* حينما قال السيسي ¢أنا مش سياسي¢ فهم البعض أنه ينفي عن نفسه صفة السياسي لكن ما أراد الرجل توصيله لبسطاء الناس وسوادهم الأعظم أنه ليس كالسياسيين الذين لا هم لهم إلا كسب الشعبية والعواطف و دغدغة المشاعر واستمالة القلوب بمعسول الكلام والوعود الوهمية بحسبان السياسة في عرف هؤلاء السياسيين هي فن الممكن» سواء صادف هذا الممكن صالح الجماهير أو كان في غير صالحهم..المهم أن يحقق الساسة أهدافهم هم بأي طريقة . وعرف هؤلاء جيداً كيف يجري خداع الجماهير وتضليلهم بأكاذيب شتي . كلمات السيسي خرجت بتلقائية وعفوية ورغم جديتها وأخلاقيتها فقد قابلها نفرى من المتصيدين الموتورين والاعلاميين ورواد التواصل الاجتماعي واللجان الالكترونية لجماعة الاخوان الارهابية وغيرهم من حلف الأشرار بسخرية فجة وأفرغوا الكلمات من مضمونها وقاموا بتأويلها علي غير ما قصده الرئيس بعد اجتزائها من سياقها علي نحو متعسف ..وتلك عادتهم مع ما يقوله الرئيس ..وليتهم التزموا الموضوعية في النقد أو التمسوا وجه الحق لكنهم أرادوا إهالة التراب علي كل ما أنجزه السيسي في ولايته الأولي لاسيما في مناسبة مهمة كالتي تستعد مصر لاستقبالها بعد أسابيع ألا وهي الانتخابات الرئاسية. ما فهمته من مجمل ما قاله الرئيس السيسي أنه لا يبيع الوهم للشعب» بحثاً عن شعبية رخيصة» ولا هو ممن يأكلون علي كل الموائد كما هي شيمة كثير من رجالات الأحزاب » وإنما هو بحسبانه ابناً للمؤسسة العسكرية صانعة الرجال والوطنية لا يهمه سوي مصلحة وطنه الذي تعمي عن رؤيتها بصائر منتقديه ولائميه. ويبقي أن الحكم في جوهره سياسة ..وإذا كانت فترة الرئيس الأولي قد شهدت ضغوطاً من هنا وهناك وتكالباً علي مصر من أعدائها وهو ما لم يفسح مجالاً للسياسة يناسب سقف الطموح الذي تطلع إليه البعض في مصر بعد ثورتين كبريين فإن الفترة الثانية للرئيس السيسي إذا فاز في الانتخابات- سوف تشهد مع تعافي الاقتصاد والاستقرار التفاتاً إلي السياسة ودعماً للأحزاب. وظهور كوادر سياسية تصلح لقيادة البلاد في المستقبل. أما حلف الأشرار فلا يريد أن يبصر حجم ما تتعرض له مصر من مخاطر وما يحيط بها من تهديدات تتعاظم كلما خطت خطوة جديدة نحو الاستقرار والتعافي والعودة لممارسة دورها الطبيعي في إقليمها المضطرب وهو الدور الذي يحفظ للأمة توازنها وتماسكها في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء..ألا يري هؤلاء الحصاد المر للإرهاب الذي زرعه أهل الشر. والذي لا يزال خطره قائماً حتي وإن انحسرت عملياته وتراجعت هجماته ضد منشآت الدولة ومرافقها الحيوية وجنودها البواسل . ألم يشاهد هؤلاء حروب الجيل الرابع التي تتطور بصورة مذهلة مستخدمة أدواتها الناعمة في إشاعة الفوضي والتشكيك في كل شيء والتهييج وبث الفتن وإحداث الوقيعة بين مؤسسات الدولة بعضها بعضاً..سعياً لهدم الدول من داخلها بيد أبنائها» تارة بمعاول الصراعات المذهبية والدينية. وتارة أخري بالصراعات العرقية. وبالخلافات السياسية تارة ثالثة..وهكذا تدور الدائرة الجهنمية التي تبتلع كل شيء ولا تبقي ولا تذر.. كل ذلك بيد حفنة ضالة من أبنائها دون أن يطلق الأعداء رصاصة واحدة . لماذا يتعامي هؤلاء الضالون عن رؤية ما يحاك ضد مصر من ترصد واستهداف لا يسمح لها بالتقاط الأنفاس.. ويراهن أعداؤها علي نفاد صبر الشعب الذي يتحمل ضغوط الحياة ومعاناتها» مؤمناً بأن القادم أفضل. وأن الثورات يعقبها صدمات وفواتير لابد من دفعها. وصولا إلي الاستقرار والرخاء المنشود الذي بدأت إرهاصاته في الظهور مع النمو الاقتصادي ودخول