يظل الإنسان يحلم بفرص النجاح وتتعدد خططه ودعوته لنفسه وللآخرين باستغلال الفرصة. فإذا جاءت الفرصة التي عاش يحلم بها ويمني نفسه بها الأماني صار بين أمرين: إما أن يستغلها - وهو مدرك تمام الإدراك - أهميتها وخطورة عامل الوقت الذي يعده بالثواني وخطورة أنها فرصة أي استثناء قد لا يتكرر فيعمل علي ابتهالها ليل نهار حتي يحصل منها علي أحلامه التي حلم بها وأهدافه التي خطط لها فإذا ما انتهي زمانها شعر بالرضا عن نفسه وعن فرصته التي تحققت وعما حقق منها. أما الأمر الثاني فإنه يعتبر مجرد وصول الفرصة ومجيئها هو الغاية التي يسعي إليها والهدف الذي تمني تحقيقه وليست الوسيلة التي يريد منها تحقيق أهداف معينة فيتعامل مع فرصته الاستثنائية هذه دون إدراك لأهميتها أو لاستثنائيتها أو أنها ذات زمن محدود سينتهي حتما وقد لا يعود وبالتالي تمر الفرصة كغيرها من الأشياء التي تمر عليه ليكتشف بعد مرورها خطر ما ضيع وفرط وأهمل ليندم وقت لا ينفع فيه الندم. وها نحن تمنينا أن يبلغنا الله رمضان لننهل من رحمات الله فيه ومغفرته وعفوه وفضله واستجاباته وليلته التي هي خير من ألف شهر بصوم نهاره وقيام ليله والبذل للآخرين وإكرام الآخرين فقد كان رسولنا الكريم في رمضان أجود من الريح المرسلة كما ذكرت لنا سيدتنا أم المؤمنين السيدة عائشة.. مع العلم أن السخاء والجود لا يحد بكمية أو عدد وإنما جود الإنسان بما يستطيع وإن كان قليلا هو أعلي درجات الجود وقد قال الشاعر: ليس العطاء من الكثير سماحة.. حتي تجود وما لديك قليل وها نحن بلغنا رمضان والحمد لله علي ذلك والشكر له علي هذه المنة والفرصة التي منحنا إياها فهل نستطيع أن نكسب نفحات هذه العطية فلا نضيعها.. هل نستطيع؟ أم نصبح ممن رغمت أنوفهم أو ممن خابوا وخسروا لأنهم أدركوا رمضان ولم يغفر لهم. القضية في رمضان وفي غير رمضان ليست بمزيد من صلاة أو صدقة بقدر ما هي تطهير للقلوب وترقيق للمشاعر وإفساح أفئدتنا لنور الله سبحانه حتي لا يكون في هذا القلب ما سوي الله أي لا يكون في قلوبنا إلا الله سبحانه وتعالي نرضي لمرضاته ونغضب لغضبه ونحب له ومن أحب فلا يكره لأنه يحب من أحب الله ويحب أن يحب الله من ابتعد عنه.. يسعي لأن يجعله في رحاب خالقه برأفة لا بعنف ورحمة لا إرغام وبتودد لا تنقير. إذا النوافل وسيلة ومطية وسلم إلي الغاية الأسمي ألا وهي أن يكون الله ورسوله أحب إلي العبد مما سواهما.. والصلاة والتصدق والذكر وغيرها من نوافل العبادات وسيلة للوصول إلي هذا الحب الأسمي والأعلي. وليس هناك بيئة زمانية سوي رمضان يسهل فيها الوصول إلي هذه الغاية فهو شهر أوله رحمة كما ذكر رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار وهو شهر تصفد فيه الشياطين وتتنزل فيه الملائكة بالرحمات ويباهي الله بعباده الملائكة. فهو زمن ميسر للطاعة ميسر للخيرات يقول صلي الله عليه وسلم: "أتاكم رمضان شهر يغشاكم الله فيه فينزل فيه الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله" وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.