في الأسبوع الماضي. أمضيت في المغرب الشقيق خمسة أيام. مشاركاً في المؤتمر السنوي الستين للاتحاد الدولي للصحفيين والكُتَّاب السياحيين "فيجيت FIJET" الذي عقد في مدينة مراكش في الفترة من 29 نوفمبر وحتي الثالث من ديسمبر.. وتلته خمسة أيام أخري لزيارة مدن المغرب العتيقة: فاس. ومكناس. والرباط. انتهاءً بالدار البيضاء.. ولم تُتِح لي بعض ارتباطاتي. وكذلك ظروف صحية أن أشارك في هذا الجزء من الزيارات.. وإن كنت قد سعدت بزيارتها في مرات سابقة. وقد تكرم جلالة الملك محمد السادس. ملك المغرب. بوضع المؤتمر تحت رعايته. وشارك في افتتاح المؤتمر وزير السياحة. وزير الثقافة.. وقد شارك في المؤتمر وفود من دول الاتحاد الأربعة والخمسين.. ورأس المؤتمر الزميل العزيز تيجاني حداد. رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والكُتَّاب السياحيين. وحضره باقي أعضاء مجلس إدارة الاتحاد. الذي يشغل فيه كاتب هذه السطور منصب نائب الرئيس بالانتخاب للدورة الثالثة علي التوالي.. وقد سبق للمغرب الشقيقة أن استضافت هذه المؤتمر السنوي للاتحاد الدولي للصحفيين والكُتَّاب السياحيين في عام 2007. وتأتي أهمية استضافة الدول لهذا المؤتمر من أهمية العائد الدعائي للدول المضيفة بعد عودة الصحفيين والكُتَّاب السياحيين إلي بلادهم. وكتابة مقالاتهم وتقديم تقاريرهم الصحفية والإذاعية والتليفزيونية.. وقد أصبح تقليداً من تقاليد هذا الاتحاد.. وأيضاً التزاماً علي أعضائه المشاركين في مؤتمراته السنوية.. أن يقدم كل مشارك منهم مقالين علي الأقل عن البلد المضيف لمؤتمر الاتحاد خلال الستة أشهر التالية لانعقاد المؤتمر.. وتقوم سكرتارية الاتحاد بتجميع هذه المقالات في كتاب تحت عنوان "الكتاب الصحفي" ليقدم كهدية للبلد الذي استضاف مؤتمر الاتحاد. ويحتوي علي ما يتراوح بين ثلاثمائة وأربعمائة مقال وتقرير وتحقيق صحفي عنه. ويعتبر عائداً لا يقدر بمال كدعاية غير مدفوعة الأجر. وهي أعظم تأثيراً بلا شك من أي دعاية مباشرة.. وقد استضافت مصر هذا المؤتمر عدة مرات.. وبالتالي نحتفظ بعدة مجلدات عن مصر بأقلام مئات الصحفيين من أنحاء العالم.. وهي دعاية لا تقدر بثمن.. وسوف تستضيف مصر هذا المؤتمر بإذن الله في عام 2020. وقد تولي زميلنا في المغرب نجيب صنهاجي. الإشراف علي ترتيبات هذا المؤتمر الذي استغرق الإعداد له نحو الثمانية أشهر. تردد خلالها رئيس الاتحاد الزميل العزيز تيجاني حداد مرات عديدة علي المغرب لمتابعة الترتيبات.. وبالمناسبة فإن تيجاني حداد كان عضواً منتخباً في البرلمان التونسي. وشغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان.. كما أنه كان أول صحفي سياحي يتم اختياره وزيراً للسياحة.. وقد شغل المنصب لأربع سنوات. وقد حقق المؤتمر في المغرب نجاحاً كبيراً. وأبدت الوفود المشاركة تقديرها لدفة التنظيم. وحرص زملاءنا في المغرب علي تقديم صورة كاملة للتسهيلات السياحية التي توفرها المغرب لملايين السياح الذين يزورون المغرب.. والذين وصل عددهم في عام 2017 إلي 11 مليوناً و350 ألف سائح.. وتستهدف المغرب مضاعفة هذا العدد في عام 2020 وكذلك مضاعفة الدخل السياحي ومضاعفة الطاقة الإيوائية التي وصلت إلي نحو ربع مليون سرير. وقد وفرت المغرب لأعضاء المؤتمر زيارات لأهم المناطق السياحية في منطقة مراكش وما حولها