انعقد مؤتمر ميونيخ للأمن. وانفض دون أن يتفق المؤتمرون علي وضع تعريف جامع مانع للإرهاب.. والأدهي أن هناك رؤساء دول وشخصيات كبيرة معروفة بدعمها للإرهاب ورغم ذلك فقد تحدثوا عن مواجهة هذا الإرهاب. وأعربوا في الوقت ذاته عن وقوفهم ضده. ورغم أن الإرهاب جريمة نكراء تعادي الإنسانية وتنبذها كافة الأديان أيا كان مرتكبها وضد أي من البشر ارتُكبت» فقد طالت نيرانها دولاً كثيرة في الشرق والغرب وهي قطعاً جريمة مدانة ومرفوضة شكلاً وموضوعاً لكنها للأسف كاشفة لازدواج المعايير ونفاق الأنظمة لبعضها البعض فإذا وقعت حادثة إرهابية في فرنسا أو أمريكا مثلاً بادرت دول العالم تستنكر وتبدي التعاطف مع ضحايا الدولة المنكوبة بالإرهاب وتعرض عليها شتي ألوان المساعدة والدعم. خلافاً لما نراه إذا ما وقعت حادثة إرهابية مماثلة في سيناء أو غيرها من أرضنا فتأتي ردود الفعل باهتة مغلفة بالمصالح والهوي السياسي بل إن الصحافة الغربية والمنظمات الحقوقية مثلا لا تزال تنعت الإرهابيين في سيناء ب"المقاتلين" وتساوي بين الدولة والخارجين عليها. بين من يدافع عن تراب وطنه ومن يعتدي ويسفك دماء أبرياء ويستهدف رجال الجيش والشرطة الذين يؤدون واجبهم في الذود عن تراب الوطن وسيادته. ولا أبالغ إذا قلت إن ثمة تربصاً واضحاً بمصر يعزز مخاوف البعض هنا بوجود مؤامرة متعددة الأطراف والأهداف تقودها دول كبيرة» بغية استنزاف مصر اقتصادياً وإضعاف الروح المعنوية لشعبها وجيشها» تمهيداً لإخضاعها وإحكام السيطرة عليها. ولا يزال المتربصون بمصر يراهنون علي شق صفها الوطني وتفتيت جبهتها الداخلية. وإضعاف التأييد الشعبي الكبير الذي يحظي به رئيسها..ولا يزال المجتمع الدولي للأسف يكيل بمكيالين» فبينما تقاعس هذا المجتمع دولاً ومنظمات ووسائل إعلام عن صياغة تعريف محدد للإرهاب. نراه يصف الإرهاب بأوصاف مائعة. ولا يتخذ موقفاً حاسماً إزاء داعميه ومؤيديه ومن يوفرون له الملاذ الآمن والتمويل والمعلومات الاستخباراتية . وتتذبذب مواقف الأطراف الدولية وفقاً لمصالح كل طرف وهواه. ورغم أن مصر ضحية للإرهاب البغيض شأنها شأن دول أخري فإن القاهرة لم تنل من الدعم والتعاطف والمؤازرة ما لقيته تلك الدول في مفارقة بغيضة تنم عن ازدواجية وتربص واضحين ..فإذا لم تكن تلك ازدواجية فماذا نسمي ما يحدث معها..مصر التي تحارب الإرهاب نيابة عن العالم كله وتدفع فاتورة استقرار المنطقة والعالم بحسبانها عامود الخيمة في الإقليم لا تزال ترميها سهام الخسة والتآمر» وكأنها تدفع ثمن مواقفها الحاسمة وتصديها بكل قوة لمخطط تقسيم المنطقة وتفتيت دولها لحساب المشروع الصهيوأمريكي الخبيث الرامي لخدمة إسرائيل وتحقيق أحلامها في قيادة المنطقة وإنشاء دولتها المزعومة من النيل للفرات..!! فإذا سلمنا بوجود تربص وتآمر علي مصر دون تبرئة أنفسنا من أوجه قصور هنا أوهناك.. أفلا يستلزم ذلك الوقوف مع الدولة في مواجهة تحديات ومخاطر تهدد وجودها ..ألا يحتاج ذلك إلي مزيد من الحسم وإظهار العين الحمراء لكل من يحاول العبث بأمنها ووحدتها وتعريضها لخطر التناحر والفرقة..ألا يتطلب ذلك الضرب بيد من حديد لكل من يعمل ضد المصالح العليا للبلاد ؟! علينا أن نستلهم تجربة فرنساوبريطانيا مثلاً في تعاملهما مع الإرهاب وتداعياته» فعندما تعرضت الأولي لحوادث إرهابية لم يجرؤ الإعلام ولا اليمين ولا اليسار علي انتقاد تلك الإجراءات ولا الاقتراب من حالة الطوارئ مراعاة للمصالح العليا لفرنسا ..