الاكتشافات البترولية طور الانتاج وتنامي الاحتياطي الأجنبي وافتتاح مشروعات الطرق وتشغيل مصانع كانت متوقفة وغيرها من بشائر الخير الذي لا ينكره إلا عمي البصائر والقلوب. وكلما ازدادت وتيرة الهجوم علي مصر من هنا وهناك ازداد شعبها تماسكاً وصموداً » فالشعب يري ببصيرته ما يحاك ضد بلده من مؤامرات تدفع لأجل تنفيذها مليارات الدولارات ويجري خلالها تسريب معلومات استخباراتية من أجهزة دول معادية هدفها استنزاف مصر وإبقائها علي فوهة بركان وتصدير الاحباط للشارع وتوهين عزائمه وإضعاف روحه المعنوية وخصوصا بين جنودنا علي الجبهات كافة ..حتي الدجاج المجمد لم يسلم من التشكيك والتشويه والشائعات التي ترميه بعدم الصلاحية. استنادا إلي معلومات مغلوطة لم يثبت جديتها علي الأرض بوجود حالات تسمم حقيقية..في مثل هذه الأحوال يصبح درء المفاسد مقدما علي جلب المصالح ويصبح تفنيد الشائعات ودحض الافتراءات أوجب واجبات الوقت ..وتلك مهمة مجتمعية بامتياز ينبغي أن يتصدي لها الاعلام بشتي وسائله عبر نخبة صادقة مقبولة وحصيف.ة تملك القدرة علي الاقناع والوصول لعقول الناس وقلوبهم. لكن ذلك لم يحدث حتي هذه اللحظة. وهو أمر مدهش حقاً..فماذا تنتظر هذه النخبة..ولماذا نبقي أسري رد الفعل ..لماذا لا يتحرك الاعلام برؤية واستراتيجية تستبق ما يحدث علي الأرض. وتتوقع ما سوف يحدث لتحصن المجتمع ضد ما يحيكه أهل الشر من شائعات وأوهام يصدقها البعض للأسف في غيبة الرأي الآخر ..وهنا يثور سؤال : أين الأحزاب والنخبة السياسية من كل ما يجري حولنا..لماذا نشعر بغياب العقل السياسي في مخاطبة الرأي العام تماما كغيابها عن قضايا المواطن وهمومه الحقيقية. ويأتي تحركها للأسف كرد فعل لما يحدث» انتقادا أو تفسيراً. تأييداً أو معارضة..فأين دورها الايجابي الصانع لواقع جديد تحبه مصر وترضاه..إلي متي تظل نخبتنا وأحزابنا حبيسة مقارها ومكاتبها ومنابرها التقليدية ..لماذا انعدم اختلاطها بالناس حيث هم ..ألا تدرك أن للثورات تبعات وظروفاً تستلزم جهدا مضاعفاً للملمة الشمل وتوحيد الصف خلف راية الوطن الذي يمكننا الاختلاف علي طريقة خدمته وليس الخلاف عليه..ماذا قدمت الأحزاب للشباب..هل أدارت معهم حواراً عقلانياً يتناول قضايا تدفعه للإنجاز حتي لا تتركه فريسة للفيس بوك ..لماذا لم تسارع بإقناعهم بالانضمام لصفوفها. وممارسة السياسة والديمقراطية والادارة من داخلها..هل فكرت تلك الأحزاب في استثمار معرض الكتاب لعقد ندوات فكرية مع الشباب الغارق في العالم الافتراضي والذين يتأثرون سلباً بما يتم ترويجه عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون التحقق من مدي صحته..لماذا لم تستمع إليهم وتطلعهم علي حقائق ما يجري حولنا. وترد علي الشائعات وتفسر لهم مخططات التآمر التي تستهدف دولنا. وما يجب علي كل فرد أن يفعله في تلك الفترة للنهوض من العثرة الاقتصادية. والخروج بانتخابات الرئاسة إلي بر الأمان ..أين دور قصور الثقافة المنتشرة بطول البلاد وعرضها..هل تفي وزيرة الثقافة بوعدها الذي قطعته علي نفسها بإحداث ثورة ثقافية تغير المفاهيم الخاطئة والعادات السلبية ..وأين مراكز الشباب والأندية مما يجري ..وهل اكتفت بدورها الترفيهي علي الدور الطليعي والتثقيفي ..وماذا تجدي الأجسام السليمة في غيبة العقول الرشيدة..