واذ بالمتهم في قفص الاتهام يكيد لأهل المجني عليهما وبينهم والداهما اللذان يرفعان صورتي نجليهما القتيلين ويقول ساخرا "سأخرج بنصف المدة" واذ بالوالدين يصرخان علي ضياع دم ابنهما هدرا.. وينظران لهيئة المحكمة بحسرة وهي تغادر المنصة بعدما قال رئيس الدائرة القضائية رفعت الجلسة. لم تكن المحكمة تستطيع تشديد العقوبة أكثر من ذلك فهذا هو القانون.. فرغم ان الجاني بلطجي قتل شقيقين من خيرة الشباب المتعلم فان القضية قيدت في قرار الاتهام ضرب أفضي إلي الموت وأقصي عقوبة هو ما قضت به المحكمة. قتلي المشاجرات ومعهم قتلي السيارات فيما عرف بنزيف الأسفلت أصبحت ظاهرة خطيرة والأخيرة تبدأ من الغرامة 100 جنيه وتتدرج العقوبة حتي تصل إلي الحبس 10 سنوات في حالة قتل أكثر من 3 أفراد خطأ ووجود ظرف مشدد كأن يكون المتهم مخدرا أو سكرانا مثلاً. لذك تتكرر حوادث السيارات دون رادع أو وضع حد لها وتزداد المشاجرات وقتلاها لأسباب تافهة حيث تنصب المعارك وتصوب الأسلحة لأجساد الضحايا لتحصد العشرات في دقائق معدودة.. ولا أحد يعرف ما هو الحل؟ لا أتصور المستشار يحيي رأفت رئيس محكمة الاستئناف يقول لا أتصور ان يضيع عمر إنسان مقابل 7 سنوات لابد من تشديد هذه العقوبة خاصة بعد ما كثرت المعارك وإسالة الدماء والضرب بالالات الحادة وغيرها والاستهتار الواضح بروح الانسان المصري وأصبح قتل المواطن أسهل شيء علي البلطجي.. قال لقد وصلت الجريمة حدا لم نره من قبل لدرجة جعلت صاحب ورشة دوكو يضع أصابع صبي في الماكينة لتأكلها ويسبب له عاهة مستديمة طول العمر وكان جزاؤه 10 سنوات مشدد.. لابد من تعديل تشريعي لردع أمثال هؤلاء الذين انتزعت الرحمة من قلوبهم. أضاف المستشار يحيي رأفت الأغرب في مسألة المشاجرات ان القاتل يمكن أن يقضي ببراءته رغم انه قاتل. سألته كيف؟.. أجاب عندما تكون الضربات شائعة والطب الشرعي لا يستطيع ان يحدد الضارب الحقيقي.. والمجني عليه مصاب بأكثر من طعنة فإذا كان الطب الشرعي عجز عن تحديد الجاني فكيف تحدده المحكمة فتخشي من أن نظلم بريئاً فتقضي بالبراءة لأنها لم تستطيع تحديد الضربة التي أزهقت روحه ولا الأداة المستخدمة في الحادث. سألته والشهود؟ أجاب كثيرا ما يكونون أقارب المتهم وهم مغرضون أو خائفون ويحاولون تضليل المحكمة.. قال الحل الوحيد هو تشديد العقوبة ربما يرتدع المجرمون ونحن لسنا ملزمين بالتشريع الايطالي.. وايطاليا ليست كمصر.. ربما يحد�' التشريع الجديد من عدد القضايا المعروضة علي النيابة والتي ترحلها كل يوم علي المحاكم. تشابه كبير المستشار عادل أبوالمال رئيس محكمة الاستئناف يتفق مع الرأي السابق ويضيف ان جريمة ضرب أفضي إلي الموت تتشابه إلي حد كبير مع جريمة القتل في كل شيء سواء من ناحية الأداة المستعملة في الجريمة أو الضرب في مقتل أو النتيجة قال ان محكمة النقض حددت شروط وقواعد في هذه الجريمة لتوافر نية القتل وقالت ان الأداة المستعملة وحدها لا تكفي لتوافر هذه النية.. كما ان الضرب وحده ولو كان في مقتل لا يكفي أيضاً.. ذكر ان معظم المشاجرات يتم قيدها علي أنها ضرب أفضي إلي موت ويتساءل لماذا لا يتم تشديد العقوبة علي الأقل إلي السجن المؤبد.. ذكر ان تخفيف العقوبة يشجع علي البلطجة وهذا هو سر كثرة المشاجرات.. أما نزيف الأسفلت وحوادث السيارات فيجب علي الأقل رفع الغرمات فالمائة جنيه ليست عقوبة. قتل عمد ولكن المستشار/ محمد عاصم بسيوني رئيس محكمة استئناف القاهرة يقول ليست كل المشاجرات تقيد ضرب أفضي إلي موت بل ان بعضها يقيد قتل عمد وذلك اذا كان الجاني متأكداً ان هذه الضربة في مكان قاتل يمكن ان يودي بحياته ومع ذلك يقبل النتيجة مثل توجيه الضربة بالسكين إلي القلب مثلا لكن لو ضربه في يده أو رجله فظل ينزف إلي ان مات فهو هنا لم يتعمد قتله أو تشاجرا دون أدوات فوجه