سوق الدراما جبر واتبغددوا الوحشين ياأهل العقول والنظر ابكوا علي الحلوين.. هكذا حال سوق الدراما في مصر هذا الموسم مع اعتذارنا لصاحب اغنية ¢سوق الحلاوة جبر ¢.. عنف وبلطجة وسلاح وقتل ومخدرات وخيانة وغدر وغيرها من علامات وعناوين الحياة الوحشية الدموية التي تصدرها لنا دراما رمضان خلال السنوات الأخيرة وان بلغت ذروتها هذا العام.. غاب الكبار وخلت الساحة للصغار الذين فرضوا سطوتهم وبسطوا كلمتهم وارغموا الجميع علي الاستجابة لأهوائهم وأحلامهم فكانت النتيجة زلزال وهوجان وضاحي وقابيل وهابيل.. حتي معلم الصبية الرقيق المسالم تحول بقدرة خيال مؤلف مريض الي مجرم و ¢قتال قتلة ¢.. شخصيات النجوم فرضت نفسها علي باقي عناصر واضلاع الصنعة الدرامية بمن فيهم المنتج نفسه الذي يمثل الدولة لنجد فارقا شاسعا بين انتاج الدولة زمان وإنتاج الدولة الآن. غاب الكبار الذين اعتدنا علي طلتهم الساحرة الجميلة علينا في رمضان مثل عادل امام ويحيي الفخراني ومن قبل نور الشريف ومحمود عبدالعزيز وغيرهما.. وانتظرنا أن ينتهز جيل الشباب الفرصة المواتية لتعويض غياب الكبار واستعراض إبداعاتهم وانتظرناپ كمشاهدين تابلوهات فنية راقية ووجبات درامية نظيفة خالية من العنف والقتل والتخريب.. ولكن للأسف خابت آمالنا وتبددت احلامنا بعد أن حول النجوم الشباب تابلوهات التصوير الي حلبات مصارعة عنيفة وانقلبت استوديوهات الكوميديا والرومانسية إلي ساحات حرب مفتوحة تمارس فيها كل ألوان القتل والقنص والضرب والخيانة.. فسالت الدماء أنهارا في سيناريوهات غير محبوكة ولاتقنع صغارا في سن الطفولةپ.. انتصر النجوم علي المخرجين والمؤلفين بل فرضوا كلمتهم علي المنتج نفسه الذي يمثل الدولة فسيروا السفن علي رغبتهم ورفعوا شعار¢النجم عايز كده ¢بدلا من ¢الجمهور عايز كده ¢. لاأزعم بمشاهدة كل المسلسلات فهذا مستحيل لأنها تحتاج تفرغا كاملا طوال اليوم بلاعمل أو صوم أو عبادة وربما بلانوم أو طعام.. تابعت كلبش في نسخته الثالثة اعجابا بشخصية الضابط الوطني الشجاع قلب الاسد سليم الأنصاري في جزئيه السابقين.. لكن الجزء الثالث لم يأت بنفس الإثارة والتشويق والعمق وأفل نجم امير كرارة ليبزغ نجم الوحش هشام سليم الذي سرق منه الكاميرا وبدا وكأنه بطل العمل وهذه طامة كبري حين ينتصر سمسار الإرهاب الدولي وسفير جهنم الحمرة علي أسطورة سليم الأنصاري.. ومع قدوم الفاصل وطوفان الاعلانات أقلب بالريموت فأجد ¢حكايتي ¢وشدتني شخصية داليدا الفتاة البريئة الرقيقة التي تهرب من ماضيها المظلم وتهيم علي وجهها في الشارع بحثا عن الستر و الأمان وفي سياق المغامرة تواجه صدمات وكوارث ومطاردات من أطراف كثيرة حتي تلتقي ¢علي¢ فتجد معه ضالتها المنشودة وتبدأ قصة حب رومانسيه تعود بنا للستينيات والسبعينيات وفجأة يظهر غول العنف والقتل وتتلون الشاشة الرومانسية بلون الدم والقتل وكأنه مكتوب علينا الدوران دائما في فلك الدمار الشامل. من قبل تحدثت عن الدراما وضروة أن نتعامل معها كقضية أمن قومي. أجيال عديدة ولدت وعاشت وترعرعت علي قصص نجيب محفوظ ويوسف السباعي وتوفيق الحكيم.. ثم تحولنا الي أسامة أنور عكاشة ومحفوظ عبدالرحمن ويسري الجندي وغيرهم من فرسان الدراما النظيفة الطاهرة.. فكيف نترك الجيل الحالي فريسة لكوجاك وزلزال وبهلول وصفوان وضاحي وصدام.. انتبهوا ايها السادة قبل فوات الاوان وساعتها سنندم ونتحسر علي ماجري ويجري ونقول ¢سوق الدراما.. جبر¢.