خلال انعقاد المؤتمر الدولي للصحفيين والكُتَّاب السياحيين بها FIJET وعلي رأسها بطبيعة الحال المدينة القديمة "مراكش" وخاصة "ساحة الغناء" التي تتحول ابتداءً من انحسار الشمس وإلي ما بعد منتصف الليل إلي ساحة كرنفال أو مهرجان يومي يضم كل الحرف الشعبية وينتشر في الساحة الحواة والسحرة ومروضو الثعابين والقرود وباعة الحلوي والفواكه والأطعمة المغربية. ومنتجات المغرب التقليدية من الجلود والأزياء وغيرها.. وقد وضع اليونيسكو هذه الساحة ضمن قائمة التراث الإنساني.. وقد أتيحت لنا أيضاً زيارة بعض المنازل التراثية وعلي رأسها قصر "باهية" الذي كان فيما مضي سكناً لرئيس الوزراء.. وتحتفظ مراكش. وبعض المدن التاريخية المغربية بالكثير من هذه الدور التي يسمونها "الرياض" وتدخل هذه الدور ضمن الدور السياحية التي يمكن للسياح الإقامة فيها والاستمتاع بها.. وهي دور مازالت تحتفظ بتراث مغربي عريق في العمارة والديكورات الداخلية.. وقد تتاح لي مرة أخري فرصة الحديث عن استغلال هذا التراث المعماري الفريد في إقامة السياح.. خاصة أننا نملك في مصر مئات من هذه الدور والقصور تنتشر في الكثير من مدن مصر وقراها.. سواء في صعيد مصر.. أو في الوجه البحري. .. وأكتفي اليوم بهذه الإشارة السريعة إلي بعض ما تقدمه مراكش لزوارها علي أمل أن أعود إليه في مرة قادمة. لنتعرف علي تجارب الأشقاء من حولنا.. وأشير اليوم إشارة سريعة إلي موضوع آخر في غاية الأهمية وهو ما كان عنواناً للمناقشات التي دارت في المؤتمر.. وأعني به "السياحة والثقافة.. وارتباط كل منهما بالآخر". لا شك أن الحديث في هذا الموضوع كان يتطلب أولاً تعريف ماهية الثقافة.. وبين التعريفات العديدة أخذت في تعقيباتي علي المناقشات التي دارت في المؤتمر أن أشير إلي أن الثقافة في أحد تعريفاتها هي أسلوب حياة.. وأن هذا الأسلوب هو ما يتحكم في حياة الناس. ويوجه تصرفاتهم اليومية.. وقد ارتفعت الشكوي من بعض سلوكيات السياح وعدم احترام بعضهم للبشر أو للحجر أو للتراث.. وكانت الشكوي من تشويه الآثار وتخريبها مشتركة بين معظم المتحدثين.. وكان التفكير بالتالي في التوقف عن استقبال سياحة الملايين الرخيصة.. التي يمكن أن تجذب بعض من لا وعي لهم.. ممن يشوهون الآثار إما بكتاباتهم عليها.. أو حتي أحياناً بالاعتداء عليها بالكسر أو التخريب.. وثارت في هذا مناقشات عديدة.. لا يكفي المجال هنا اليوم لعرضها والتعليق عليها.. وربما أتيحت لنا فرصة أخري.. إن لم تجرفنا الأحداث إلي موضوعات أخري أكثر إلحاحاً. وخلال هذه المناقشات كان عليَّ أن أتدخل مرة أخري عندما استخدم البعض تعبير "السياحة المستدامة" لأقول من جانبي إن السياحة المستدامة هي من ناحية أخري تعبير عن ثقافة مجتمع ما. فأن تستقيم السياحة. يعني أن تملك ثقافة استمرار وتنمية هذه السياحة دون تأثيرات سلبية علي المجتمع المحيط بكل المناطق السياحية والأثرية.. والمحافظة علي التراث والتقاليد والموروثات الشعبية.. وإشراك هذه المجتمعات في النمو السياحي وفي جني عائدات السياحة.. وهو أيضاً من ناحية أخري ثقافة استدامة النمو السياحي مع حفظ حق الأجيال القادمة في أن تكون لها تنميتها السياحية المستدامة من وجهة نظرها هي.. لا من وجهة نظر الأجيال السابقة عليها. ومرة أخري.. هذه كلها موضوعات في حاجة إلي حديث آخر بإذن الله.