المُفتي يتوجَّه للبرتغال للمشاركة في منتدى كايسيد للحوار العالمي    «تربية بني سويف» تنظم المؤتمر السنوي الأول لقسم الصحة النفسية    لأول مرة بعد التعويم.. دولار الشراء في البنوك تحت 47 جنيها    أسعار الخضروات والفاكهة في أسواق أسيوط اليوم الثلاثاء    «الدلتا الجديدة».. مستقبل الأمن الزراعي المصري    26 مايو.. بدء تسليم الأراضي السكنية المميزة بمدينة أسوان الجديدة    وزير النقل يلتقي سفير النمسا ووفود 9 شركات في قطاعات السكك الحديدية    أونروا: المناطق الداخلية في رفح الفلسطينية تحولت إلى مدينة أشباح    الأونروا: نحو 450 ألف شخص تم تهجيرهم قسرا من رفح    روسيا تعلن تدمير 25 صاروخًا فوق منطقة بيلجورود    مستوطنون يلقون مواد حارقة على مقر "الأونروا" بالقدس    الاتحاد يلتقي سموحة في ديربي سكندري بالدوري    أخبار الأهلي اليوم .. تصرف خاص من كولر قبل التدريبات    «عواصف رملية وترابية».. الأرصاد توضح طقس اليوم    احذر.. الهواء داخل السيارة قد يتسبب في إصابتك بمرض خطير    1695 طالبا وطالبة يؤدون الامتحانات العملية والشفوية ب"تمريض القناة"    اليوم.. «صحة النواب» تناقش موازنة الوزارة للعام المالي 2024-2025    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 14-5-2024    آينتراخت فرانكفورت الألماني يكشف حقيقة خضوع عمر مرموش لعملية جراحية    إطلاق مبادرة «اعرف معاملاتك وأنت في مكانك» لخدمة المواطنين بسفاجا    النشرة المرورية.. خريطة الكثافات والطرق البديلة بالقاهرة والجيزة    مليون طالب بالدقهلية يؤدون امتحانات النقل    استراتيجيات الإجابة الصحيحة على أسئلة الاختيار من متعدد لطلاب الثانوية العامة في العام 2024    ضبط 56 بلطجياً وهارباً من المراقبة بالمحافظات    اللمسات النهائية قبل افتتاح الدورة 77 من مهرجان كان السينمائي الدولي    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. الثلاثاء 14 مايو    سعر طن الحديد اليوم الثلاثاء 14-5-2024 في مصر.. كم يبلغ الآن؟    قافلة طبية مجانية لأهالي قرية الجراولة بمطروح.. غدا    طائرات مسيّرة إسرائيلية تطلق النار في حي الجنينة شرقي رفح    جامعة حلوان تستقبل وفدًا من الجامعة الأمريكية بالقاهرة لبحث سبل التعاون    رئيس جامعة القاهرة: زيادة قيمة العلاج الشهري لأعضاء هيئة التدريس والعاملين بنسبة 25%    تباين أداء مؤشرات الأسهم اليابانية في الجلسة الصباحية    المستشار الألماني يثبط التوقعات بشأن مؤتمر السلام لأوكرانيا    للأطفال الرضع.. الصيادلة: سحب تشغيلتين من هذا الدواء تمهيدا لإعدامهما    زوجة عصام صاصا تكشف مفاجأة عن سر اختفائه (فيديو)    نائب وزير الخارجية الأمريكي: نؤمن بحل سياسي في غزة يحترم حقوق الفلسطينيين    «يهدد بحرب أوسع».. ضابط استخبارات أمريكي يستقيل احتجاجا على دعم بلاده لإسرائيل.. عاجل    ما مواقيت الحج الزمانية؟.. «البحوث الإسلامية» يوضح    حكم الشرع في زيارة الأضرحة وهل الأمر بدعة.. أزهري يجيب    غرفة صناعة الدواء: نقص الأدوية بالسوق سينتهي خلال 3 أسابيع    ما حكم عدم الوفاء بالنذر؟.. دار الإفتاء تجيب    هل يجوز للزوجة الحج حتى لو زوجها رافض؟ الإفتاء تجيب    سيات ليون تنطلق بتجهيزات إضافية ومنظومة هجينة جديدة    إجازة كبيرة للموظفين.. عدد أيام إجازة عيد الأضحى المبارك في مصر بعد ضم وقفة عرفات    «زي النهارده».. وفاة الفنان أنور وجدى 14 مايو 1955    في عيد استشهادهم .. تعرف علي سيرة الأم دولاجي وأولادها الأربعة    لطفي لبيب: عادل إمام لن يتكرر مرة أخرى    "الناس مرعوبة".. عمرو أديب عن محاولة إعتداء سائق أوبر على سيدة التجمع    وزارة العمل توضح أبرز نتائج الجلسة الأولى لمناقشة مشروع القانون    ميدو: هذا الشخص يستطيع حل أزمة الشحات والشيبي    تفحم 4 سيارات فى حريق جراج محرم بك وسط الإسكندرية    سلوى محمد علي تكشف نتائج تقديمها شخصية الخالة خيرية ب«عالم سمسم»    جائزة الوداع.. مبابي أفضل لاعب في الدوري الفرنسي    «محبطة وغير مقبولة».. نجم الأهلي السابق ينتقد تصريحات حسام حسن    إبراهيم حسن يكشف حقيقة تصريحات شقيقه بأن الدوري لايوجد به لاعب يصلح للمنتخب    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك يوماً يتجلى فيه لطفك ويتسع فيه رزقك وتمتد فيه عافيتك    الخميس.. تقديم أعمال محمد عبدالوهاب ووردة على مسرح أوبرا دمنهور    الأوبرا تختتم عروض "الجمال النائم" على المسرح الكبير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آخر الأسبوع - خذلتني انتخابات مجلس الشعب
نشر في الجمهورية يوم 09 - 12 - 2010


خذلتني انتخابات مجلس الشعب.
لا أتحدث عن العملية الانتخابية نفسها بمراحلها المختلفة وما شابها. فذلك موضع جدل. بعضه علي صفحات الصحف وفي الفضائيات. وأكثره طعون أمام القضاء الإداري مازالت لم تحسم بعد.
لكني أتحدث عن النتائج النهائية ومدلولاتها السياسية.
فقد راهنت طويلاً بيني وبين نفسي علي الأقل علي برلمان جديد. يزيد فيه عدد مقاعد المعارضة علي البرلمان السابق. ويرتفع داخل هذه المقاعد تمثيل الأحزاب السياسية عن تمثيل المستقلين.
ذلك هو التطور الطبيعي والتدريجي والآمن للديمقراطية.
فالديمقراطية كما كتبت كثيراً من قبل تبنيها الأحزاب السياسية الشرعية.
وهذه الأحزاب تقوي وتشتد. كلما استطاعت أن تجتذب إلي عضويتها أكبر عدد ممكن من الشخصيات المستقلة.
وقدرة هذه الأحزاب علي اجتذاب هذه الشخصيات إليها لا ترتبط فقط بمبادئ كل حزب وبرامجه. وإنما أيضاً بحجم تمثيله في البرلمان. الذي يتيح له. ولمن ينضم إليه. المشاركة في صياغة وتوجيه السياسات العامة للمجتمع.
وفي المراحل الأولي لبناء الديمقراطية. وهي التي نعيشها الآن. لا تستطيع أحزاب المعارضة تحقيق تمثيل معقول في البرلمان يغري بالانضمام إليها. دون أن تقدم لها الدولة والمجتمع تيسيرات تساعدها علي ذلك.
فبناء الديمقراطية في هذه المرحلة. يمثل مصلحة وطنية وقومية للمجتمع كله. وركيزة من ركائز السلام السياسي والاجتماعي.
ولا بديل عن قدر من التفاهم المشترك. والتنازلات المتبادلة بين حزب الأغلبية وأحزاب المعارضة في سبيل تحقيق هذه المصلحة.
سيقول البعض: انت تتحدث إذن عن صفقات انتخابية أو سياسية؟!
وأرد علي الفور:
ولم لا؟!
* * *
انني أعجب مما يثيره حديث الصفقات من "ارتكاريا" لدي قادة كل الأحزاب.
فما أن تتردد كلمة "صفقة" علي لسان أحد. إشارة إلي حزبين أو أكثر. حتي يعتبر كل من الحزبين أو الثلاثة ذلك اتهاما فظيعا. ويبادر كل طرف إلي النفي التام له.