أما بريطانيا فقد خرج رئيس وزرائها في أعقاب حوادث إرهابية مماثلة ليقول بوضوح: عندما يتعلق الأمر بأمن بريطانيا فلا تحدثوني عن حقوق الإنسان..أما المعادلة الصعبة فتستلزم في رأيي المزاوجة بين الأمن والحريات والحقوق دون التفريط في أي منهما لحساب الآخر. لا يخالجني أدني شك أن بلدنا سينتصر في حربه الضروس ضد الإرهاب والتآمر» ذلك أن حقائق التاريخ تجزم بأن جماعات الإرهاب مآلها إلي زوال وتبقي الدول وتنتصر الشعوب ..فما بالنا بشعب مصر الذي يستعصي علي التذويب والفناء فقد امتص بقدرة فذة الغزاة ولفظ الخونة وتجاوز كل المحن وخرج منها أقوي مما كان. واحتفظ بروحه الحضارية وحالته المعنوية عالية حتي في أحلك الظروف وأشدها مرارة وقسوة ..وما وجدنا شعبا في العالم كله كشعب مصر لا يبالي بالمحن بل يطوع الأزمات ويلجأ إلي النكتة» استخفافاً بها وتهويناً من شأنها مهما تكن جسامتها. أما لماذا جاء قرار الرئيس السيسي ببدء عملية سيناء 2018 لتطهير مصر تطهيراً شاملاً من الإرهاب حتي لا يطول أمد استنزافها وإهدار مواردها في معركة تديرها دول بأيدي عناصر متطرفة عشوائية ضالة. جعلت من الإرهاب فكراً تعتنقه وتؤمن به بل تتقرب به إلي الله. وإستراتيجية بعيدة المدي تبغي هدم أهم أركان الدولة المصرية وهو جيشها وقوات إنفاذ القانون وبسط الأمن فوق ربوعها. وهي جماعات تري إراقة دماء المصريين قربي وجهاداً دون أن تتدبر قول الله العظيم "ومن قتل نفساً بغير نفسي فكأنما قتل الناس جميعاً". ولا أدري أي جهاد هذا الذي تحمل عناصر الشر رايته في دولة مؤمنة بالفطرة وآمنة بحسب وصف القرآن الكريم لها .. وبأي منطق يقبله العقل أن ينقاد هؤلاء المضللون لدول معادية تمنُّ عليهم بالفتات وتدعمهم بالسلاح والمعلومات» طلباً لهدم دولة بحجم مصر ..كيف تتلاقي إرادة هؤلاء المدعين للإسلام والجهاد مع إرادة تجار الدين في الداخل وأعداء الدولة في الخارج لتنفيذ مخططات الشيطان..ألم يروا ما جري للعراق بعد أن جاءته الديمقراطية الوهمية علي أسنة الرماح وفوق الدبابات الأمريكية ..هل تنعم العراقيون بالديمقراطية والحكم الرشيد..أم ضاع أمنهم واستقرارهم ونفطهم ومواردهم في أتون الصراعات والمطامع الاستعمارية في أحدث طبعاتها..؟! ولعل بيانات الجيش المصري المتتالية تكشف إلي أي مدي وصل التكالب علي مصر من كل صوب وحدب.. وإلي أي مدي بات وضع الإرهابيين صعباً في سيناء» بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وباتوا علي شفا الهاوية بعد أن قُضي علي أغلبهم وانقطع عنهم المدد والإيواء إلا قليلاً يتصدي لهم جيشنا بكل قوة وحزم..حتي لم يجد زعيم ما يسمي بتنظيم القاعدة مفراً من الخروج من جحره» داعياً تنظيم الإخوان بالخروج المسلح علي الدولة. وهو ما تزامن مع دعوة "داعش" إلي مقاطعة الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في مصر .وتزامن في الوقت نفسه مع شن عمليات إرهابية شرسة ضد قواتنا في سيناء. لقد اتحدت إرادة المتآمرين ضد مصر» سواء العناصر الفاسدة الخائنة في الداخل أو قوي الخارج المتربصة التي لا تريد أبداً أن تنتقل مصر للمستقبل أو تنعم بالاستقرار والعدالة الاجتماعية. أو تستكمل حركة البناء والعمران التي قطعت فيها شوطا لا بأس به. لم تعرف مصر علي مدي تاريخها العريق شيئاً من ذلك الذي تعانيه اليوم» فهي مستهدفة بأيدي بعض أبنائها من التيارات "المتأسلمة" الذين يجري توظيفهم لتحقيق أجندة الغرب ومآربه..