من مدينة »القيروان» التونسية.. مدينة التاريخ.. والحق.. والخير.. والجمال.. جاء الحلم.. والأمل.. والحرية.. جاء مع شيخاً جليلاً.. عالماً.. ضريراً.. حاملاً البشري السارة.. لم يكن أحد يعرف اسمه.. أو ملامحه.. أو حتي معني حلمه بالحرية.. إنه شيخ.. يرتدي ثوبا مغايراً لثوب الشيوخ والعلماء الذين نعرفهم.. ونسمع عنهم. ونأخذ بآرائهم.. وأقوالهم.. لكنه جاء حاملا اسم ربيع.. الشرقاوي.. العربي.. ومن تلك المدينة انطلق.. ومن الميدان الفسيح بتونس «ميدان الحبيب بورقيبة» أعلن عن نفسه.. وأحرق كل شيء في طريقه بحثا عن الحرية.. وصرخ صرخة عالية.. سمعها كل من حوله من بشر.. وانضموا إليه بحثا عن تلك الكلمة.. الحرية.. لتنطلق شرارتها في جميع البلدان العربية.. الشيخ يقول والبشر تسمع.. لنري جيل قادم من بعيد.. يخفي وجهه وملامحه وصورته.. ويتحدث بلغة أخري.. وفكر آخر لم يعرفها الزمن الماضي.. وتنجح الفكرة.. وتجوب العالم العربي. وتمر سنوات الحلم بأسرع مما كان يتوقع أحد.. ويتحول الحلم إلي علم.. ولكن الحلم كان قاسياً.. مريراً.. موجعاً.. جعل كل من لا يعرف لغة الكلام.. يتكلم.. يفتي.. يقول.. يزعم أنه صاحب الحق والكلمة.. والصوت.. ليغيب الشيخ ربيع العربي.. يختفي يموت.. وتبقي كلماته الثلاث «الحلم.. والأمل.. والحرية» تبحث عن طريق في متاهة مازالت تدور بنا.. وتسرق من أحلامنا.. وأعمارنا.. وأيامنا الكثير.. لنعيش الكابوس المرير.. المليء بمرارة.. الحزن والألم.. والكآبة.. ونضع سؤالا بعرض سنوات عمرنا وأيامنا وأحلامنا وأمانينا.. لنقول بأعلي صوت: ماذا جري لنا.. وللناس.. ماذا جري للشيخ الضرير.. ربيع؟؟. ماذا جري للحق والخير والأمانة والحياة؟! ماذا جري للوفاء؟! الإخاء؟! للرقة؟! للانتماء للحقيقة؟! للصدق؟! للحرية؟! للأمل؟! آه.. الأمل؟!!!! نعم الأمل.. الذي تحول بحق إلي صورة أخري لواقعنا لحلمنا.. غاب الأمل.. وخرج أسوأ ما فينا من صفات وكلمات.. ووجوه.. وقلوب.. لا تعرف الطريق إلي العمل؟! وفقدنا في غفلتنا.. صاحب الدعوة الصادقة.. الذي يستمد قوته.. وحكمته.. وعلمه من عقول الناس.. فقدنا النموذج الأصيل الذي يريد لأمته وأهله الصراحة لا النفاق.. الصدق لا الكذب.. العطاء.. الرخاء.. الارتقاء.. التغيير إلي الأفضل.. غابت الحرية مع غياب الشيخ بحكمته.. ورؤيته.. وكلماته. فأصبحنا مجتمع يبحث عما ضاع منه.. وغاب عنه.. أصبحنا مجتمع ينافق بعضه بعضا.. نحمل لواء الإسلام ولسنا بمسلمين؟! نرتدي عبادة الدين؟! ولكنها عباءة زائفة.. مخيفة.. طاردة لكل ما هو جميل.. نشعر الآن بعواطف تطارد بعضها بعضا.. نهرب من أنفسنا.. داخل أنفسنا.. ويبقي السؤال حائراً.. تائهاً مريراً ماذا جري للناس؟! إننا نحتاج إلي مراجعة أنفسنا بأنفسنا.. نحتاج إلي الهدوء.. نحتاج إلي البساطة التي لا تعرف الصخب.. بساطة شديدة في التعبير.. لا تعتمد علي الابتذال واللف والدوران والكذب والتكرار.. تحمل نوراً جديداً.. صادقاً.. واضحاً.. صريحاً.. لنهدي القادم.. الحلم.. الأمل.. الحرية.. ونقول لأحبائنا في الوطن والدم والأرض.. في ربيعهم الحقيقي الصادق.. البرئ.. الذي يأتي دائما حزيناً.. خائفاً.. طريداً.. كل سنة ونحن معكم وبكم.. نعيش.. ونحلم.. ونعبر عن فرحتنا وأحلامنا وأيامنا.. ليعود الشيخ الضرير بصيراً.. حاملاً هلال الصدق لينير به الطريق من جديد.. ليقدمه إلي صليب المحبة.. ونعرف أن أول الحلم.. كلمة.. معني.. أمل.. حياة!!