في حوالي الحادية والستين من عمره المبارك شرع المصطفي صلي الله عليه وسلم في حشد أكبر قوة شهدتها الجزيرة العربية حتي هذا التاريخ وكان الحشد يجري علي قدم وساق تحت غطاء محكم من السرية والكتمان الشديد ولم يكن يعرف أحد من الصحابة بمن فيهم المقربون إليه ما هي نية الرسول القائد.. حتي أن أبي بكر سأل السيدة عائشة إن كانت تعرف لماذا هذا الحشد وما هي وجهته فأجابت بالنفي. وحشد حوالي 10 آلاف مقاتل بسلاحهم وخيولهم وإبلهم ودوابهم وطعامهم وشرابهم وترتيبهم في وحدات مترابطة متآلفة ليس بالأمر اليسير في ذلك الوقت. ومع المسير في إتجاه الجنوب علم المسلمون أنهم ذاهبون لفتح مكة سلماً مع استعدادهم للطوارئ وفي الطريق كان ينضم للمسلمين حلفاؤهم من القبائل المتمركزة بين المدينةومكة وكان المسير يتم عبر طرق ملتوية وربما مجهولة لإخفاء هذه القوة الضخمة بقدر الإمكان ولتحقيق المفاجأة علي المشركين في مكة المفاجأة في الوصول وفي حجم القوة وفي التوقيت. كان لابد للمسير من وقفات في الطريق للراحة والتزود بالماء وكان الجو قارساً ليلاً في ذلك الوقت "ديسمبر 629م". كان من أبرز خصائص عملية فتح مكة السيطرة الحازمة للرسول القائد صلي الله عليه وسلم علي المسلمين وإبلاغهم بأوامره وتعليماته في الوقت والمكان المناسبين كما كان الإمداد والتموين علي أعلي مستوي من الكفاءة والتنظيم. كان تحرك المسلمين من المدينةالمنورة لفتح مكة في أوائل رمضان عام 8 ه وتم الفتح يوم 20 رمضان ه وبقي الرسول بعد الفتح أسبوعين في مكة أي أنه عليه الصلاة والسلام قضي رمضان كله في الإعداد ثم المسير ثم فتح مكة والبقاء بها لما بعد عيد الفطر مما يعتبر درساً لمن يؤجلون أعمالهم دائماً لما بعد رمضان. كان من أبرز دروس الفتح محافظة الرسول صلي الله عليه وسلم علي الهدف الأسمي وهو فتح المدينة المقدسة سلماً مع تحطيم الأصنام كلها وتطهير الكعبة منها إلي يوم الدين. فتح الله لرسوله صلي الله عليه وسلم مكة يوم 20 رمضان ه وبقي فيها العشر الأواخر من رمضان محطماً خلال هذه العشر الأواخر 360 صنماً كانت في الكعبة وأرسل خالد بن الوليد في 30 فارساً من أصحابه لتحطيم العزي وأرسل عمرو بن العاص لهدم صنم هذيل "سواع" وأرسل سعد بن زيد الأشهلي في 20 فارساً لهدم مناة. وهكذا.. ولسوف يعطيك ربك فترضي.. أعطي الله رسوله صلي الله عليه وسلم فتح مكة وتحطيم الأصنام وتطهير الكعبة منها في العشر الأواخر من رمضان 8 ه وهي المرة الأولي والأخيرة التي يقضي فيها الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم هذا الوقت في مكة العشر الأواخر من رمضان ومن المؤكد أنه صلي الفروض والسنن والقيام وشكر ربه علي نعمه الكثيرة وأهمها القرآن الكريم وليلة القدر التي يلتمسها المسلمون في العشر الأواخر من رمضان. خرج الرسول من مكة مهاجراً للمدينة وكان عدد المسلمين جميعاً لا يزيد عن 2000 مسلم ومسلمة وها هو يعود في الغزوة رقم 25 من غزواته الثماني والعشرين بعشرة آلاف مقاتل وراءهم حوالي 150 ألف مسلم في المدينةومكة وفي كل الجزيرة العربية.