فثمة من يمول ومن يحرض ضد إرادة الشعب الذي خرجت ملايينه في 30 يونيو للإطاحة بحكم الإخوان الفاشي ومن ساعتها وتنظيمات التطرف تعيث بأرضنا فساداً واحتراباً أهلياً ..ولم تنس أمريكا لثورة 30 يونيو أنها أوقفت وصايتها علي دول المنطقة. وقضت علي أحلامها التي نسجتها اتفاقاً مع الإخوان لتقسيم المنطقة. ومكنت مصر من الاستقلال بقرارها الوطني.. ولم يفق أردوغان من صدمة زوال حكم أقرانه الإخوان لمصر» فنراه يخرج متغطرسا يهدد دول الجوار ويرتكب جرائم حرب في عفرين السورية التي يسكنها أغلبية كردية تؤرق منام أردوغان الذي لا يزال يحلم باستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية الغابرة التي دان لها حكم مصر بعد التغلب علي المماليك ودحرهم. الغريب أن المجتمع الدولي يري ذلك كله و أكثر منه دون أن يحرك ساكناً أو يوقف أفعال البلطجي التركي بالمنطقة. وتتعاظم المأساة إذا علمنا أن الدول العربية المنكوبة بالصراعات يمثل أطفالها سدس سكان العالم وهو ما يمثل خطراً جسيما علي مستقبل البشرية..فكيف ينشأ هؤلاء الأطفال الأبرياء بصورة سوية بينما مدافع المعارك وصواريخها وانفجارات القنابل تصم آذانهم ليل نهار ورياح الخوف تجتاح قلوبهم. ونار الفقد تدمي أفئدتهم ..فأين حقوق الأطفال التي صدعتنا بها دول الغرب..وأين اليونيسيف مما يجري لأطفال تلك المنطقة ..أليس الأولي بالدول الكبري وهي التي تزعم أنها راعية الحقوق والحريات أن توجه ما تنفقه علي إشعال نار الحروب وتأجيج الصراعات إلي بناء إنسان سوي ومواجهة الفقر ونقص الغذاء. ألا يعلم المجتمع الدولي أنه لا سلام ولا نهاية للإرهاب دون حل عادل لقضية فلسطين..؟! كلنا أمل أن تنتهي المعركة الأمنية مع الإرهاب بتصفية ما بقي من فلول الإرهابيين في سيناء وغيرها ثم تبدأ الدولة معركة أكبر وأشمل لإعادة صياغة العقل المصري وتجفيف منابع التطرف الفكرية» معركة تشارك فيها كافة مؤسسات الدولة. وعلي رأسها المؤسسات المعنية بالفكر. معركة لتجديد الفكر الديني والخطاب الإعلامي والسياسي . لتقديم أسانيد فقهية معتدلة تدحض أباطيل تنظيمات الإرهاب المتشددة» بلغة مبسطة تخاطب العوام ولاسيما شبابنا الأغر حتي لا يقع فريسة للتضليل الفكري والخداع العقلي ويصبح وقوداً تستخدمه جماعات العنف لحرق دعائم الاستقرار لحساب مخططات شيطانية خبيثة. ويبقي أن نطمئن إلي أن محاولات الوقيعة بين الشعب وجيشه وقياداته مآلها الفشل» ذلك أن هناك كيمياء خاصة بين الشعب وجيشه» كيمياء يندر أن توجد في أي دولة أخري » شريطة أن نبقي يقظين. وألا نستسلم لغواية الشائعات والأكاذيب التي يسهر علي ترويجها محور الشر هنا وهناك. لقد أثبت جيش مصر علي مر العصور أنه ليس حامي الحدود فقط بل حامي الوجود. فهو ظهير شعبه في كل الملمات والكوارث..لا يتواني عن تقديم كافة أشكال الدعم للشعب وللدولة وأكبر دليل علي ذلك ما قام به الجيش بعد أحداث ثورة يناير من حل للأزمات وحماية للإرادة الشعبية وصون للأمن الداخلي ومقومات الوطن.. حفظ الله مصر جيشا وشعباً..حفظ الله الوطن.