف المصرية والعربية لكن الفارق الوحيد أن هناك مجتمع قوي يحترم الإنسان وحقه فى المعرفة ، ويجعله حقاً مقدساً كحقه فى ممارسة دين أو عقيدة ، لذلك لم يكن ممكناً أن يدلس أهل الجارديان على البريطانيين مدعين أنهم الأعلى توزيعا.. والأكثرتأثيراً .. وكل صيغ المبالغة و"الأفعل" التي لا تتوقف صحفنا وإعلامنا عن استخدامها . لو ترك المجتمع البريطاني صناع الصحف وملاك المحطات التلفزيونية لأنفسهم دون حساب أو مراقبة لذاقوا ما نذوقه من تهافت وتردي ..وكذب بالجملة والقطاعي .. ولكن في الدول التي تحترم الإنسان وتضعه في المنزلة التي تليق به كخليفة لله في أرضه لا تطغى أي قيمة على قيمة الإنسان نفسه .. ليس عندهم إعلام يتفنن فى النفخ فى النار وإشعال الحرائق، ليس عندهم إعلاميون يفهمون فى كل شىء إلا الإعلام نفسه .. ليس لديهم إعلاميون يضبطون أقلامهم وميكرفوناتهم على هوى الزعيم المفدى الذى لا ينطق عن الهوى، ليس لديهم إعلام يحتفل بعلاج السرطان والإيدز على طريقة شربة الحاج محمود الطاردة للدود .. ليس لديهم إعلام ينتزعك من إنسانيتك ويدعوك لتكون وحشاً ليس لديهم إعلام يسمي الهزيمة نصراً.. وبعد أن يصبح الكذب مستحيلاً يتواضع.. ويسمي هزيمته المذلة "نكسة " !!