اصبح سقوط الشهداء ظاهرة يومية تمر من امام اعيننا لتكرر الحزن الذي يملأ عيون وقلوب المصريين في مختلف محافظاتها , ولا تملك القلوب المؤمنة إلا قول يا رب , بينما تحارب السواعد اليافعة بكل قوتها لإعلاء كلمة الحق و الحفاظ علي الحرية , الحرية التي دفع كثير من شبابنا دماءهم وارواحهم لينعم بها اجيال لن يشاركوها فرحة النصر. ولكن اخر ما كتب شهداء البحث عن الحق وإعلاء كلمة ومعاني حرية ظل بيننا على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة , وسيظل يدمي القلوب ويدمع الأعين ما بقينا , شباب في عمر الزهور ورجال ينبض بالحيوية والحماس غابوا عن اهلهم واحبابهم وتركوا كلمات بسيطة وصور عادية , لم يتصور اي منهم أنها ستكون الذكرى الأخيرة التي تربطه بالحياة. انس حمدان الشهيد أنس في عمر الزهور من المنصورة كتب وصيته بيده قبل الخروج من المنزل , وكأنه يعلم باستحالة عودته للمنزل مرة أخرى , ولم يخبر أحد من افراد عائلته بما كتب , ولكنه تركها ليروها بعد مغادرته في مكان واضح. كتب أنس قائمة بديونه الصغيرة التي يذهب معظمها لوالدته , وكتب بجوارها سبب صرف النقود ايضا , فمثلا 150 جنيه لأمي نظير شراء ملابس , وخمس جنيهات كتب بجوارها اسنان , و 2 جنيه هارون و 15 جنيه حكيم , كما نوه أن هناك جهاز نقل المعلومات الصغير داخل الدرج وهو يخص صديقه محمد عبد الحميد. وختم الوصية التي كتبها قائلا: دي الفلوس اللي عليا للناس , يارب لو مرجعتش سامحني , احبك اوي يا امي ويا ابي واسامة وعبده , بحبكم كلكم مع السلامة ... احب الشهادة. تمر حامد الشهيد حامد ابو حج الذي اصيب بطلق ناري في رأسه كتب في وصيته: يا أبناء عائلتي الكرام , سامحوني جميعا ، فأنا إن قصرت معكم في الدنيا ، فلن أكون من المقصرين معكم يوم القيامة بإذن الله تعالى. فأبشروا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الشهيد يشفع في سبعين من أهله، وأسأل الله لكم الهداية والصلاح. وصيتي لكم يا أهلي بأن لا ينوح أحد في زفتي للجنة، بل وزعوا التمر وزغردوا في عرس الشهادة , وختاما أقول لكم إلى اللقاء قريبا بإذن الله في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .. الشهيد الحي حامد ابو حج. ولم يعد حامد ولم ير اي من اسرته وصيته إلا بعد استشهاده , ولم يخبر أي منهم أنه ذاهب للاعتصام او لأي ميدان ثوري فقط طلب منهم الدعاء له بالخير , فلو كان من نصيبه الشهاده سوف ينالها. نازل الميدان الشهيد الذي تم تعذيبه حتى الموت في ميدان رابعة العدوية منذ ايام اسلام رشاد , شاب صغير كان من انشط رواد موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك , وكان له عدد كبير من المتابعين برغم أنه ليس ناشطا سياسيا ولا حقوقيا , بل شاب عادي يحب بلاده ويتمنى لها الخير والسلام. اخر ما قام اسلام بكتابته غلى صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك هو بيان يحمل عنوان انا نازل , وهو بيان يدعو لإعلاء كلمة الحق ويضخ الحماس في العروق للخروج من اي ازمة تمر بها البلاد , وهو بمثابة إعلان قرر بعده إسلام في هدوء مشاركته فقام بتلبية نداء الوطن ونزل ليلقى حتفه ويلقى ربه , ويظل البيان على صفحته إلى أن يشاء الله. صورة وحداد ابو بكر ياقوت هو من تنبا باستشهاده قبل مغادرته منزله بساعات , حيث قام بوضع صورته عبر حسابه الشخصي يعلوها الشريط الاسود دليل الحداد على شخص توفاه الله عز وجل , وثار عليه اصدقاءه وطالبوه بازالة هذه الصورة فورا لأنها فال سئ. رفض ابو بكر تعليقات اصدقائه ومازحهم كثيرا وقال لهم إن عدت سالما هذه المرة سوف اتخلص من الصورة التي اثارت