لم تقتصر صدمة امتحان اللغة العربية للمرحلة الثانية من الثانوية العامة علي الطلاب فقط وإنما امتدت إلي المعلمين أيضا حيث رأي بعض المعلمين ان الامتحان لم يستهدف قياس قدرات الطالب في تحصيل المادة وإنما تعمد تعجيزهم وإفشالهم واضاعة أحلامهم في الالتحاق بالكليات التي يحلمون بها. وقال اثنان من المعلمين إنه مما يدعو للدهشة أن واضع الامتحان أخطأ في الاملاء مرتين في ورقة الأسئلة واستعرض عضلاته علي طلاب قدموا قصاري جهدهم في استيعاب المنهج وتحصيله بأسئلة لا يستطيع بعض المعلمين الإجابة عليها وطالبا بإعادة توزيع درجات الأسئلة المفخخة علي باقي الأسئلة وقد لمست »الأخبار» من خلال اتصالات العديد من الطلاب وأولياء الأمور القلق الزائد علي ما يمكن تحقيقه من درجات في اللغة العربية مما دفعنا لنشر نموذج الإجابة الرسمي حتي يتسني لكل طالب تقدير درجاته ووضع حد للقلق الذي ينتابه وأسرته. امتحان مميز قال الباحث التربوي أشرف معروف: طالعت امتحان مادة اللغة العربية للثانوية العامة والحق يقال ان الامتحان مميز يختبر تميز الطالب ودقة معلوماته في اللغة العربية نحوا وشعرا ومفردات فكلها جاءت علي مستوي عال من الدقة وهذا شيء حسن يعيد للغة العربية جلالها واهتمام الطلاب بها فقد عانت من الاهمال لسنين طويلة ولكن هناك بعض المآخذ والتي يجب أن تؤخذ في الاعتبار حتي لا يظلم أبناؤنا. أولا: خطأ املائي وقع فيه واضح الامتحان وهو كلمة: نصبو الواو فيها ليست للجماعة وإنما هي واو أصلية في الفعل، فلماذا تم وضع الألف الفارقة لها؟ مكتوبة: نصبوا وهذا خطأ بين لا أعرف كيف مر علي واضع الامتحان وعلي اللجنة التي وضعت تقريرها انه خال من الأخطاء المطبعية. ثانيا يقول: «فذلكم السبيل الحق» ويطلب اعراب كلمة السبيل وقد أراد اعراب كلمة السبيل خبر لاسم الاشارة وهذا توجيه حسن ولكن ما المانع من أن تعرب بدلا من اسم اشارة ويكون الحق هو الخبر خصوصا انه لم يأت بما يعرف نحويا بضمير الفصل وهو الضمير الذي يأتي للفصل بين التابع والخبر كما في حالتنا تلك فنجده كثيرا في القرآن الكريم كما في قوله تعالي: «وأولئك هم المفلحون» وقوله: «فأولئك هم الظالمون» وقوله: «فأولئك هم الخاسرون» وهو موجود بكثرة في الأسلوب القرآني مما جعل النحاة يفردون له بابا مستقلا، فمادام واضع الامتحان لم يضع ضميرا للفصل فلا أري غضاضة من اعرابه بدلا والخبر هو كلمة الحق وكأنك قلت فذلكم الطريق هو الحق والسياق يسمح بذلك تماما، ويصح اعرابها خبرا علي اعتبار انك تقصد فذلكم هو الطريق الحق فالاعرابان صحيحان تماما ولا توجد قرينة تمنع أحدهما وانظر في اعراب القرآن في قوله تعالي: «ذلك اليوم الحق» سورة «النبأ» اليوم بدل ويجوز اعرابها خبرا (اعراب القرآن الكريم لمحيي الدين الدرويش المجلد الثامن ص 302) فنرجو احتسابهما في التصحيح حتي لا يظلم أبناؤنا في شيء صحيح. ثالثا في قوله حتي تكون الثمرة التي نرجوها فهو يطلب