جاء بونابرت لمصر غازياً كل همه إقامة مستعمرة فرنسية في مصر لسبق بريطانيا للسيطرة علي طريق التجارة بين الشرق والغرب سواء كان برياً أو بحرياً بشق قناة من البحر المتوسط إلي برزخ "خليج" السويس ولكنه لم يتمكن من استكمال فكرته. ولكن فرنسا استمرت في سباقها المحموم للسيطرة علي مصر وحرمان بريطانيا فتم إنشاء شركة لحفر وتشغيل قناة السويس وتولي دي ليسبس إدارة المشروع ومن الطريف أن نذكر أن كليبر أرسل بحثاً لفرنسا مفاده أن البحرين الأبيض والأحمر لا يتساوي سطحا الماء فيهما. أقنع دي ليسبس صديقه والي مصر سعيد باشا بأهمية القناة لمصر وأنها ستدعم مركزه أمام تركيا فاقتنع الوالي وقدم من لا يملك أبناء مصر هدية لرجل يعمل لصالح وطنه فرنسا ومصالحه الشخصية وبعد اقتناع سعيد أصدر الامتيازين الأول والثاني لشروط إنشاء واستغلال قناة السويس واستغل دي ليسبس الامتيازين أسوأ استغلال لمصر وأهم ما فيها هو إلزام الحكومة المصرية بتقديم العمال المطلوبين وكان أن بدأت السخرة التي شهدها أبناء شعبنا الصابر في حفر القناة بالفأس والمقطف في ظروف غير إنسانية راح ضحيتها عشرات الآلاف من العمال بسبب سوء تخطيط دي ليسبس واستهتاره بأرواح المصريين. تناولت لائحة أجور العمال من 2.5 إلي 3 قروش في اليوم وإذا كان العامل عمره 12 عاماً "طفل" يتقاضي قرشا واحداً يومياً وقدمت الشركة الجراية الحاف "الخبز" للعامل كل يومين أو ثلاثة وحددت الشركة مقطوعية العمل اليومي للعامل والعقاب المناسب عند الإهمال في العمل. بدأ العمل بعشرين ألف عامل ولكن دي ليسبس كان يتعجل العمل ويطلب المزيد من العمال واستعواض من يموت وسرعة الانجاز وكان يستنجد بالوالي سعيد ليمده بالعمال. كان من الظروف الصعبة عدم توفر مياه الشرب لأن مسار القناة يتم حفره في أرض صحراوية ليس بها أي مصدر سوي الآبار المتناثرة في هذه الصحراء وكان معظم وفاة العمال من العطش وحر الصحراء وتم تخصيص 20 ألف عامل لاستكمال ترعة الإسماعيلية حتي بحيرة التمساح. كتبت صحيفة إستاندرد: "علمنا من مصدر موثوق أن العمال يسحبون سيراً علي الأقدام إلي بورسعيد وقد ربط بعضهم إلي بعض كالإبل أو مثل قطعان الصيد في أفريقيا" وردت شركة القناة أنه لا توجد طرق أو سكة حديد في هذا البلد. وأصدر سعيد أمراً لكل مشايخ البلد في قري الشرقية بجمع العمال وتسليمهم إلي مندوب الشركة بالزقازيق ونتج عن ذلك إهمال الزراعة في كل أراضي شرق الدلتا. وللأسف هناك من يحنون للماضي البغيض الذي سخر وأهان الشعب المصري باستغلال أبنائه وإمكاناته لتحقيق أحلام استعمارية ونجد اليوم من ينادي بعودة تمثال دي ليسبس إلي القاعدة الخالية ببورسعيد. ولكن أري أن تجري مسابقة بين الفنانين المصريين الشرفاء لتصميم تمثال يعبر عن الكرامة الوطنية والدفاع عن القناة يكون كمنارة في مدخل القناة الشمالي وآخر في المدخل الجنوبي يرفع عنهما الستار يوم 17 نوفمبر 2019 بمناسبة مرور 150 عاماً علي افتتاح القناة نوفمبر 1869. فكرة حفر القناة قديمة بدأها نابليون عندما احتل مصر وأخذ مجموعة من العلماء لخليج السويس ليستطلع مكان القناة ولكنه عاد دون أن يتمكن من إتمام فكرته ثم تألفت لجنة من علماء فرنسا وأرسلوا لجنة من المهندسين لمصر لدراسة المشروع ولكن محمد علي رفض الموافقة لهم بحفر القناة في 30 يناير 1945 واستغل دي ليسبس وجوده قنصلاً لفرنسا في مصر وصداقته لسعيد وحصل منه علي امتياز حفر القناة في 1854/11/30 وهكذا تقول الوثائق التاريخية أن دي ليسبس خطف فكرة القناة لنفسه من سعيد باشا وخطف أرواح 100 ألف مصري أثناء حفر القناة ليكتب لنفسه مجداً ليس له.