غضبكم , ولكن وصيتي إن لم أعد اليكم وظلت الصورة في مكانها أن يتوجه كل منكم بالدعاء لي بالرحمة والمغفرة. وبرغم استمرار اصدقائه في ابداء انزعاجهم من الصورة إلا أنه اغلق جهاز الكمبيوتر خاصته وانصرف للخارج , ولم يعد ابو بكر وظلت الصورة كما تنبأ هو , و كل اصدقائه في حالة صدمة شديدة لا يملكون سوى الدعاء له بالرحمة والمغفرة كما طلب منهم. أدعية ابو شقرة النقيب الراحل محمد ابو شقرة الذي يعتبر استشهاده شرارة انطلاق ثورة 30 يونية , ظهرت صفحته الخاصة بها العديد من صوره الشخصية و والغريب أنه يضحك ويبتسم فيها كلها حتى تلك الصور التي تم التقاطها له اثناء التدريبات الشاقة , فهو دائم الابتسام يداعب الجميع بلا استثناء. اخر ما قام ابو شقرة بنشره على صفحته الشخصية كان مجموعة من الادعية القرأنية للتخلص من الفقر والجهل وابتعاد الشياطين , مجموعة كبيرة فيها إفادة عظيمة لكل من يقرأها , ولم يتوقع اي من اصدقائه على نفس الصفحة أن تكون هذه الادعية اخر ما يتم نشره حيث ردد الكثيرين منهم بعض الادعية , بل وعوا له بالبركة وان تكون في ميزان حسناته , ونسأل الله ان تكون في ميزان حسناته. نجل السباعي النقيب الشهيد شريف السباعي الذي استشهد منذ ايام ,و كانت وفاته صدمة حقيقية للمحيطين به , خاصة أنه كان معروف بالجرأة الشديدة والقلب الميت , كما أنه كان من اكفأ الضباط في موقعه , وشهد بذلك المحيطين به من زملاء وقادة. اخر ما قام شريف السباعي بنشره عبر صفحته الشخصية صورة لابنه طفل صغير لا يتعد الخمس سنوات عمره , واوصى به كل من يحبوه خيرا , وقال أن الغد غير مضمون , ولأنه كان مشتركا ببرنامج يضع الايات القرأنية وتفسيرها بشكل يومي اليا , فمنذ اصابته وحتى وفاته رحمة الله عليه , وهذه الايات تنشر وحدها عبر صفحته الشخصية , لتذكر كل اصدقائه بالدعاء له بالرحمة والمغفرة. اوصيكم خيرا بأمي الشهيد مصطفى جلال عمران 25 عاما وهو من منطقة سيدي بشر بمحافظة الاسكندرية , توفي بسبب رصاصة مباشرة بالمخ أدت إلى وفاته سريعا في اشتباكات القائد ابراهيم , وهو يشارك في كل الاشتباكات والمسيرات والاعتصامات منذ ثورة يناير وحتى وفاته. اخر كلمات مصطفى كانت اوصيكم خيرا بامي , واقول هذا الكلام لاصدقائي الرجالة الجدعان ابناء اسكندرية , فاعتنوا بها ربما لا اعود لافعل ذلك. وكأنه كان يكتب سطور النهاية حيث وضع كلماته وقابل وجه كريم بعدها بساعات قليلة , و تعاني والدته من امراض عديدة ولكن المها من هذه الامراض يشكل لا شئ مقارنة باوجاعها والامها بعد فقدان مصطفى ,و الذي اوصى بها خيرا. شهيد الفن عيسى يطلقون عليه فنان الثورة لأنه عضو في رابطة فناني الثورة , وهو الذي استشهد في احداث المنصة وقيل عنه عبر صفحات أنه بلطجي , وهو ما اثار غضب رابطة فنانيالثورة وانطلقوا يحاورون الصحافة والإعلام لإثبات أن عيسى كان فنان الثورة ولم يكن يوما بلطجيا. اخر ما كتب عيسى داعيا ربه قال: يا رب اجعلني كلمة ... اجعلني رسمة ... تخفف الام اسر الشهداء , ولم يكن يدري أنه سينضم إليهم في جنة الخلد , وتصبح اعماله ورسوماته ذكرى لأسرته التي انضمت لأسر الشهداء برحيله عنها. وكتبت عديد من الجرائد و المواقع الالكترونية عن عيسى الذي كان صاحب رسالة , ولم يكن يوما بلطجيا او يحمل سلاح من اي نوع و بل كان يناضل بفنه ويحارب برسوماته المعبرة , واقسم اصدقاؤه أنهم سيكملون المشوار و سيصطحبون اعمال عيسى في اي مكان , تخليدا لذكراه. حقيقة الأمر أن صفحات الجريدة بالكامل لن تتسع لحصر اخر كلمات شهدائنا , ولكننا ندعو لهم جميعا بالرحمة من الله , و أن يكون مثواهم جنة الخلد ان شاء الله.