بكل المصارحة والشفافية.. كان الرئيس السيسي واضحاً مع المواطنين خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة يوم الخميس الماضي. تحدث الرئيس كما ذكر كإنسان ومواطن مصري قبل أن يكون رئيساً.. مقدراً أمانة حجم الأعباء والتحديات التي تواجه الوطن في ظل متغيرات دولية واقتصادية هائلة.. وزيادة سكانية مطردة لابد أن ننتبه لها ونجد لها حلولاً جذرية حاسمة حتي يمكن أن نجني ثمار عمليات الإصلاح والتنمية التي لم تتوقف خلال السنوات الأخيرة. وبكل تأكيد. فإن هذه التضحيات هي التي تصنع المستقبل.. وقد كانت تضحيات جيل أكتوبر منذ نكسة 67 وحرب الاستنزاف هي التي فتحت الطريق إلي هذا النصر المؤزر الذي وضع مصر في مكانتها المستحقة.. فكيف لشعب أن يعيش مهزوماً مكسوراً بلا كرامة. ومرارة ذاقها المصريون خاصة. الذين كانوا يعيشون في الخارج؟!! ولعل عبارة "إزالة آثار العدوان" هي أصدق دليل علي الظروف الصعبة التي عاشها المصريون بعد النكسة. هذه العبارة ربما لا تدركها أجيال عدة تبلغ من العمر 50 عاماً فما أدني.. وذلك باعتبار أن حرب أكتوبر مضي عليها 45 عاماً. وإن كان مَن كان عمرهم 5 سنوات عند قيامها لم يكونوا قد وصلوا بعد لسن الوعي والإدراك الذي يسمح لهم بمعرفة الحقائق من حولهم. أما الجيل الذي سبقهم في العمر بعشر أو عشرين عاماً. فأظنها مازالت تحمل الكثير من الذكريات لديهم. * * * فلقد كان لنكسة 67 آثارها التي نالت من كل بيت في مصر خلال هذه الفترة بشكل أو بآخر.. بدءاً من تقديم الشهداء الأبرار من الأهل والأصدقاء. فداءً لمصر في أعظم قيم التضحية والعطاء.. وحتي أقل القليل الذي تمثل في العيش في أجواء الحروب. صافرات الإنذار.. وزجاج النوافذ التي طُليت باللون الأزرق. وأحيطت بالشرائط اللاصقة تحسباً لغارات الطائرات التي كانت تخترق سماء مصر قبل إقامة حائط الصواريخ الذي شيده الأبطال بأرواحهم.. الشباب الذي ذهب يؤدي فترة تجنيده وهو لا يعرف متي ينهي هذه المهمة المفتوحة التي تجعله يترك وظيفته أو عروسه التي كان لا يستطيع أن يعدها بموعد زفافه إليها إلا بكلمة أن الفرح سيكون بعد النصر وإزالة آثار العدوان. حتي أن المتزوجين. قدموا "دبل الزواج" تبرعاً للمجهود الحربي.. كرة القدم اللعبة الشعبية المحببة توقفت. الأحوال الاقتصادية للبلاد لم تكن علي ما يرام. واضطر الكثير من التجار وأصحاب الأعمال إلي إشهار إفلاسهم.. فكل قرش موجه للمعركة التي لا صوت يعلو علي صوتها.. فهل تصدق هذه الأجيال قبل الخمسين أن قطعة صابون أو "باكو" شاي أو بعض السكر كان الباحث عنها في الأسواق كالباحث عن إبرة في "كومة من القش"!! المطبات ملأت أكبر الشوارع والميادين لأن رصف الممرات والمطارات أهم بكثير من مثل هذه الكماليات.. حتي طلاب المدارس دربوا علي استخدام السلاح بعد أن تحول الزي المدرسي إلي الزي العسكري.. والمستشفيات دائماً في حالة طوارئ.. الموظفون يتبادلون فيما بينهم "نوبتجيات" للمبيت في العمل.. بعض المصايف والبلاجات أصبحت مأوي للمهجرين من مدن القناة.. والأتوبيسات مزدحمة مكدسة بالركاب كعلب السردين لأن الدولة توقفت عن شراء أتوبيسات جديدة في ظروف الاستعداد للمعركة. أما أقسي الآلام فكانت الدعاية السوداء التي كانت تتناقلها بعض الصحف ووسائل الإعلام المعادية عن قوة العدو الذي لا يقهر. ولن يُقْهَر.. وكان يقرأها المتعلمون فيصابون بالمرارة.. أما العامة من الناس وغير المتعلمين فكان سلاح "التنكيت" ضدهم أقصي وأوسع انتشاراً. كل هذا وغيره ترك بصماته علي الحياة في مصر.. حتي كان السادس من أكتوبر الذي كتب تاريخ مصر والمصريين من جديد.. بدد القهر والخوف واليأس والمرارة وأعاد الثقة في النفوس. ولهذه الأجيال التي لم تعش أجواء التضحية والفداء والعطاء.. ولكل الأجيال جميعاً نذكرها بأن وعي وعطاء الشعوب هو الذي يصنع مستقبلها.. فلنتشارك جميعاً من أجل غدي أفضل بإذن الله. * * * عبداللطيف فايد .. معلم الأجيال رحم الله المعلم والأستاذ الكبير الراحل عبداللطيف فايد. الذي غيَّبَه الموت راضياً مرضياً. بعد أن أدي الرسالة الصحفية علي أعظم ما يكون العطاء. كان رُكنه المميز بصالة الأخبار بجريدة "الجمهورية" في مبناها القديم شاهداً علي هذا العطاء سواء في القسم الديني أو قسم المحافظات.. خرَّج زملاء وأجيالاً عديدة من خلال تعاونه بكل الجدية مع كل رؤساء التحرير علي مدي أكثر من 60 عاماً بتواضع ورُقي. جعلهم جميعاً يتمسكون ببقائه حتي آخر العمر.. رحم الله الأستاذ المعلم. وكل العزاء لأسرته وتلاميذه ومحبيه.