هل يختلف كثيرا بين ما كتبه الشيخ عبدالرحمن الكواكبي منذ أكثر من مائة عام في كتابه الجامع المانع »طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد« عما كنا نراه- ولايزال يحدث- من حكامنا العرب والأنظمة الاستبدادية التي حكمونا بها أكثر من نصف قرن من الزمان.. لم نر خلالها سوي القهر والظلم والفساد علي كل أشكاله وألوانه؟!.. هذا الكتاب.. أو بمعني أدق الكتيب- لأن عدد صفحاته تتجاوز المائة بسبع صفحات.. لم يكن مجرد كتاب قام بتأليفه الشيخ الكواكبي- لكي يرصد من خلاله سنوات الاستبداد العثماني- قبل ان تسقط خلافة العثمانيين- وعانت منه بلده سوريا ودفع الرجل حياته- ثمنا- في مصر بوجبة سامة تم دسها له في طعامه.. أقول لم يكن كتابا عاديا بقدر ما كان منهجا وفلسفة كاملة- شخص- فيه شيخنا ومفكرنا العربي الكواكبي- داء الأمم- الوحيد- وهو حب السلطة والاستئثار بها- وهو في تشخيصه لهذا الداء لم يتركنا الرجل اسري لهذا المرض اللعين وانما وضع الدواء الذي يحمي الأمم والحكومات من السقوط الي الهاوية! وكأن الشيخ الكواكبي يقرأ الغيب ويستشرف المستقبل.. وان الأنظمة العربية ستعيش من بعده أكثر من مائة عام من الاستبداد والظلم.. حتي اننا اصبحنا لانري فرقا بين هذه الأنظمة الاستبدادية وما كان يحدث مع المسلمين الأوائل في صدر الإسلام من تعذيب وبطش وقتل علي ايدي كفار قريش وإلا بماذا نسمي ما يفعله حاكم ليبيا المجنون وحاكم سوريا المتهور وحاكم اليمن الهارب في شعوبهم من تنكيل وبطش وقتل؟! لم يكتف الشيخ عبدالرحمن الكواكبي- مجدد هذا الزمان- بتعريف واحد للاستبداد من الناحية اللغوية فقط وانما- وكما يقول في مقدمة كتابه الجامع الشامل- تعمد تعريف الاستبداد بأسلوب ذكر المرادفات والمقابلات- حتي يعرف القاريء والدارس مدلول هذه الكلمة ومعناها جيدا. يقول الكواكبي: الاستبداد لغة هو استئثار المرء علي رأي نفسه فيما ينبغي الاستشارة فيه.. وفي اصطلاح السياسيين هو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بلا خوف أو ضمير.. وأحيانا مع كلمة استبداد نستعمل كلمات: استعباد، المتساف، تسلط، تحكم.. وفي مقابلتها كلمات: شرع مصون، حقوق محترمة، حس مشترك، وحياةج طبيعية. ويحدد الشيخ الكواكبي- وصفا- كلمة الاستبداد بانها صنعة للحكومة المطلقة العنان التي تتصرف في شئون الرعية- كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محققين. وبكلمات موجزة -لكنها تحمل كل المعاني- يغوص الشيخ الكواكبي في نفس المستبد- فيصفها بعد ان يشرحها.. قائلا: ».. المستبد انسان.. والإنسان أكثر ما يألف الغنم والكلاب.. فالمستبد يود ان تكون رعيته كالغنم سمعا وطاعة.. وكالكلاب تذللا وتملقا.. وعلي الرعية ان تكون كالخيل ان خدمت.. خدمت وان ضربت شرست.. بل عليها ان تعرف مقامها.. هل خلقت خادمة للمستبد.. ام هي جاءت به ليخدمها فاستخدمها.. الرعية العاقلة هي التي تقيد وحش الاستبداد بزمام تستميت دون بقائه في يدها لتأمن من بطشة.. فان شمخ هزت به الزمام.. وان صال ربطته«! ويحذر الإمام الكواكبي في نهاية كتابه الأمم التي ارتضت لنفسها الخنوع والاستسلام.. قائلا: »بأن الله جلت حكمته قد جعل الأمم مسئولة عن اعمال من حكمته عليها وهذا حق.. فاذا لم تحسن امة سياسة نفسها اذلها الله لأمة اخري تحكمها- كما تفعل الشرائع باقامة القيم علي القاصر أو السفيه.. وهذه حكمة ومتي بلغت امة رشدها استرجعت عزها وهذا عدل.. وهكذا »ان الله لايظلم الناس شيئا.. ولكن الناس أنفسهم يظلمون«. الاعتذار عن الخطأ مفهوم... ولكن الدفاع عن هذا الخطأ رغم الاعتذار عنه.. فهذا شيء غير مفهوم! الانتخابات أولا أم الدستور.. البيضة ولا الفرخة.. لماذا نأتي الي »التافهة« ونتصدر؟!