فوجئت بصاحب قلم شاعر وفنان له تاريخ في مجال الموسيقي والغناء ينتمي لعصر الرواد العمالقة عاش بين رواد الفن الموسيقي الغنائي الأصيل قابلته بالصدفة وهو بين حصار اليأس الدفين لكنه في ذات الوقت متفائل يحلم بأدب وبكل احترام لعودة الوعي لبعض السادة المسئولين بالثقافة والإعلام ودار بيننا هذا الحوار. س : اسمك ج : ابراهيم عبدالرازق س : سنك ج : 78 عاماً بالتمام والكمال س : عملك ج : مؤلف وشاعر وملحن وخبير للتراث الغنائي س : أعمالك ج : سهرات وبرامج غنائية للتليفزيون لا حصر لها.. وأوبريتات س : أهمها وأشهرها ج : موال علي ضفتي النيل كملحمة وألحان أخري لحنها فنان الغناء الشعبي الموسيقار الراحل محمود الشريف.. غير احد عشر أوبريتاً غنائياً استعراضياً تم عرضها علي خشبة مسارح الدولة. س : ما سر علامات الحزن المرسومة علي وجهك؟... ج : الأحوال الراهنة لتدهور موسيقانا وأغانينا وانحدارها الرهيب بشكل لا يسر إلا عدواً متربصاً بنا من كل جانب لضياع تراثنا وأمجادنا.. س : ما أسباب تدهور وانحدار الموسيقي والغناء من وجهة نظرك؟؟ ج : دي مش وجهة نظري لوحدي إنما هي من وجهة نظر أغلب المحترفين المشتغلين من الشعراء والملحنين بمن فيهم السواد الأعظم للمتلقين وهي أسباب معلومة بوضوح لا تقبل الجدل. كما أن هناك دافعاً لا يخفي وهو إهمال أغلب المسئولين أو بعضهم للمواجهة الحاسمة من خلال أجهزة الإعلام الأرضية والفضائية.. وبالحد من اللقاءات الإعلامية المشبوهة مع فلانة الفلانية مطربة الدلع والمياعة وفلان الفلاني مطرب الإسفاف وفرضهم علي المشاهد والمستمع عملاً بالمثل القائل "التكرار يعلم.....".... والسكوت علي حل بالشكل ده غير مطلوب فيه الدلع والهزار ولابد من الرجوع والتسجيل للأغاني والصور الغنائية والأوبريتات القصيرة كمختارات للإذاعة والتليفزيون استكمال لما سبق ذكره علي سبيل المثال لا الحصر بين مئات الصور الغنائية "عواد باع أرضه مرزوق قطر الندي الدندورمة علي بابا" سجلت منذ خمسين عاماً ولا تزال تؤثر فينا وفي مجتمعنا بالتوعية والتهذيب الراقي ونقاء اللفظ وجودة الفكرة.. وبدون حاجة لميزانية جديدة يمكن أن يتم نقل روائع الألحان التي سجلها التليفزيون منذ عام 1960 لرواد الملحنين والشعراء والمطربين لبثها إذاعياً للحد من الزحف العشوائي للغناء الهابط وهي تعد بالآلاف وتوفر الملايين من الإنفاق بنقلها فقط كذلك الأوبريتات التي لحنها خالد الذكر وفنان الشعب السيد درويش وداود حسني وزكريا أحمد وكامل الخلعي بألحانها الرائعة الخالدة ولقد ناديت منذ سنوات بعيدة بطبعها علي أشرطة صوت القاهرة أسوة بما سبق طبعه مثل "عزيزة ويونس" التي حذفت من ألحان الشيخ زكريا أحمد للمقاطعة والخصومة التاريخية مع الإذاعة وأم كلثوم ثم ياسمين ثم البرنسيسة ثم الشاطر حسن فهناك عشرات الأوبريتات لم تطبع رغم ما فيها من أشعار وألحان وموضوعات إنسانية اجتماعية وأخلاقية فهل أصبحنا لا نؤمن بهذه الأعمال التي تحمل الكثير من المثل العليا والمبادئ.... س : ما فن الأوبريت؟! ج : فن الأوبريت لا يختلف كثيراً عن الأوبرا التي تعتمد علي الموسيقي والغناء والباليه والتمثيل الحركي سوي انه يعتمد علي الموسيقي والغناء العربي ويختلف الأوبريت في انه يحتوي علي حوار تمثيلي ودرامي... س : لماذا توقف الأوبريت بعد انتشاره وازدهاره طول فترة البداية من العام التاسع عشر حتي 1932 تقريباً؟؟ ج : لظهور السينما وتقديم بعض أوبريتات الريحاني والكسار ومنيرة المهدية من خلالها ونلاحظ أن أغلب الأفلام اعتمدت علي تقديم أوبريتات صغيرة أدت إلي نجاحها مثل أفلام علي الكسار وأم كلثوم ومنيرة المهدية والريحاني وحسين فوزي وأنور وجدي وفريد الأطرش واسماعيل ياسين وغيرهم... س : وهل كان ذلك يكفي عن عودة الأوبريت للمسرح؟؟ ج : أبداً.. لقد عاد المسرح مرة أخري ليقدم الأوبريتات ومنها : "شهر زاد والعشرة الطيبة والباروكة" لسيد درويش و"يوم القيامة وعزيزة ويونس" لزكريا أحمد والبيرق النبوي لأحمد صدقي ثم توقف ثم عاد بتقديم الأرملة الطروب ترجمة عبدالرحمن الخميسي ومهر العروسة وهدية العمر للموسيقار محمد الموجي والموسيقار بليغ حمدي ثم يا ليل يا عين عام .1950 س : بمناسبة "يا ليل يا عين" التي تم عرضها علي مسرح دار الأوبرا هل تختلف كثيراً مع يا ليل يا عين التي كتبتها وعرضتها علي مسرح البالون عام .2004 ج : هناك اختلاف ولا اختلاف فقد عشت مع الأسطورة الأصلية وقمت بمعالجتها كأوبريت غنائي معالجة جديدة تضمنت مواويل وأغاني وحواراً جديداً وكذلك النهاية السعيدة عكس ما جاء في الأولي من نهاية حزينة دون الابتعاد كثيراً عن الأسطورة وقد أعجب بها الراحل يحيي حقي وكذلك الفنانة نعيمة عاكف عندما كانت تقوم ببطولة أوبريت البخيلة للفرقة الاستعراضية وكانت السبب في أن أعيدها بصياغة جديدة لإعجابها من حواري المسرحي وأشعاري إلا إنها توقفت بسبب مرضها.. لتظل يا ليل يا عين حتي تم عرضها عام 2004 لتقوم ببطولتها الفنانة الراحلة فاتن فريد بدلاً من شهر زاد ومني حسين بدلاً من نعيمة عاكف والمطرب أحمد ابراهيم واخراج حسن سعد. س : كيف بدأ فن الأوبريت في مصر ولماذا اختفي؟؟؟ ج : بدأ الأوبريت عندنا في مصر تحت مسرح المسرح الغنائي عندما جاء إليها وافداً من بيروت الإخوة مارون وسليم ونقولا نقاش بمعرفة عدة مسرحيات علي مسرح زيزينيا بالإسكندرية ثم عدة مسارح بالقاهرة تلاها يوسف خياط وآخرون إلي أن رائد المسرح الغنائي أحمد أبو خليل الدمشقي ليضم لفرقته المطرب عبده الحامولي أما فن الأوبريت الحقيقي فكان علي يد خالد الذكر سيد درويش والذي قال عنه موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب ضمن احدي مقالاته قائلاً: عندما انتهيت من التعرف علي أعمال سيد درويش أدركت أني أصبحت أعلم تماماً من هو أبي. س : كيف نعيد العصر الذهبي لفن الأوبريت؟؟ ج : أن يتذكر المسئولون الرائد الاقتصادي طلعت حرب الذي أنشأ تياترو حديقة الأزبكية وهو المسرح القومي الآن لتقدم عليه أوبريتات لفرقة أولاد عكاشة كتب بعضها توفيق الحكيم منها أوبريت علي بابا ثم أوبريت خاتم سليمان وأن يتذكر المسئولون أيضاً ازدهار المسرح وانتشاره في بداية القرن العشرين عندما بدأ يلمع نجم سيد درويش فجذب العديد من الملحنين أمثال داود حسني وزكريا أحمد وأصحاب الفرق جورج أبيض ثم نجيب الريحاني ثم علي الكسار ثم منيرة المهدية ثم فاطمة رشدي وغيرهم. س : هل لدينا ملحنون الآن يمكنهم تلحين أوبريتات؟؟ ج : نعم س : أذكر بعضهم.... ج : عمر خيرت وحلمي بكر وجمال سلامة وعمار الشريعي وياسر عبدالرحمن وغيرهم. س : والشعراء ..... ج : سيد حجاب وجمال بخيت وأيمن بهجت قمر والعبد لله وغيرهم. س : وما المانع لنشاطهم كتلحين أوبريتات؟ ج : القبضة الحديدية المسئولة عن عودة الأوبريتات للظهور والمسئولة عن قتله ودفنه. س : حدد من فضلك؟ ج : دار الأوبرا المصرية نكرر كلمة المصرية أنشئت عام 1869 في عهد الخديو اسماعيل وقدم عليها أول أوبرا مصرية وهي أوبرا عايدة وتلاها تقديم أوبريتات يعقوب صنوع وأحمد أبو خليل القباني وسيد درويش وزكريا أحمد وداود حسني وأحمد صدقي وما بعدهم... محمد الموجي وبليغ حمدي وأحمد علي باكثير وغيرهم واستمرت حتي احترقت. بعدها لم تقدم أوبريتات تذكر خلال خمسين عاماً بالتمام والكمال وكانت الوجه المشرق والمكان الأنسب لتقديم الأوبريت. س : والسبب ؟ ج : أوبريتات يعني فلاحين يعني مصريين من وجهة المسئولين بدار الأوبرا والتي مازالت تحمل اسم دار الأوبرا المصرية وبدأت باقي المسارح تحذو حذوها رغم أن أغلب هذه الأماكن لديها جميع عناصر الأوبريت من نجوم وعازفين وكورال بحجة أنه مكلف وأقولها وعلي مسئوليتي بأن أي أوبريت لن تتعدي ميزانيته نصف ميزانية مسرحية فاشلة بلا جمهور ومستعد لإثبات ذلك بالمواجهة والحوار مع كافة المسئولين علماً بأني قد قمت بطرح ذلك من خلال برنامج أسهر معانا في مواجهة الفنان الراحل سعد أردش والمخرج الكبير أحمد عبدالحليم وقد أيدني في ذلك الوقت ووعد أن يمد يده ليدي هو أحمد صالح. س : الأوبريت يحتاج للأصوات الجيدة.. ج : الأصوات الجيدة موجودة ولكن فين هوه الأوبريت علشان كده بيجذبهم البريق الزائف نحو الغناء الهابط المثير للغرائز وربنا يهدي السائرين في ركابه يشيرون بفلان وفلانة وعلان وعلانة للإبهار والانبهار بالجسد العاري الناضج وأكثر من ذلك. س : هل تبغي أن تفيد دار الأوبرا ومسارح الدولة تراثنا القديم من ألحان سيد درويش وداود حسني وزكريا أحمد وكامل الخلعي ومحمد القصبجي وغيرهم ومؤلفات وأشعار محمد تيمور وبديع خيري وتوفيق الحكيم وبيرم التونسي وعبدالفتاح مصطفي وصلاح جاهين ومحمد يونس القاضي وأعمالك؟ ج : أنا لا أطالب بأن تعيد الأوبرا أولاً المسرح الغنائي كما ذكرت وإنما أطالب أن تشارك الأوبرا والمجلس الأعلي وقطاع الانتاج الثقافي بوزارة الثقافة وصوت القاهرة والتليفزيون بتشكيل لجنة لقراءة الأوبريتات الحديثة وتعرض ما يتم بالموافقة عليه مع تقديم أيضاً ما يناسب العصر الحالي من التراث كما هو أو بمعالجة عصرية دون تحريف وتحت رعايتهم ومسئوليتهم. س : هل لديك أوبريتات حديثة يمكن تنفيذها لعودة فن الأوبريت؟ ج : نعم ومجازة رقابياً وفنياً وقدمتها لعدة جهات ولا أعلم أسباب الصمت بلا مبرر.