والقاعدة المعروفة في العالم كله بأنظمته الديمقراطية وغير الديمقراطية. انه "لا سياسة بلا صفقات".
فالصفقات جزء لا يتجزأ من الممارسات السياسية. سواء في السياسة الداخلية لكل بلد. أو في العلاقات الثنائية بين دولتين.. أو في العلاقات الدولية بصورة عامة.
وبعض الصفقات سرية. وبعضها علنية.. وكل من ينفونها أو تصيبهم الارتكاريا من سماعها يمارسونها لأنها غير محرمة.
والصفقات ببساطة هي "أخذ وعطاء".. شيء مقابل شيء.
الله سبحانه وتعالي يعقد معنا صفقة.. "أفلا أدلكم علي تجارة تنجيكم من عذاب أليم. تؤمنون بالله ورسوله. وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم".. إلي آخر الآية الكريمة.
وفي السياسة. جميع ما نسميه ب "الحكومات الائتلافية" هي نتاج صفقات سياسية بين أحزاب مختلفة.
فعندما لا يحصل أي حزب علي الأغلبية المطلوبة في الانتخابات لكي يشكل حكومة بمفرده. فإن الحزب الذي حصل علي أكبر عدد من المقاعد دون الأغلبية يسعي إلي استكمال أغلبيته عن طريق التحالف أو الائتلاف مع حزب آخر أو أكثر من الأحزاب الممثلة في البرلمان حتي يتمكن من تشكيل الحكومة.
وهذا التحالف أو الائتلاف يتم عبر صفقة سياسية.. حيث يشترط الحزب الأصغر للانضمام إلي الحزب الأكبر أن يحصل علي عدد من الحقائب الوزارية في الحكومة. مقابل تأمين نصاب الأغلبية له.
وما يجوز بعد الانتخابات. يجوز قبلها.. أي يمكن الاتفاق بين الحزب الأكبر وأي حزب أو أحزاب أخري علي تنازلات متبادلة في بعض الدوائر الانتخابية لمرشحي هذا الحزب أو ذاك تفاديا للمنافسة أو تحقيقا لمصلحة مشتركة في مواجهة حزب آخر أو قوة سياسية أخري.
وأعتقد انه في انتخابات مجلس الشعب المنتهية توا. كان هناك تصور بوجود مصلحة قوية مشتركة للحزب الوطني ولأحزاب المعارضة الشرعية. بل وللمجتمع كله في التوصل إلي مثل هذا الاتفاق. من أجل مواجهة "الجماعة" غير الشرعية.
وكان المنتظر طبقاً لهذا التصور. أن تحتل الأحزاب الشرعية في البرلمان الجديد. كل أو معظم المقاعد التي كان يحتلها ممثلو الجماعة غير الشرعية في البرلمان السابق.
انه نوع مشروع من "السياسات الحمائية" التي تحتاجها الدول والمجتمعات في مراحل نموها الديمقراطي الأولي. من أجل دعم وتشجيع أحزابها السياسية. وتحفيز أكبر عدد من المواطنين للانخراط فيها. والتصدي للتيارات الداخلية غير المشروعة والمدعومة أحياناً من الخارج.
وهو أشبه بالسياسات الحمائية التي تلجأ إليها بعض الدول لحماية صناعتها الوطنية الوليدة في مجال من المجالات. في مواجهة غزو المنتجات الأجنبية المثيلة للسوق المحلي.
* * *
لكن نتيجة انتخابات مجلس الشعب الأخيرة لم تعبر عن ذلك أو تترجمه عملياً.
لقد جاءت النتيجة كالتالي:
* 420 مقعدا للحزب الوطني. وهو أكبر عدد من المقاعد يحصل عليه في خمس انتخابات برلمانية أجريت خلال العشرين سنة الماضية "1990 2010" وإن كان قد اقترب من هذا الرقم في انتخابات 1995 حيث حصل فيها علي 418 مقعدا.
لكن. من حيث نسبة هذه المقاعد إلي مجمل مقاعد البرلمان. فإن ما حصل عليه الحزب الوطني في الانتخابات الأخيرة يعتبر "تراجعاً" عن نصيبه في انتخابات .1995
فال 418 مقعدا التي فاز بها عام 1995. منسوبة إلي عدد مقاعد المنتخبين في برلمان ذلك الوقت وهو 444 عضوا. أي بنسبة 94%.
