كل خبراء التنمية في العالم اتفقوا علي أن التعليم هو القاطرة الأساسية للتنمية والتغيير للأفضل في أي مجتمع وأن كل الدول التي تتبني أنظمة تعليمية تقليدية لا علاقة لها بواقعها ومشكلاتها واحتياجاتها لن تتقدم ولن تتغير وستستمر في إهدار مواردها علي تعليم عشوائي فاشل لا ينهض بها. هذه الحقيقة يدركها ويؤمن بها كثير من خبراء التنمية في مصر وكثير من خبراء الاقتصاد والتعليم يكررون هذا الكلام في المؤتمرات والندوات وفي أحاديثهم في الفضائيات ومع ذلك لم تشهد مصر خلال العقود الأخيرة أي تطوير حقيقي لمنظومة التعليم. ورغم شعارات تطوير التعليم التي رفعت في عهود سابقة لم يحدث تطوير ولم نضع أقدامنا علي طريق هذا التطوير وأهدرنا المليارات علي تعليم تقليدي فاشل يخرج المزيد من العاطلين ولا يخرج"عاملين مهرة" في مختلف المجالات. هذا الفشل التعليمي لا تتحمل مسئوليته الدولة وحدها بل نتحمل نحن أولياء أمور التلاميذ والطلاب قدرا كبيرا من المسئولية ومنذ أسابيع لاحظت إصرار صديق علي نقل ابنه من معهد فني محترم من المفترض أنه يخرج فنيين مهرة في تخصصات متعددة في قطاع التكنولوجيا الي جامعة خاصة. فسألته عن سبب إصراره علي ذلك فرد دون تردد: لما الولد يتخرج ومعه شهادة "كلية" أفضل من شهادة "معهد".. أريد أن أؤمن له مستقبله!! هذا المنطق الخاطيء يسيطر- للأسف- علي كثير من المصريين الذين ينخدعون بالمسميات ويفرضون علي أولادهم "بطالة" مقنعة بعد التخرج. ونادرا ما يوجد بيت الآن يخلو من واحد من هؤلاء الذين يحملون شهادات ولا يجيدون عملا. وكثير منهم لا يصلحون لأي عمل حيث حفظوا مجموعة من المقررات الدراسية الهشة ووضعوها في كراسات الإجابة ونسوها قبل ظهور النتيجة.. ثم تخرجوا يحملون شهادات وهم عالة علي أسرهم.. بل عالة علي المجتمع كله. لابد أن نعترف في شجاعة بأن التعليم في مصر يحتاج الي ثورة حقيقية ويحتاج الي تغيير ثقافة المصريين تجاه تعليم أولادهم ويحتاج الي ربط كل أنظمة وبرامج التعليم بمشكلات مصر الحقيقية. فلا فائدة من كلية تخرج عاطلين. ولا حاجة لتخصص يعاني المجتمع من وفرة فيه. ولا ضرورة لكلية تحمل إسما براقا وتخرج شبابا لا يجدون عملا في تخصصاتهم ويضطر بعضهم الي الهروب للخارج بحثا عن أي عمل حتي ولو كان في تنظيف المطاعم وغسل الأطباق بها كما وجدنا بعض الشباب المصري خلال زيارتنا لإيطاليا مع أوائل الثانوية العامة منذ شهور. لذلك يجب دعم خطة تطوير التعليم التي بدأت أولي مراحلها هذا العام. وعلينا أن نتوقف عن السخرية علي مواقع التواصل الاجتماعي من أوضاع خاطئة موجودة في مدارسنا. فالتغيير والإصلاح يحتاج الي وقت. ويحتاج الي جهد. ويحتاج الي إحساس المجتمع كله بضرورة وحتمية هذا التغيير حتي لا نعيش علي "وهم" أننا نعلم أبناءنا.. ثم يتخرجون يحملون شهادات جامعية ذات أسماء براقة وهم أجهل خلق الله وبعضهم لا يجيد كتابة سطر صحيح بلغته العربية وليس بلغة أجنبية قام بدراستها وأخذ دروسا خصوصية فيها منذ نعومة أظفاره!! يجب أن نعترف بأن معظم كلياتنا ومعاهدنا تخرج كل عام عشرات الآلاف من العاطلين. لأنهم لم يؤهلوا خلال دراساتهم لممارسة أي عمل. وظنت أسرهم بأنهم سيضافون إن عاجلا أو آجلا الي دواوين الحكومة ليضيفوا أعباء علي أعبائها ولا يجدون كراسي ومكاتب يجلسون عليها فضلا عن عدم ممارستهم أي عمل. وقد جاء تصريح د.هالة السعيد وزير التخطيط منذ أيام بوقف التعيينات في الحكومة صادما لهؤلاء الذين لا يزالون يرغبون في تراب الميري. ثورة إصلاح التعليم المصري ينبغي أن تستمر وألا نسمح لأحد بالوقوف في طريقها وأن نستفيد من تجارب وخبرات الدول التي اعتمدت علي التعليم لتحقيق أكبر نهضة علمية واقتصادية.. علينا أن نستفيد من تجارب ألمانيا واليابان وسنغافورة.. بل علينا أن نستفيد من تجربة دولة إسلامية مثل ماليزيا وما حققته من تقدم بفضل عنايتها بالتعليم. لا ينبغي الالتفات الي الطابور الخامس الذي يحاول تعطيل كل إصلاح في مصر ويستغل مواقع التواصل الاجتماعي لنشر سمومه وشغل المصريين بمشاهد خاطئة هنا وهناك. منذ أيام طاردتنا مافيا التشكيك وتشويه الحقائق التي تعيش بيننا وتنعم بخيرات مصر بصور مرفوضة من داخل بعض المدارس وحاولت استغلالها لتشويه جهود إصلاح التعليم.. والمؤسف أن بعض المصريين استجابوا لها وتناقلوها دون أن يدركوا أهدافها الحقيقية. مع أن المشاهد قديمة وتم التعامل معها بما تستحق من حسم. يجب أن ندرك أن مستقبل هذا الوطن مرتبط بالتعليم والبحث العلمي واذا لم نؤهل أولادنا جيدا لسوق العمل فسوف يكونون عالة علينا في المستقبل وستكون سنوات التعليم الطويلة التي قضوها في المدارس والجامعات بلا فائدة. علينا أن نعي أن تطوير التعليم وتحديثه وربطه بخطط وبرامج التنمية سيصب في مصلحتنا- نحن الشعب- قبل أن يصب في مصلحة الدولة. فالمستفيد الأول من التعليم هو الإنسان. وبفضل التعليم الجيد سيحقق كل إنسان طموحاته داخل مصر أو خارجها. والعقل المصري يستوعب كل برامج التعليم لو قدمت له بشكل جيد وفي إطار من الانضباط التعليمي. كثير من المصريين نبغوا في أمريكا والدول الأوروبية وأصبحوا أداة لنهضة البلاد التي هاجروا إليها بفضل ما تلقوه من تعليم وما اكتسبوه من خبرات ومصر في أمس الحاجة الي عقول وخبرات أبنائها ليكونوا بناة حقيقيين لمستقبل هذا الوطن.