ماذا فعلت مؤسسات التعليم والثقافة لخلق تواصل بين الأجيال لتداول الخبرات بين الشيوخ والشباب..؟! ظني أن ما نعانيه اليوم هو نتاج غياب القدوة وغياب دور الأسرة وافتقاد الجيل الجديد للمثل العليا التي جعلت المجتمع في مأزق أخلاقي كبير. فضعف التماسك الأسري وتفكك الروابط الاجتماعية بفعل ثورة الاتصالات الهائلة التي خلقت أنماطا سلبية من التواصل الاجتماعي الخالي من الروح الانسانية والحميمية التي تلاشت بفعل الاتصال عبر صفحات الفيس بوك والواتس وغيرهما من وسائل الاتصال عبر الكابلات والأقمار الصناعية. أزمة مجتمعنا هي نتاج عوامل عديدة. وقد فوجئنا مثلا منذ سنوات بانخراط شبابنا في روابط وكيانات حاد بعضها عن مساره الطبيعي وانتقل من تشجيع الرياضة والتحلي بأخلاقها إلي خرق القانون وتحدي سلطة الدولة وتعريض أمنها وسلامها الاجتماعي للخطر. ولم نجد للأسف من يتصدي بالفكر والاقناع لمثل هذه الانحرافات ولا تصدي للأفكار المغلوطة والمتطرفة دينياً..ولم تخرج علينا مؤسسة معنية بالفكر الديني بخطاب متجدد مشفوع بالحجة والبرهان يدحض أسانيد تنظيمات العنف والارهاب التي شوهت صورة الاسلام وهو منها براء. لقد مرت مصر علي مدي تاريخها الطويل وهي التي عرفت أقدم أشكال الدولة تاريخياً ..مرت بانتصارات وانكسارات وثورات وانتفاضات ومحطات فارقة واستعمار وغزاة من كل صوب وحدب لكنها خرجت منتصرة. محتفظة بشخصيتها الحضارية الأصيلة العصية علي التذويب والاحتواء..ولا تزال بروحها- رغم قسوة ظروفها بعد أحداث يناير- وعزم أبنائها وقوة إرادتهم قادرة علي صناعة التاريخ وعبور الأزمات. أعمدة الشخصية المصرية ذات عمق وثراء كبيرين. فهي تملك القدرة علي الصبر والمقاومة والتفاؤل. ويمكنها إذا أوقظ الوعي وجري الاحتكام للعلم والأخلاق القويمة أن تسترد مكانتها التي تليق بما صنعه الأجداد من أمجاد لا تزال ملء السمع والبصر» شريطة أن تصفو نفوسنا وتخلص نوايانا وضمائرنا ونرجع للحق ونعلي صالح البلاد والعباد فوق مصالحنا الشخصية الضيقة..أما الاستسلام للسلبية والأنامالية والتواكل والعزوف فذلك يسلمها لا قدر الله إلي فتنة لا تبقي ولا تذر.. وساعتها لن يرحم التاريخ أحداً..لا النظام الذي سكت..ولا النخبة والمعارضة وقوي المجتمع الحية التي تأخرت حركتها عن حركة الجماهير. وكان حرياً بها أن تكون في طليعتها نحو التغيير والاصلاح والنهضة وهو ما لا يترك السيسي مناسبة دون أن يذكرنا بضرورة الحفاظ علي الدولة ومؤسساتها. وظني أن الاختلاف علي أرضية الوطن لا يفسد للود قضية. لكن للأسف يختلف بعض بني جلدتنا علي أرضية أجندات خارجية وشخصية..فكيف يتحقق استقرار سياسي في غيبة الأمن أو تدهور الاقتصاد..وكيف تنضج التجربة السياسية و تترسخ الديمقراطية بينما يخرج علينا من حين لآخر من يدعون لمقاطعة الانتخابات تارة. وللتظاهر والحرق والتدمير إذا ما وقع خلاف هنا أو هناك تارة أخري ..فأي منطق يعتنقه هؤلاء..وكيف تتحقق التنمية المستدامة في أجواء مشحونة بالاستفزاز ومحفوفة بالتربص..؟! لقد خاصمت البسمة شفاه المصريين وتعكر مزاجهم حتي قيض الله لمصر المشير السيسي الذي خلصها من حكم الاخوان. و رضي بمواجهة المخاطر ومجابهة التحديات ونزل علي رغبة الشعب بتولي مقاليد البلاد. مدركا أن المستقبل لن يقبل اعتماد أوراق شعوب ضعيفة فاتخذ قرارات صعبة ما كان لها أن تنجح لو إرادة الشعب الذي صبر وتحمل..وهو ما لا يرضاه الكارهون لمصر فخرجت علينا دعوات مقاطعة الانتخابات وهي ردة للخلف معروفة أهداف أصحابها كما هم معروفون بالاسم. فهم وجوه متكررة وأفعال ممقوتة. لا رصيد لهم ولا أرضية ..وظني أن الشعب يفطن لمثل هذه الألاعيب ولن ينخدع بها وسوف يخرج للتصويت بكثافة في الانتخابات. معبرا بحرية تامة عن إرادته. مدافعاً عن حقوقه ..وهذا هو أبلغ رد علي هؤلاء المغرضين.