بينما ال 420 مقعدا التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة. منسوبة إلي إجمالي من تم انتخابهم بالفعل وأعلنت نتيجتهم وهم 504 أعضاء. أي بنسبة 83.5% تقريباً.
* ستة أحزاب معارضة هي: الوفد التجمع الغد السلام العدالة الجيل. دخلت مجلس الشعب الجديد. وهو أكبر عدد من الأحزاب يتم تمثيله في المجلس في تاريخ الحياة البرلمانية الحديث.. وكانت انتخابات 1995 أيضاً هي الأعلي وقتها. حيث دخل المجلس فيها خمسة أحزاب.
لكن زيادة عدد الأحزاب في مجلس الشعب الجديد لم تترجم إلي زيادة عدد المقاعد التي تشغلها هذه الأحزاب. فكل حصيلتها. مجتمعة. لم تتجاوز 15 مقعدا بمعدل ستة مقاعد للوفد وخمسة للتجمع. ومقعد واحد لكل من الغد والسلام والعدالة والجيل.
وحتي إذا تحالفت هذه الأحزاب جميعاً لتشكل قوة برلمانية واحدة معارضة. فسوف يأتي ترتيبها في البرلمان في المركز الأخير بعد المستقلين الذين حصدوا 69 مقعدا. أي أربعة أضعاف ونصف مقاعد الأحزاب المعارضة مجتمعة.
لا قيمة إذن لمعارضة حزبية برلمانية بهذا الهزال. وستكون الغلبة للمستقلين وهذا اختلال في المعادلة الطبيعية حتي وإن كان معظمهم ممن انشقوا علي الحزب الوطني لعدم ترشيحه لهم وخاضوا الانتخابات كمستقلين ونجحوا. وكل قيمة وجود هذه الأحزاب أن كلا منها له الحق دستوريا في تقديم مرشح للرئاسة في .2011
* حين يحتج حزب الوفد أو حزب التجمع علي نتيجة الانتخابات بالنسبة لهما. فإن أول ما يقال لهما هو: هذا حجمكم الطبيعي في الشارع المصري وتأثيركم في المجتمع.. وارجعوا إلي نتائجكم في الانتخابات السابقة علي مدي عشرين سنة ماضية.
هذا في رأيي حق من الناحية النظرية. لكنه في الواقع العملي يغفل متغيرا مهما لا يمكن اغفاله.
هو حق لان كلا من الوفد والتجمع لم يحقق خلال أربعة انتخابات ماضية علي مدي العشرين سنة الأخيرة أعلي مما حققه الآن سوي مرة واحدة. وبفارق مقعد واحد زيادة وهي انتخابات 2000. حيث حقق الوفد 7 مقاعد والتجمع ستة.
فيما عدا ذلك. فإن رقم "6 مقاعد" لازم الوفد في انتخابات 1995 و2005 "وكان قد قاطع انتخابات 1990 ولم يدخلها" بينما لازم رقم "5 مقاعد" حزب التجمع في انتخابات 1990 و1995. بل ولم يحصل في انتخابات 2005 إلا علي مقعدين فقط.
لكن الاعتداد بذلك من الناحية العملية يعني كأننا نقول. إن التعديلات الدستورية التي أجريت عامي 2005 و2007. وأدت إلي ما نسميه ب "الحراك السياسي" الكبير في المجتمع المصري. لم تنتج آثارها الطبيعية والمتوقعة علي الحياة السياسية الحزبية. بدليل أن التمثيل البرلماني للأحزاب مازال بعد هذه التعديلات. كما كان قبلها "محلك سر". ولم يتقدم خطوة واحدة.
وان البرلمان الجديد قد تخلص حقاً من ممثلي "الجماعة" غير الشرعية. لكنه لم يتغير بالنسبة لممثلي الأحزاب السياسية الشرعية.
هذا يعني إما أن هذه التعديلات الدستورية لا أثر لها بالفعل علي واقع الحياة الحزبية والبرلمانية. وإما اننا لم نفسح المجال لها وللحراك السياسي الذي أنتجته لتعبر عن نفسها من خلال تمثيل برلماني أوسع للأحزاب الشرعية.