أحدهما إلي الآخر ضربة بيده كانت قاتلة تكون الجريمة ضرب أفضي إلي موت.. أما تعدد الضربات واستخدام آلة قاتلة فهذه كلها رغم انها مشاجرات الا انها تقيد قتل عمد وعقوبتها الاعدام جوازا أو المؤبد.. لان الاعدام الوجوبي لابد ان يتوافر فيه سبق الاصرار والترصد.. قال ان القانون هنا يضع في اعتباره الحالة الاجتماعية أو الاقتصادية التي يمر بها المجتمع والتي لا تقف عند حد وتجعل الناس تعبر عن غضبها بهذه الانفعالات.. ذكر ان القانون مثلا يعتبر ضرب الرصاص قتلاً عمداً سوء أكان في مشاجرة أو غير مشاجرة.. والتحقيق هنا هو الذي يحدد توجيه الاتهام وهو الذي يظهر مدي توافر نية القتل عن المتهم.. فالقوانين والظروف ووجود مشاكل وعداوات سابقة.. وتعدد الضربات وغيرها.. كل هذه الظروف يحققها وكيل النيابة ويسأل الشهود ليستظهر مدي تتبع الجاني للمجني عليه.. قلت ولكن النية محلها القلب وكيف يعرفها وكيل النيابة. أجاب نعم ولكن هنا تختلف المسألة لأن الجريمة لها شواهد معروفة تدلل علي نية المتهم.. أضاف المستشار عاصم ولا تنسي ان قتلي المشاجرات في الغالب يكونون بسبب تبادل الضرب أي ان كلا منهما كان حريصاً علي قتل صاحبه وكل من يدافع عن نفسه وهذا ليس مثل جريمة القتل العمد ومن هنا فان العقوبة فيها أري أنها معقولة. السائق المخمور ذكر أنه بالنسبة لجرائم وحوادث السيارات فان العقوبة أيضاً تشدد اذا توافرت ظروف مشددة كأن يكون السائق مخموراً الا انه في كل الأحوال فإنك تحاسب شخصاً لم يكن يقصد قتل أحد وفرق كبير بين نية القتل وعدمها.. فقد تنحرف السيارة أو يفاجأ السائق بعدم وجود فرامل مثلا أو بوجود شخص أو سيارة كبيرة أمامه فجأة.. وفي كل الأحوال فهي عوامل كلها تدل علي القتل الخطأ ولا يمكن ان تعامل صاحبها كمن ارتكب جريمة القتل العمد.. كما ان الغرامة هي عقوبة احتياطية يلجأ إليها القاضي اذا وجد الخطأ يسيرا أو كان المجني عليه قد ساهم في حدوث النتيجة مثل من يرمي نفسه أمام السيارة وهي مسرعة أو يحاول عبور الطريق أثناء سرعة السيارات فالسائق في بعض الأحيان ليس له ذنب.. ومع ذلك فالقاضي يعاقبه بالغرامة "100 جنيه" ليحفظ الحقوق المدنية فقط للمجني عليه.. ليقيم الورثة دعوي تعويض ولكن ما هي مواد القتل الخطأ ومدي عقوبتها؟ يجيب المستشار تامر الترساوي رئيس محكمة أكتوبر.. القانون رقم "58" لسنة "37" تقول المادة "238" الخاصة بالقتل الخطأ.. من تسبب خطأ في موت شخص آخر سواء أكان ذلك برعونته أو عدم احترازه أو مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز 200 جنيه أو باحدي هاتين العقوبتين. وتكون العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد علي 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تجاوز 500 جنيه أو باحدي هاتين العقوبتين اذا وقعت الجريمة نتيجة اخلال الجاني بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو اذا كان متعاطياً مسكرا أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة.. وتكون العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد علي 7 سنوات اذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من 3 أشخاص فاذا توفرت الظروف المشدد في الفقرة السابقة كان الحبس مدة لا تقل عن 10 سنوات.. ولكن القانون تدرج في العقوبة عندما استبدل بالقانون "120" لسنة 62 وان كان قد أبقي علي العقوبات والغرامات الموجودة منذ حوالي 74 سنة وأدناها الغرامة 100 جنيه.. وجعل القانون مسألة العقوبة سلطة تقديرية للقاضي في ضوء العقوبات التي أمامه وحسب ظروف كل حادث.. يضيف المستشار تامر الترساوي ان النيابات في حالات كثيرة تقوم باخلاء سبيل الجاني ويري ان المشرع صادف صحيح القانون خاصة وان حوادث نزيف الأسفلت كثيرا ما يتصالح أصحابها لتأكدهم من ان القتل كان خطأ.