تزداد أهمية السينما فى المجتمعات التى تعيش مراحل التحول فى تاريخها مثل المجتمع المصرى فى هذا الوقت، الذى يشهد صراعاً بين أفكار بالية يتمسك بها غالبية الجيل القديم، وأفكار جديدة أصبحت عند أطراف أصابع الجيل الجديد على النت ووسائل التواصل الاجتماعى وقنوات التليفزيون المصرية والعربية والعالمية ولم يعد أحد يحتكر الحقيقة الآن. وفيلم "الضيف" هو ثانى تجربة للمؤلف إبراهيم عيسى بعد فيلم "مولانا" مع المخرج مجدى أحمد على قبل عامين، وهو التجربة الأولى للمخرج هادى الباجورى مع إبراهيم عيسى، وللباجورى تجربة ناجحة على المستوى الجماهيرى فى فيلم "هيبتا" عن رواية محمد صادق التى أقبل على قراءتها الشباب خلال السنوات العشر الأخيرة، أما فيلم "الضيف" ممكن التعامل معه كمسرحية من فصل واحد تنتمى للمسرح الذهنى الذى برع فى كتابته الراحل العظيم توفيق الحكيم، ويحكى الفيلم عن أسرة مصرية تعيش داخل منزلها الراقى فى سلام، الأب د.يحيى التيجانى، مفكر وكاتب إسلامى مستنير، له العديد من المؤلفات عن تجديد الخطاب والإصلاح الدينى، وقام بدوره خالد الصاوى، والزوجة مارلين مسيحية مصرية تعيش من أجل أسرتها الصغيرة، وقامت بدورها شيرين رضا، والابنة الوحيدة فريدة طالبة بالجامعة الأمريكية "جميلة عوض" التى تربطها علاقة عاطفية بدكتور مهندس شاب "أحمد مالك" الذى أنهى دراسته العليا فى الولاياتالمتحدة وعاد لمصر ويريد الزواج من الفتاة. يعتمد الفيلم على الحوار بشكل مبالغ فيه، بحيث إنه من الممكن أن تستمع إليه دون النظر إلى الشاشة، تماماً مثل برامج إبراهيم عيسى التليفزيونية التى تستحق أن تكون برامج إذاعية، لأنها صوت فقط، ولا تحتاج إلى صورة إبراهيم عيسى وهو جالس على المكتب يرتدى "الحمالات" ويتحدث بيديه ويعيد طرح أفكاره الموجودة فى مقالاته المنشورة فى الجرائد! يبدأ الفيلم بمونولوج للدكتور يحيى التيجانى يحكى خلاله ملخصاً لحياته، ويعترف بأنه فشل فى مسعاه، ويقرر الانتحار، ونعرف بعد ذلك أنه قال هذا المونولوج تحت تأثير السلاح للاعتراف بفشل أفكار الإصلاح الدينى التى يقدمها فى مؤلفاته، والحقيقة أن كلمات المونولوج صحيحة إذا تعاملنا معها على أنه مرغم على قولها، وهى فى نفس الوقت صحيحة كاعتراف من الكاتب المستنير أنه فشل فى الإصلاح والتأثير فى مجتمعه، لدرجة أن ابنته الوحيدة لم تقتنع بأفكاره، وأحبت أستاذ الجامعة الشاب الداعشى، الذى يؤمن بأفكار الإرهاب والعنف، ويستخدم الحيلة لإخفاء السلاح خلف آية قرآنية حملها كهدية لأهل العروس. أسرة د.يحيى التيجانى، هى المجتمع المصرى الحالى بكل مكوناته الطائفية التى تعيش فى سلام ظاهرى وتحارب الفتنة وعوامل الشقاق والخلاف.. وهذا المجتمع الذى ينشد الأمان يقتحمه شاب متعلم، ولكنه يحمل السلاح ويقنع الشابة مثله بأفكاره الهدامة. كذلك الأطراف الأخرى فى هذا المجتمع مثل الخال هانى "ماجد الكدوانى" وضابط الشرطة المكلف بالحراسة "محمد ممدوح".. هؤلاء غير مدركين لخطورة الأفكار الظلامية التى يحملها الشاب ونقلها للابنة البريئة، فالخال ينصح الأب المفكر بأن يتخلى عن أفكاره ويذهب للبحث عن السعادة والمتعة بعيداً عن المشاكل على شاطئ البحر، والضابط ينصح الأب بضرورة تهدئة نبرة الفكر المستنير، والتى تفتح عليه أبواب جهنم فى الإعلام، أو تُرْفَع القضايا عليه فى المحاكم، بالإضافة إلى اتهامه بازدراء الأديان حتى على مستوى السائق والجناينى. ولعل من أهم مشاهد الفيلم ذلك الذى يدور فيه الحوار حول حجاب المرأة فى الإسلام، وأعتقد أنه لم يسبق لفيلم مصرى مناقشة هذا الموضوع الحساس خاصة بعد سيطرة الإسلام السياسى منذ السبعينيات على الشارع المصرى، فقد كرر الأب الرأى الإسلامى الرسمى فى ذلك الموضوع، فى حين قال الداعشى عكس ذلك وأيدته فريدة، وهى فتاة مراهقة تريد أن تختلف عن والديها، رغم أنها تتعلم فى الجامعة الأمريكية وتعرف لغات ومنفتحة على العالم الخارجى، ولكن للأسف حتى بعض الشباب من أوروبا ينتمون إلى فكر داعش، بل ويحاربون فى صفوفهم، للأسف الشديد. الأداء التمثيلى فى فيلم "الضيف" فى أفضل حالاته، والفيلم فى مجمله قدم صورة للحالة التى يعيشها المجتمع المصرى خلال هذه المرحلة، والرقابة سمحت بعرض الفيلم (+16) وهو فيلم جرىء وجذاب وقادر على إثارة الجدل فى المجتمع، وكذلك قادر على هز الثوابت الراسخة ويساهم بالتأكيد فى الحرب الدائرة ضد الإرهاب، وضد الأفكار التى تأتى بالإرهاب، وهذا هو الأهم.