لقد رأينا في مجلس الشعب المنتهي. كيف جعل بعض ممثلي الأحزاب والجماعة غير الشرعية العمل البرلماني "طريقا ذا اتجاهين".. فلم يقتصروا علي نقل قضايا الشارع إلي داخل البرلمان. وإنما انتقلوا هم إلي الشارع. يشاركون في الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية ويثيرون الشارع علي المجلس والحكومة. "والطريف ان كل النواب الذين فعلوا ذلك سقطوا في الانتخابات الأخيرة".
وكان التطور الطبيعي يقضي بأن تسفر الانتخابات البرلمانية الأخيرة عن مجلس يستوعب الشارع ويقنن حالة الحراك السياسي بأشكالها المختلفة لتتحول إلي أصوات تحت القبة.
لكن الذي حدث هو العكس.. فقد دفع مجلس الشعب الجديد بنصف أعضاء المجلس السابق تقريبا إلي الشارع. ليصبحوا رصيدا محتملا لحركات الاحتجاج العشوائية في المستقبل.
وهذا أخطر ما أسفرت عنه الانتخابات.
* * *
لقد كان في وسع الحزب الوطني أن يتيح فرصا أكبر لمرشحي الأحزاب السياسية الأخري مهما كان توجهها أو توجههم.
فللأحزاب السياسية مهما بلغت شدة معارضتها سقف. وهي تعارض في إطار من المشروعية قابل للسيطرة حين يجد الجد.. وفي النهاية فإن "الوطنية المصرية" هي القاسم المشترك بين هذه الأحزاب وحزب الأغلبية.
وأقصي ما يحتاجه أي حزب كبير في أي نظام سياسي. هو أن تكون له أغلبية الثلثين في البرلمان. وهي التي تضمن له تمرير ما يشاء من قوانين أو سياسات دون حاجة إلي أصوات المعارضة.
وفي البرلمان الجديد الذي يصل عدد أعضائه المنتخبين والمعينين إلي 518 عضوا فإن أغلبية الثلثين تعني 345 مقعدا فقط.
وعلي اعتبار انه في حالة التصويت الذي يحتاج إلي أغلبية الثلثين. قد يتغيب عدد من النواب عن جلسة التصويت لسفر أو لظروف صحية أو عائلية أو غيره. فإن الحزب الوطني كان يستطيع بالحصول علي عشرة أو عشرين مقعدا زيادة علي الثلثين. ان يؤمن نفسه في هذه الحالات.
ومعني ذلك ان 150 مقعدا للمعارضة مثلا في برلمان من 518 عضوا. لم تكن لتقلل من سيطرة الحزب علي البرلمان وتمتعه بالأغلبية القادرة علي حسم وتمرير أخطر القوانين والسياسات.
فضلا عن أن ذلك كان سيمثل خطوة كبيرة علي طريق الديمقراطية:
* كان سيعزز الأحزاب الشرعية ويعطيها أملاً في يوم تكون قادرة فيه علي المنافسة بقوتها وحدها وليس بدعم الحزب الحاكم.
* كان سيضرب الجماعة غير الشرعية وجماعات الاحتجاج العشوائية في مقتل حقيقي من خلال مكافأة العمل السياسي الشرعي.
* كان سيسحب كثيرا من رصيد المستقلين الذين يعتمد عليهم الدكتور البرادعي وجمعيته الوطنية للتغيير. لأنه كان سيعزز فكرة التغيير المشروع من خلال صناديق الاقتراع وليس من خلال جمع التوقيعات والتوكيلات ودعوات العصيان المدني إلي آخره.
* كان سيبعث برسالة قوية إلي العالم الخارجي بأن مصر تتغير فعلاً. وأن تحقيق الديمقراطية يمثل مصلحة وطنية وقومية مصرية وليس فقط رغبة دولية. وان هناك التزاما سياسيا قويا بذلك.
* لم يكن ذلك ليؤثر من قريب أو بعيد علي انتخابات الرئاسة القادمة عام 2011. لأن الدستور ساوي بين الأحزاب في حقوق تقديم مرشحين للرئاسة.. فالحزب الذي لا يملك سوي مقعد واحد. له الحق في تقديم مرشح واحد للرئاسة. وهو نفس الحق الذي يكفله الدستور للحزب صاحب أغلبية الثلثين أو الثلاثة أرباع.
بل ان تأثير ذلك كان يمكن أن يكون ايجابيا لانه سيقلص فرص الداعين إلي تقديم مرشح مستقل للرئاسة. والمطالبين من أجل ذلك بتغيير الدستور أو تعديله بما يقلل من شروط ترشيح المستقلين التي نصت عليها المادة 76 من الدستور.