اعراب كلمة الثمرة وأعتقد أنه يريدها فاعلا لكان التامة وهذا توجيه صحيح ولكن من الممكن أن نعتبرها خبر كان منصوب علي اعتبار ان اسم كان ضميرا مستترا يعود علي ملاحقة الحركة العلمية وكأنك تقول تكون الملاحقة العلمية الثمرة التي نرجوها والسياق يحمل التأويلين ولا توجد قرينة مانعة أو لازمة لأحد الاعرابين فنرجو احتسابهما لأبنائنا الطلاب. وأبدي نشأت محمود عبدالجليل مدرس اللغة العربية بالسعيدية الثانوية العديد من الملاحظات حول امتحان اللغة العربية للمرحلة الثانية من الثانوية العامة 3102 حيث قال: ان هناك فارقا بين التعبير الوظيفي والتعبير الابداعي يتلخص في أن التعبير الوظيفي يتناول أمورا تتصل باستخدام اللغة العربية في أمور الحياة المختلفة ككتابة التقارير واللافتات والبرقيات والدعاوي والشكاوي والاعلانات وغيرها مما يتصل بحياة الطالب اليومية أما أن يأتي موضوع التعبير الوظيفي يتناول رؤية لنظام تعليمي فهذا مجال التعبير الابداعي. وللتعبير الوظيفي ثلاث درجات لم يوضح نموذج الإجابة كيف توزع جزئياتها؟ هل تعطي لجودة الأفكار، أم لروعة الأسلوب، أم لصحة الاملاء، أم لبراعة الخط؟ أم يعطي علي كل سطر سطره الطالب نصف درجة؟ وفيما يخص التعبير الابداعي لم يحدد السؤال عدد الفقرات التي يراد من الطالب كتابتها. فهل الطالب الذي يكتب فقرة واحدة كالذي يكتسب عشر فقرات، ومن أين يدرك الطالب عدد الفقرات أو الأسطر المراد منه كتابتها ليتم تقييمه؟. ومن العجيب أيضا أن نموذج الإجابة قد خلا من ذلك، وعليه فالأمر متروك لرقة قلب المصحح إن شاء أعطي الطالب الدرجة، وإن شاء منعه إياها. ومن العجيب كذلك ان توزع درجة التعبير الابداعي غير متناسقة حيث وضع واضع الامتحان درجة للمقدمة، ودرجتين لسلامة الأسلوب وتجنب الأخطاء مع استخدام علامات الترقيم، ودرجة للخاتمة فهذه سبع درجات يضاف إليها الثلاث درجات السابقة فتلك عشرة كاملة لا ضابط حقيقيا لتوزيعها اللهم إلا حالة المقدر النفسية. وحول رواية (الأيام) للأديب طه حسين جاء السؤال الأول طالبا جمع كلمة (وجل) (بفتح العين وبدون أل) وكانت الإجابة (وجال) في حين ان القطعة وردت بها كلمتان الأولي وجلا (بالتنوين) وجمعها ما ذكر والثانية (الوجل) وجمعها أوجال. فمن أين يعرف الطالب الكلمة المقصودة؟ كما جاء سؤال يقول: امتحن الصبي في القرآن امتحانين. اذكرهما وبين أثر كل منهما عليه. بينما الذي قرأ الأيام يعلم ان الطالب امتحن ثلاثة امتحانات ولكن واضع السؤال والإجابة تجاهل امتحان أبيه الثاني والذي تلا الامتحان الأول بأيام. وفي السؤال الثاني جزئية تسأل: ما عمل الفتي قبل مجئ (ونلاحظ الخطأ الاملائي لكلمة مجئ فقد رسمها الممتحن علي الياء لا علي السطر) الليل؟ والاجابة العجيبة أنه يعمل قضايا في شئون الحب. وما موقفه تجاه هذا الأمر الذي يعمله مع رفاقه؟ (لاحظ ركاكة صياغة السؤال) والاجابة العجيبة عن هذا السؤال الركيكة صياغته هو: أما هو فليس له إرب فيه ولا سبيل إليه واني له بشيء من ذلك وهو المكفوف الذي لا يحسن شيئا حتي يعينه عليه معين وهو لا يري وجوه الحسان. هل يفترض أن يجيب الطالب هذه الإجابة العجيبة من كتاب تتجاوز صفحاته المائتين. ومن موضوع «القدس مدينة عربية إسلامية» نلحظ أول ما نلحظ الخطأ الإملائي لكلمة أنشئوا فقد رسمها الممتحن علي الألف لا علي نبرة. ورد سؤال يقول: زيفوا مضادها (حسنوا أعلنوا وضحوا ثبتوا) وكانت الإجابة ثبتوا وهي إجابة خاطئة وذلك لأن مضاد ثبتوا زعزعوا أو أضعفوا أو قوضوا أو هدموا. والأقرب للصحيح من الاختيار (وضحوا) وذلك لأن التزييف اخفاء للحقيقة كما هو واضح من القطعة (زيفوا الحقائق) ومضادها توضيح الحقائق خاصة أن السؤال يقول في ضوء فهمك معاني الكلمات في سياقها تخير الصواب. ومن موضوع «أسلوب وأسلوب»: ورد سؤال يقول: تلقائيته مضادها (تعمده توخيه تكلفه تتبعه) وكانت الإجابة تكلفه وهي إجابة خاطئة وذلك لأن معني تكلف كما جاء بالوسيط: تعرض لما لا يعنيه، وتجشم الأمر علي مشقة، وحمل الشيء علي نفسه وليس من عادته. وليس هناك معني من هذه المعاني يقابل التلقائية والأقرب للصحيح من الاختيارات (توخيه) وذلك لأن التلقائية- تأتي عفوا بدون قصد أو إرادة والسؤال كسابقه يقول في ضوء فهمك معاني الكلمات في سياقها تخير الصواب. وفي الأدب: جاء سؤال الأدب يطلب من الطلاب التعليل عن خصيتين في كل من المدرسة الواقعية والمهاجر في حين ان الطلاب مكلفون باكتشاف هذه الخصائص ومدي تحققها في شعر أصحابها للتفرقة بين المدارس المختلفة دون بيان علة ذلك فعندما أخبرك ان هذه الفتاة شقراء ليس عليك أن تسألني: لماذا هي شقراء؟ وفي البلاغة جاءت أبيات البلاغة ركيكة مبتذلة الألفاظ: تأمل قوله: (شاطئ فوق الحياة) وكلمة (صاحية) وقوله: (كأنما سقتك غيوب الله خمرا) وقوله (تنامين حتي يقضي الله أمره) ونجد السؤال قد انقسم إلي قسمين ألف وباء ثم انقسم كل منهما قسمين مرة أخري واحد واثنين ونفاجأ بأن السؤال واحد في الجزئية باء ينقسم إلي قمسين مرة أخري. لم كل هذا رغم ان الأسئلة لم تتنوع فهناك ثلاث جزئيات تسأل في نقطة واحدة وهي الألفاظ؟ ومن نص الصغيران: طلب السؤال جمعا لكلمة الوحي في ضوء فهمك معاني الكلمات في سياقها وكانت الإجابة (وُحِي) ولكن هذه الكلمة جمع لكلمة وحي إذا كانت بمعني الكتاب كما جاء في لسان العرب: والوحي: المكتوب والكتاب أيضا، وعلي ذلك جمعوا فقالوا وحي مثل حلي وحلي، قال لبيد: فمدافع الريان عري رسمها خلقا، كما ضمن الوحي سلامها أراد ما يكتب في الحجارة وينقش عليها. أما كلمة وحي في القطعة فهي بمعني الإلهام وهي مصدر وعليه فلا جمع لها. ومن نص «غربة وحنين إلي الوطن»: جاء السؤال يقول: الصبا: مضادها (الحرور القر الدبور الصر) بالله عليكم خبروني كيف يخير الطلاب بين هذه الكلمة الغريبة عليه ان كل كلمة من هذه الكلمات تحتاج إلي نص أدبي توجد فيه ثم تشرح