كلما تأملت ما عليه أمريكا الآن من قوة عالمية تطول يدها كل مكان في العالم مسيطرة عليه بأي شكل من أشكال السيطرة.. اقتصادية أو عسكرية أو دبلوماسية أو أي سيطرة يتخيلها العقل الإنساني.. هذا كله رغم انها دولة حديثة لا يمتد وجودها سوي سنوات قليلة لا تصل إلي أصابع اليد الواحدة.. كلما تأملت ذلك وقارنت بينها وبين الأمة العربية التي تضرب جذورها في التاريخ الا انها أمة ممزقة إلي طوائف ومذاهب متناحرة أو علي الأقل متنافرة دب الحزن في أعماقي وسيطر الغم والألم عليّ لما نحن فيه. تمكنت أمريكا الدولة الحديثة من ان تكون دولة كونية ترث بريطانيا العظمي.. الامبراطورية التي لم تغرب عنها الشمس. تواتيها فرصة لبزوغ نجمها كقوة عسكرية بعد تحقيق نصر عظيم في الحرب العالمية الثانية لتقود الدول الغربية الرأسمالية بعد أن أصبحت أكبر قوة اقتصادية وصناعية وعسكرية في العالم لتخوض حربا أخري باردة مع الاتحاد السوفيتي الذي اتخذ من الشيوعية طريقا ومنهجا يحاول كل منهما استقطاب اكبر قدر من الشعوب لتدور في فلك أي منهما. تأتي أزمة الصواريخ الروسية في كوبا والتي اعتبرتها الولاياتالمتحدة تهديدا لها تحاصر أمريكا تلك الأماكن التي أقام فيها الاتحاد السوفيتي قواعده الصاروخية يضطر خروتشوف رئيس الاتحاد السوفييتي إلي فك قواعده لتنتهي الحرب الباردة بين القطبين العالميين بانتصار أمريكا. يتوج هذا النصر ما حدث بعد أقل من ثلاثة عقود تفكك الاتحاد السوفيتي إلي دول متعددة وانهيار الفكر الشيوعي في العالم وفشله كمذهب اقتصادي واجتماعي مخالف للطبيعة البشرية بوعود لا مكان لها علي أرض الحقيقة وعضد هذا الانتصار ما حققته أمريكا من انتصارات عسكرية في عاصفة الصحراء التي كان سببا فيها غرور صدام حسين وتهوره الذي دفعه إلي احتلال دولة الكويت طمعا في آبار البترول فيها. من ذلك كله اصبح في العالم ما سمي بالقطب الأوحد الذي يشكل خريطة الدنيا وسياسة الدول.. هذا القطب - أمريكا - تهدد من تشاء ويزيح من يشاء. العجيب ان العالم العربي لم يتحرك طوال هذه الحقب ولا يستيقظ من سباته المخيم علي عقله وفكره رغم الثورات المتعددة التي اشتغلت علي مدي السنوات الماضية بل ضرب في جوانب حياته روح التبعية والانقسام. تقزم العالم العربي أكثر وأكثر بالحروب الطاحنة بين ابنائه سوريا دمرت وفي طريقها إلي التقسيم ما بين علوي وسنة وأكراد خلاف صيبة داعش التي تحركها جهات اجنبية مشبوهة واليمن الذي لم يعد سعيدا انقسم علي نفسه جزء مع ايران تمده بالسلاح ضد الجزء الآخر من ابناء اليمن وكذلك ليبيا بها ما بها من خراب وتدمير والنتيجة الحتمية تمزق الأمة العربية. ضاعت القومية العربية وضاعت العروبة في زمن تسعي الشعوب فيه إلي التجمع ولم الشمل وتكوين اقتصاد قوي يتحدي الأزمات.