أي اننا لو كنا توصلنا إلي تركيبة مثل هذه للبرلمان الجديد يتمتع فيها الحزب الوطني بأغلبية ثلثين مريحة ومؤمنة تماما.. و150 مقعدا معظمها للأحزاب الشرعية لكان في هذه التركيبة كل الفوائد.. داخليا وخارجيا.. حاليا ومستقبليا.
ماذا كان سيحدث لو تم ذلك؟!
* * *
تعالوا نحسب كل الاحتمالات..
* معارضة أقوي للحزب الحاكم؟! بالعكس.. فإن 150 مقعدا للأحزاب الشرعية.. كلها أو معظمها سوف تكون أخف وطأة من 88 مقعدا التي كانت للجماعة غير الشرعية في المجلس المنتهي.
الأحزاب الشرعية في النهاية تملك برامج واضحة ومعلنة.. ولها في المعارضة سقف. ولا تتستر بشعارات دينية لتخفي مآرب سياسية. ولا تتلقي دعما أو تمويلا من الخارج إلي آخره.
وقد سبق أن جمعها "حوار وطني" مع حزب الأغلبية. واضافة "حوار برلماني" إلي ذلك من شأنه تعزيز التفاهم بين هذه الأحزاب.
وفي كل الأحوال فإن معارضة هذه الأحزاب ستكون داخل البرلمان.. وتحت قبته.
رأيي ان نتيجة الانتخابات بالصورة التي انتهت إليها. هي التي ستخلق معارضة أقوي للحزب والحكومة.
فالبرادعي وجمعيته يستعدان للتحالف مع الجماعة غير الشرعية. وسوف يجد الطرفان رصيدا مكونا من مطاريد الحزب الوطني الذين سقطوا في الانتخابات الأخيرة. ومن بعض رموز المعارضة التي لقيت نفس المصير. اضافة إلي الحركات الاحتجاجية العشوائية مثل كفاية و6 أبريل وغيرهما.
ولن تكون هذه المعارضة منظمة. ولن يكون لها سقف أو قبة تحكم أساليبها. وسوف تلجأ إلي الشارع. وتطور من أشكال معارضتها.. والأيام القادمة ستثبت ذلك.
* اتهامات للحزب الحاكم بمجاملة الأحزاب. أو بعقد صفقات.. أو بتوزيع تركة المقاعد أو.. أو.. إلي آخره؟!
لقد شبع الحزب الوطني اتهامات.. وسوف يكون مثل أي حزب أغلبية حاكم في أي دولة. موضع اتهام دائم. سواء أصاب أم أخطأ. وهذه ضريبة الأحزاب الكبري.
* * *
لا يعني ذلك أنني أحمّل المسئولية "كلها" للحزب الوطني. وأعفي منها بقية الأحزاب.
صحيح ان الحزب الوطني باعتباره الحزب القائد والحاكم يتحمل الجزء الأكبر من المسئولية.
وهذا الجزء الأكبر أحدده نصا في: "ان من رسم خريطة البرلمان الجديد كان يحتاج إلي مراعاة أكبر لأبعاد سياسية حالية ومستقبلية. ولقوي كثيرة تتربص بهذا الوطن وكان يجب أن نصل إلي تركيبة أخري للبرلمان تنزع من يد هذه القوي أهم أسلحتها وتقتطع من رصيدها لصالح العمل السياسي الحزبي والبرلماني".
كنا نحتاج إلي نتيجة انتخابات تبعث إلي كل مواطن برسالة قوية وواضحة تقول: الأحزاب والبرلمان. هما الساحة الشرعية للعمل السياسي الوطني.
وأقول "من رسم خريطة البرلمان الجديد" وأعني ما أقول. لأنه من حق الحزب الأكبر أن يضع تصورا أو خريطة للبرلمان قبل الانتخابات. وان يسعي بكل الوسائل المشروعة التي يتيحها له القانون للدفع بها والعمل علي تحقيقها من خلال صناديق الاقتراع.
لكن.. يبقي جزء.. وجزء ليس صغيرا من المسئولية تتحمله بقية الأحزاب التي خاضت الانتخابات.
وقد يكون لذلك حديث آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.