كان عجيبا أن نقرأ عن السيد المسيح ثائرا وهو الذي كتب عنه "لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته" وكان عجيبا أن نري السيد المسيح غاضبا. بل بالسياط ضاربا. وهو الوديع الهاديء الذي قال "قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفأ" وكان أعجب من هذا أن نسمع عن الله المتجسد متشددا ثائرا. وهو الذي أبرز ما في رسالته المحبة والتسامح والسلام. وهو الذي قال "من لطمك علي خدك الأيمن. حول له الآخر أيضا" ولكنها الغيرة الآكلة.. "غيرة بيتك أكلتني" لم تكن هناك خصومة شخصية. كما لم تكن هناك نزعات أو تيارات مادية ولكن.. كانت هناك أوضاع مقلوبة. ومباديء مفقودة وكانت هناك غيرة.. فسرت في النفس غضبة أشعلت ثورة.. ثورة الحق علي الباطل.. ثورة العدل علي الظلم. ثورة النور علي الظلام.. ثورة القداسة علي الدنس. ثورة الخير علي الأثم والشرور. ثورة لابد منها.. من فرط فيها كان في حق الله مخطئا. ومن أخمدها لم يكن للحق أمينا ولا مخلصا. ثورة لا خطية فيها ولا دينوية عليها. بل لها مكافأة من عند الله لأنها في سبيل الحق والعدل الإلهي ثورة مصدرها غيرة قاسية آكلة. يلهبها قلب عامر بالإيمان الحقيقي هي ثورة ولكن فيها سلام وما أحوجنا اليوم لهذه الثورة لأن نفهم أن مهادنة الأشرار والصمت عليهم. ومحاولة التوفيق بينهم وبين الثائرين عليهم سعيا وراء سلام زائف أو كرامة مفقودة هو خطية مكروهة لأنه سلام أو استسلام يتم علي حساب المباديء والقيم الصالحة ومصالح الكنيسة أن السعي للصلح والسلام والمحبة واجب شرعي لا يختلف عليه أحد. لأنهما من ثمار الروح القدس. ولكن أن كانت الأمور لا تتعدي المسائل الشخصية أما الوقت الذي فيه يكون الخلاف من أجل المباديء والعقيدة والرموز الدينية أو من أجل صالح الكنيسة عموما "فالله يطلب منا أن نكون للثورة مشعلين. ولسوط الحبال ضافرين. ولباعة الحمام طاردين ولبيته مطهرين. لقد ثار شخص يدعي فينخاس في القديم عندما رأي رجلا إسرائيليا مع امرأة مديانية وقد انتهك حرمة خيمة الاجتماع فكانت ثورة وكانت ثورة قاسية جدا فشرع فينخاس علي الرجل وعلي شريكته وعند هذا نادي صوت الله قائلا: فينخاس رد سخطي عن بني إسرائيل لأنه غار غيرتي.. ولذلك قل ها أنا أعطيه ميثاقي. ميثاق السلام والمحبة فيكون له ولنسله من بعده إلي الأبد" عدد 25:6 وفي هذا أعلن الله القدوس رضاءه عن فينخاس ولم يحاسبه علي الدماء التي أراقها بل أعطاه ميثاق السلام والمحبة والحكمة له ولنسله من بعده جزاء عليها أن كان هناك خطر علي الكنيسة في هذه الأيام فيكون هذا الخطر هو في الدعاية للمصالحة والسلام.. هذا شيء خطير للغاية. السلام والمحبة لابد أن يكون نابعاً من القلب والضمير والفكر المقدس وما أحوجنا إلي أن نغضب ونثور بسبب ما يحدث لنا في هذه الأيام من عبث واستهتار وشرور. أمور يحمر لها الوجه خجلا ويندي لها الجبين خزيا.. أمور صعبة جدا لو استمرت بنا علي هذا الحال. ربنا يرحمنا ويعيننا والعزاء الوحيد لنا في هذا العالم قول الرب: "أبواب الجحيم لن تقوي عليها لا الكنيسة ولا علينا أيضا فلا تخف من الأمر أيها القاريء الحبيب ولا تستهن بغني الله ولطفه وإمهاله وطول أناته ومراحمه الواسعة فسيأتي اليوم الذي يصدر القضاء العادل الحكم أنا من فم الديان الذي لا يعرف محاباة ولا يأخذ بالوجوه عندما يرن الصوت المفزع للذين صموا آذانهم عن سماع أجراس من الله تكون إنذارا بخطر معين ويقول لهم أعمالكم وأفعالكم أنا عارفها" .