للطالب ويسأل عن معناها. أما أن يأتي الممتحن ليطلب من الطالب أن يختار من بينها فهذا هو التعجيز بعينه. ومن نص «صخرة الملتقي»: جاء السؤال يقول: أطرق معناها: أغمض عينه ل(يستغفي ينام يستريح يفكر) ورغم ان السؤال في غاية التفاهة فالثلاثة الأولي بمعني واحد وأي طالب لم يفتح الكتاب سيختار الأخيرة إلا ان أطرق تعني أمال رأسه ولا علاقة لها بإغماض العين من بعيد أو قريب. وسؤال أخير يقول: لنا الله ما نوع هذا الأسلوب وما غرضه؟ وقد يكون أسلوب قصر أو يكون أسلوبا خبريا لفظا إنشائيا معني وبالتالي يتغير غرضه. فهذا السؤال ليس له إجابة محددة. النحو: جاء السؤال شاملا كل المنهج حيث سأل في عشرين جزئية، وهذا السؤال يستغرق في إجابته فقط دون المراجعة والتنسيق ما يقرب من عشرين دقيقة وهو ما يشكل صعوبة كبيرة علي الطلاب. (وأول ما نلاحظ الخطأ الاملائي لكلمة نصبو فقد رسمها الممتحن بألف بعد الواو). ثم يأتي الاعراب الذي وضع بعناية لتعجيز الطلاب وتخطيئهم ويبدو ذلك من الاصرار العجيب علي اعراب كلمة (السبيل) خبرا فقط رغم امكانية اعرابها بدلا كما ورد في اعراب كلمة اليوم في قوله تعالي: «ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلي ربه مأبا» ذلك مبتدأ، واليوم بدل، والحق خبر ذلك، ولك أن تجعل اليوم خبرا، والحق نعتا للخبر، فمن الفاء من كتاب اعراب القرآن وبيانه لمحيي الدين الدرويش جزء 8. ولم يقتصر الأمر علي ذلك بل رأينا الممتحن يشمر عن ساعده ويستعرض عضلاته اللغوية ليطلب منهم اسم مفعول يتشابه مع معظم الطلاب بصيغة المبالغة (مهيبة). والممنوع من الصرف الذي أشكل علي بعض المعلمين (مساع). ثم اسناد الفعل تعلو مرة لجمع المذكر وجمع المؤنث وهذا الدرس (اسناد الأفعال إلي ضمائر) غير مقرر علي أي فرقة من فرق التعليم العام وإن جاءت بعض أسئلة مشابهة في كتاب الوزارة. ثم يأتي سؤال بناء الفعل (بادأني) إلي المجهول وما يقتضيه من تغيير لضمير النصب من جهة، إلي جانب صعوبة الفعل نفسه من جهة ثانية، إلي صعوبة رسم الهمزة من جهة ثالثة وكل ذلك يعطي عليه الطالب درجة واحدة فلأي جهة تعطي؟ ويأتي مسك الختام رتب الكلمات التالية فقط حسب ورودها في المعجم الوجيز (وكأني أسأل الطالب هل تحفظ ألف باء) والكلمات هي ميناء ومادتها (وني) ومن أين للطالب أن يعرف أن فيها اعلالين بقلب الواو ياء، وقلب الياء همزة وهو الذي لم يدرس الاعلال يوما؟ ثم يأتي الكلمة الثانية وهي اضطراب ومادتها ضرب ومن أين للطالب أن يعرف ان فيها ابدالا بقلب التاء طاء وهو الذي لم يعرف الابدال في حياته الدراسية؟ وهذا يجعلني أتساءل: من المسئول عن وضع امتحان غرضه الأول تعجيز الطلاب وتضييع درجاتهم وهم الذين بذلوا كل جهدهم ليحققوا المجد لأنفسهم ولأمتهم؟ لماذا نجني علي لغتنا هذه الجناية الفظيعة حيث نخرج جيلا يكره لغة القرآن، وينفر من لغته إلي لغات أخري يراها أسلس من لغته، وأبعد عن حرورها، وصرها، وقرها.